Shalat Jumat Kitab Raudoh Nawawi

Panduan lengkap tata cara shalat Jumat menurut madzhab Syafi'i berdasarkan kitab Raudhah Al-Tolibin wa Umdat Al-Muftin karya Imam Nawawi
Panduan lengkap tata cara shalat Jumat menurut madzhab Syafi'i berdasarkan kitab Raudhah Al-Tolibin wa Umdat Al-Muftin karya Imam Nawawi

Baca juga:

- Shalat Jumat (1): Syarat Sahnya Jum'at
- Shalat Jumat (2): Syarat Khutbah
- Shalat Jumat (3): Syarat Wajib Shalat Jumat
- Shalat Jumat (3): Cara Pelaksanaan Jumat

روضة الطالبين وعمدة المفتين
أبو زكريا يحيى بن شرف النووي
الجزء الثاني ص: 3
ص: 26


كتاب صلاة الجمعة

فيه ثلاثة أبواب :

[ الباب الأول ]

في شروطها

اعلم أن صلاة الجمعة فرض عين . وحكى ابن كج وجها : أنها فرض كفاية . وحكي قولا ، وغلطوا حاكيه ، قال الروياني : لا يجوز حكاية هذا عن الشافعي - رحمه الله - . واعلم أن الجمعة كالفرائض الخمس في الأركان والشروط ; إلا أنها تختص بثلاثة أشياء .

أحدها : اشتراط أمور زائدة لصحتها . والثاني : اشتراط أمور زائدة لوجوبها . والثالث : آداب تشرع فيها . وهذا الباب لشروط الصحة . وهي ستة :

الأول : الوقت : فلا تقضى الجمعة على صورتها بالاتفاق ، ووقتها : وقت الظهر . ولو خرج الوقت ، أو شكوا في خروجه ، لم يشرعوا فيها . ولو بقي من الوقت ما لا يسع خطبتين وركعتين يقتصر فيهما على ما لا بد منه ، لم يشرعوا فيها ، بل يصلون الظهر . نص عليه في " الأم " . ولو شرعوا فيها في الوقت ، ووقع بعضها خارجه ، فاتت الجمعة قطعا ، ووجب عليهم إتمامها ظهرا على المذهب . وفيه قول مخرج : أنه يجب استئناف الظهر . فعلى المذهب ، يسر بالقراءة من حينئذ ، [ ص: 4 ] ولا يحتاج إلى تجديد نية الظهر على الأصح . وإن قلنا بالمخرج ، فهل تبطل صلاته ، أم تنقلب نفلا ؟ قولان مذكوران في نظائره ، تقدما في أول " صفة الصلاة " ولو شك هل خرج الوقت وهو في الصلاة ؟ أتمها جمعة على الصحيح ، وظهرا على الثاني . ولو قام المسبوق الذي أدرك ركعة ليأتي بالثانية ، فخرج الوقت قبل سلامه ، أتمها ظهرا على الأصح ، وجمعة على الثاني . ولو سلم الإمام والقوم التسليمة الأولى في الوقت ، والثانية خارجه ، صحت جمعتهم . ولو سلم الإمام الأولى خارج الوقت ، فاتت جمعة الجميع . ولو سلم الإمام وبعض المأمومين الأولى في الوقت ، وسلمها بعض المأمومين خارجه ، فمن سلمها خارجه ، فظاهر المذهب بطلان صلاتهم . وأما الإمام ومن سلم معه في الوقت ، فإن بلغوا عددا تصح بهم الجمعة ، صحت لهم ، وإلا فهو شبيه بمسألة الانفضاض . ثم سلامه وسلامهم خارج الوقت ، إن كان مع العلم بالحال ، تعذر بناء الظهر عليه قطعا ، لبطلان الصلاة ، إلا أن يغيروا النية إلى النفل ويسلموا ، ففيه ما سبق . وإن كان عن جهل منه ، لم تبطل صلاته . وهل يبني ، أم يستأنف ؟ فيه الخلاف الذي ذكرناه .

الشرط الثاني : دار الإقامة ، فيشترط لصحة الجمعة دار الإقامة ، وهي الأبنية التي يستوطنها العدد الذين يصلون الجمعة ، سواء فيه البلاد ، والقرى ، والأسراب التي يتخذها وطنا ، وسواء فيه البناء من حجر ، أو طين ، أو خشب . وأما أهل الخيام النازلون في الصحراء ، ويتنقلون في الشتاء وغيره ، فلا تصح جمعتهم فيها ، فإن كانوا لا يفارقونها شتاء ولا صيفا ، فالأظهر أنها لا تصح . والثاني : تصح وتجب . ولو انهدمت أبنية القرية ، أو البلد ، فأقام أهلها على العمارة ، لزمهم الجمعة فيها ، سواء كانوا في مظال ، أو غيرها ، لأنه محل الاستيطان . ولا يشترط إقامتها في مسجد ، ولا في كن ، بل يجوز في فضاء معدود من خطة البلد ، فأما الموضع الخارج عن البلد الذي إذا انتهى إليه الخارج للسفر قصر ، فلا يجوز إقامة الجمعة فيه .

الشرط الثالث : أن لا يسبق الجمعة ، ولا يقارنها أخرى . قال الشافعي - رحمه الله - : ولا يجمع في مصر - وإن عظم ، وكثرت مساجده - إلا في موضع واحد . وأما بغداد ، فقد دخلها الشافعي - رحمه الله - وهم يقيمون الجمعة في موضعين . وقيل : في ثلاثة ، فلم ينكر عليهم . واختلف أصحابنا في أمرها على أوجه . أصحها : أنه إنما جازت الزيادة فيها على جمعة ، لأنها بلدة كبيرة يشق اجتماعهم في موضع واحد ، فعلى هذا تجوز الزيادة على الجمعة الواحدة في جميع البلاد ، إذا كثر الناس وعسر اجتماعهم ، وبهذا قالأبو العباس ، وأبو إسحاق ، وهو الذي اختاره أكثر أصحابنا تصريحا وتعريضا . وممن رجحه : القاضي ابن كج ، والحناطي - بالحاء المهملة المفتوحة ، وتشديد النون - والقاضي الروياني ، والغزالي . والثاني : إنما جازت الزيادة فيها ، لأن نهرها يحول بين جانبيها فيجعلها كبلدتين . قاله أبو الطيب ابن سلمة . وعلى هذا لا يقام في كل جانب إلا جمعة . فكل بلد حال بين جانبيه نهر يحوج إلى السباحة ، فهو كبغداد . واعترض عليه ، بأنه لو كان الجانبان كبلدين ، لقصر من عبر من أحدهما إلى الآخر ، والتزم ابن سلمة المسألة ، وجوز القصر . والثالث : إنما جازت الزيادة ، لأنها كانت قرى متفرقة ، ثم اتصلت الأبنية ، فأجري عليها حكمها القديم ، فعلى هذا يجوز تعدد الجمعة في كل بلد هذا شأنه . واعترض عليه أبو حامد بما اعترض على الثاني . ويجاب بما أجيب في الثاني . وأشار إلى هذا الجواب صاحب " التقريب " . والرابع : أن الزيادة لا تجوز بحال ، وإنما لم ينكر الشافعي ، لأن المسألة اجتهادية ، وليس لمجتهد أن ينكر على المجتهدين . وهذا ظاهر نص الشافعي - رحمه الله - المتقدم . واقتصر عليه الشيخ أبو حامد وطبقته ، لكن المختار عند الأكثرين ما قدمناه . وحيث منعنا الزيادة على جمعة ، فعقدوا جمعتين ، فله صور .

أحدها : أن تسبق إحداهما فهي الصحيحة . والثانية : باطلة . وبم يعرف السبق ؟ فيه ثلاثة أوجه . أصحها : بالإحرام . والثاني : بالسلام . والثالث : [ ص: 6 ] بالشروع في الخطبة ، ولم يحك أكثر العراقيين هذا الثالث . فإذا قلنا بالأول ، فالاعتبار بالفراغ من تكبيرة الإحرام . فلو سبقت إحداهما بهمزة التكبيرة ، والأخرى بالراء منها ، فالصحيحة هي السابقة بالراء ، على الأصح . وعلى الثاني : السابقة بالهمزة . ثم على اختلاف الأوجه ، لو سبقت إحداهما ، وكان السلطان مع الأخرى ، فالأظهر أن السابقة هي الصحيحة ، ولا أثر للسلطان . والثاني : أن التي معها السلطان ، هي الصحيحة . ولو دخلت طائفة في الجمعة ، فأخبروا أن طائفة سبقتهم بما ذكرنا ، استحب لهم استئناف الظهر . وهل لهم أن يتموها ظهرا ؟ فيه الخلاف السابق ، فيما إذا خرج الوقت وهم في الجمعة .

الصورة الثانية : أن تقع الجمعتان معا ، فباطلتان ، وتستأنف جمعة إن وسع الوقت .

الثالثة : أن يشكل الحال ، ولا يدري اقترنتا ، أم سبقت إحداهما ، فيعيدون الجمعة أيضا ، لأن الأصل عدم جمعة مجزئة . قال إمام الحرمين : وقد حكم الأئمة بأنهم إذا أعادوا الجمعة ، برئت ذمتهم . وفيه إشكال لاحتمال تقدم إحداهما ، فلا تصح أخرى ، ولا تبرأ ذمتهم بها . فسبيل اليقين : أن يقيموا جمعة ، ثم يصلوا ظهرا .

الرابعة : أن تسبق إحداهما بعينها ، ثم تلتبس ، فلا تبرأ واحدة من الطائفتين عن العهدة ، خلافا للمزني . ثم ماذا عليهم ؟ فيه طريقان . المذهب : أن عليهم الظهر . والثاني : على القولين في الصورة الخامسة ، وبه قطع العراقيون .

الخامسة : أن تسبق إحداهما ولا يتعين ، بأن سمع مريضان ، أو مسافران ، تكبيرتين متلاحقتين وهما خارج المسجدين ، فأخبراهم بالحال ولم يعرفا المتقدمة ، فلا تبرأ واحدة منهما عن العهدة ، خلافا للمزني أيضا . وماذا عليهم ؟ قولان . أظهرهما في " الوسيط " : أنهم يستأنفون الجمعة . والثاني : يصلون الظهر . قال الأصحاب : وهو القياس .

[ ص: 7 ] قلت : الثاني أصح ، وصححه الأكثرون . - والله أعلم -

قال أصحابنا العراقيون : لو كان الإمام في إحدى الطائفتين في الصور الأربع الأخيرة ، ترتب على الصورة الأولى . فإن قلنا : التي فيها الإمام هي الصحيحة مع العلم بتأخرها ، فهنا أولى ، وإلا فلا أثر لحضوره .

الشرط الرابع : العدد . فلا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور . ونقل صاحب " التلخيص " قولا عن القديم : أنها تنعقد بثلاثة : إمام ، ومأمومين . ولم يثبته عامة الأصحاب . ويشترط في الأربعين : الذكورة ، والتكليف ، والحرية ، والإقامة على سبيل التوطن . وصفة التوطن : أن لا يظعنوا عن ذلك الموضع شتاء ولا صيفا ، إلا لحاجة . فلو كانوا ينزلون في ذلك الموضع صيفا ، ويرتحلون شتاء ، أو عكسه ، فليسوا مستوطنين ; فلا تنعقد بهم . وفي انعقادها بالمقيم الذي لم يجعل الموضع وطنا له خلاف نذكره في الباب الثاني - إن شاء الله تعالى - . وتنعقد بالمرضى على المشهور . وفي قول شاذ : لا تنعقد بهم ، كالعبيد . فعلى هذا ، صفة الصحة شرط خامس . ثم الصحيح ، أن الإمام من جملة الأربعين . والثاني : يشترط أن يكون زائدا على الأربعين . وحكى الروياني هذا الخلاف قولين . الثاني القديم .

فرع

العدد المعتبر في الصلاة - وهو الأربعون - معتبر في الكلمات الواجبة من الخطبتين ، واستماع القوم لها . فلو حضر العدد ، ثم انفضوا كلهم ، أو بعضهم ، وبقي دون أربعين ، فتارة ينقصون قبل الخطبة ، وتارة فيها ، وتارة بعدها ، وتارة في الصلاة ، فإن انفضوا قبل افتتاح الخطبة ، لم يبتدأ بها حتى يجتمع أربعون ، [ ص: 8 ] وإن كان في أثنائها ، فلا خلاف أن الركن المأتي به في غيبتهم غير محسوب ، بخلاف ما إذا نقص العدد في الصلاة ، فإن فيها خلافا ، لأن كلا يصلي لنفسه ، فسومح بنقص العدد فيها . والخطيب لا يخطب لنفسه ، إنما الغرض : استماع الناس ، فما جرى ولا مستمع فات فيه الغرض ، فلم يحتمل . ثم إن عادوا قبل طول الفصل ، بنى على خطبته ، وبعد طوله ، قولان يعبر عنهما بأن الموالاة في الخطبة واجبة ، أم لا ؟ والأظهر : أنها واجبة ، فيجب الاستئناف . والثاني : غير واجبة فيبني . وبنى جماعة القولين ، على أن الخطبتين بدل من الركعتين فيجب الاستئناف ، أم لا ، فلا ولا فرق بين فوات الموالاة بعذر أو بغيره . ولو لم يعد الأولون ، واجتمع بدلهم أربعون ، وجب استئناف الخطبة ; طال الفصل أم قصر . أما إذا انفضوا بعد فراغ الخطبة ، فإن عادوا قبل طول الفصل ، صلى الجمعة بتلك الخطبة . وإن عادوا بعد طوله ، ففي اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة قولان . الأظهر : الاشتراط . فلا يمكن الصلاة بتلك الخطبة . وعلى الثاني : يصلي بها . ثم نقل المازني أن الشافعي قال : أحببت أن تبتدئ الخطبة ، ثم يصلي الجمعة ، فإن لم يفعل ، صلى بهم الظهر . واختلف الأصحاب في معناه ، فقال ابن سريج ، والقفال ، والأكثرون : يجب أن يعيد الخطبة ، ويصلي بهم الجمعة لتمكنه . قالوا : ولفظ الشافعي : أوجبت ، ولكنه صحف . ومنهم من قال : أراد بأحببت : أوجبت . قالوا : وقوله : صلى بهم الظهر ، محمول على ما إذا ضاق الوقت . وقال أبو إسحاق : لا يجب إعادة الخطبة ، لكن يستحب ، وتجب الجمعة للقدرة . وقال أبو علي في " الإفصاح " : لا تجب إعادة الخطبة ، ولا الجمعة ، ولكن يستحبان عملا بظاهر النص . ودليل الثاني والثالث في ترك الخطبة ، خوف الانفضاض ثانيا ، فسقطت بهذا العذر ، وحصل خلاف في وجوب إقامة الجمعة ، كما اختصره الغزالي ، فقال : إن شرطنا الموالاة ، ولم تعد الخطبة ، أتم المنفضون . وهل يأثم الخطيب ؟ قولان . [ ص: 9 ] قلت : الأصح قول ابن سريج ، ومتابعيه ، وأن الخطيب يأثم إذا لم يعد ، - والله أعلم - .

وسواء طال الفصل والخطيب ساكت ، أو مستمر في الخطبة ، ثم لما عادوا أعاد ما جرى من واجبها في حال الانفضاض . أما إذا أحرم بالعدد المعتبر ، ثم حضر أربعون آخرون وأحرموا ، ثم انفض الأولون ، فلا يضر ، بل يتم الجمعة ، سواء كان اللاحقون سمعوا الخطبة ، أم لا . قال إمام الحرمين : ولا يمتنع عندي أن يقال : يشترط بقاء أربعين سمعوا الخطبة ، فلا تستمر الجمعة إذا كان اللاحقون لم يسمعوها . فأما إذا انفضوا ولحق أربعون على الاتصال ، فقد قال في ( الوسيط ) : تستمر الجمعة . لكن يشترط هنا أن يكون اللاحقون سمعوا الخطبة . أما إذا انفضوا فنقص العدد في باقي الصلاة ، ففيه خمسة أقوال منصوصة ومخرجة . أظهرها : تبطل الجمعة ويشترط العدد في جميعها . فعلى هذا ، لو أحرم الإمام ، وتبطأ المقتدون ، ثم أحرموا ، فإن تأخر تحرمهم عن ركوعه ، فلا جمعة . وإن لم يتأخروا عن ركوعه ، فقال القفال : تصح الجمعة . وقال الشيخ أبو محمد : يشترط أن لا يطول الفصل بين إحرامه وإحرامهم . وقال إمام الحرمين : الشرط أن يتمكنوا من إتمام الفاتحة ، فإذا حصل ذلك ، لم يضر الفصل ، وهذا هو الأصح عند الغزالي . والقول الثاني : إن بقي اثنان مع الإمام ، أتم الجمعة ، وإلا بطلت . والثالث : إن بقي معه واحد ، لم تبطل ، وهذه الثلاثة منصوصة . الأولان في الجديد . والثالث : القديم . ويشترط في الواحد والاثنين : كونهما بصفة الكمال . وقال صاحب " التقريب " : في اشتراط الكمال احتمال ، لأنا اكتفينا باسم الجماعة .

قلت : هذا الاحتمال حكاه صاحب " الحاوي " وجها محققا لأصحابنا ، حتى لو بقي [ ص: 10 ] صبيان ، أو صبي ، كفى . والصحيح : اشتراط الكمال . قال في " النهاية " : احتمال صاحب " التقريب " غير معتد به . - والله أعلم - والرابع : لا تبطل وإن بقي واحد . والخامس : إن كان الانفضاض في الركعة الأولى بطلت الجمعة . وإن كان بعدها ، لم تبطل ، ويتم الإمام الجمعة وحده ، وكذا من معه إن بقي معه أحد .

الشرط الخامس : الجماعة . فلا تصح الجمعة بالعدد فرادى . وشروط الجماعة : على ما سبق في غير الجمعة . ولا يشترط حضور السلطان ، ولا إذنه فيها . وحكى في ( البيان ) قولا قديما : أنها لا تصح إلا خلف الإمام ، أو من أذن له ، وهو شاذ منكر . ثم لإمام الجمعة أحوال .

أحدها : أن يكون عبدا ، أو مسافرا ، فإن تم به العدد ، لم تصح الجمعة ، وإن تم بغيره ، صحت على المذهب . وقيل : وجهان . أصحهما : الصحة . والثاني : البطلان . هذا إذا صليا الجمعة قبل أن يصليا الظهر . فإن كانا صليا ظهر يومهما ، فهما متنفلان بالجمعة . وفي الجمعة خلفهما ما يأتي في المتنفل .

الحال الثاني : أن يكون صبيا ، أو متنفلا ، فإن تم العدد به ، لم تصح ، وإن تم دونه ، صحت على الأظهر عند الأكثرين . واتفقوا على أن الجواز في المتنفل أظهر منه في الصبي ; لأنه من أهل الفرض ولا نقص فيه .

الحال الثالث : أن يصلوا الجمعة خلف من يصلي صبحا ، أو عصرا ، فكالمتنفل . وقيل : تصح قطعا ، لأنه يصلي فرضا . ولو صلوا خلف مسافر يقصر الظهر ، جاز إن قلنا : إن الجمعة ظهر مقصورة . وإن قلنا : صلاة على حيالها ، فكالصبح .

الحال الرابع : إذا بان الإمام بعد الصلاة جنبا أو محدثا ، فإن تم العدد به ، لم تصح . وإن تم دونه ، فالأظهر : الصحة . نص عليه في ( الأم ) ، [ ص: 11 ] وصححه العراقيون ، وأكثر أصحابنا . والثاني : لا تصح ، لأن الجماعة شرط ، والإمام غير مصل ، بخلاف سائر الصلوات ، فإن الجماعة فيها ليست شرطا . وغايته أنهم صلوها فرادى . والمنع هنا أقوى منه في مسألة الاقتداء بالصبي . وقال الأكثرون المرجحون للأول : لا نسلم أن حدث الإمام يمنع صحة الجماعة ، وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله . وقالوا : لا يمنع نيل فضيلة الجماعة في سائر الصلوات ، ولا غيره من أحكام الجماعة . وعلى الأظهر ، قال صاحب ( البيان ) : لو صلى الجمعة بأربعين ، فبان أن المأمومين محدثون ، صحت صلاة الإمام . بخلاف ما لو بانوا عبيدا ، أو نساء ، فإن ذلك مما يسهل الاطلاع عليه . وقياس من يذهب إلى المنع : أن لا تصح جمعة الإمام لبطلان الجماعة .

الحال الخامس : إذا قام الإمام في غير الجمعة إلى ركعة زائدة سهوا ، فاقتدى به إنسان فيها ، وأدرك جميع الركعة ، فإن كان عالما بسهوه ، لم تنعقد صلاته على الأصح . وإن كان جاهلا ، حسبت له الركعة ، ويبني عليها بعد سلام الإمام وإن لم تكن تلك الركعة محسوبة للإمام كالمحدث . بخلاف ما لو بان الإمام كافرا ، أو امرأة ، لأنهما ليسا أهلا للإمامة بحال . وعلى الوجه الثاني : لا تنعقد الصلاة ، ولا تحسب هذه الركعة للمأموم . فلو جرى هذا في الجمعة ، فإن قلنا : في غير الجمعة لا يدرك به الركعة ، لم يدرك به هنا الجمعة ، ولا تحسب عن الظهر أيضا ، وإن قلنا : يدركها في غير الجمعة ، فهل تحسب هذه الركعة عن الجمعة ؟ وجهان بناء على القولين في المحدث . واختار ابن الحداد : أنها لا تحسب .

واعلم أن الأصحاب لم يذكروا في المحدث إذا لم تحصل الجمعة : أن صلاة المقتدي به منعقدة ، وأن المأتي به يحسب عن الظهر ، حتى لو تبين الحال قبل سلام الإمام أو بعده على قرب ، يتمها ظهرا إذا جوزنا بناء الظهر على الجمعة . ومقتضى التسوية بين الفصلين : الانعقاد والاحتساب عن الظهر .

إذا أدرك المسبوق ركوع الإمام في ثانية الجمعة ، كان مدركا للجمعة . فإذا سلم الإمام ، أتى بثانية ، وإذا أدركه بعد ركوعها ، لم يدرك الجمعة ، ويقوم بعد سلام الإمام إلى أربع للظهر ، وكيف ينوي هذا المدرك بعد الركوع ؟ وجهان . أصحهما : ينوي الجمعة موافقة للإمام . والثاني : الظهر ، لأنها الحاصلة . فلو صلى مع الإمام ركعة ، ثم قام فصلى أخرى ، وعلم في التشهد أنه ترك سجدة من إحدى الركعتين ، نظر ، إن علمها من الثانية ، فهو مدرك للجمعة ، فيسجد سجدة ، ويعيد التشهد ، ويسجد للسهو ويسلم . وإن علمها من الأولى ، أو شك ، لم يكن مدركا للجمعة ، وحصلت له ركعة من الظهر . ولو أدركه في الثانية ، وشك هل سجد معه سجدة ، أم سجدتين ؟ فإن لم يسلم الإمام ، سجد بعد سجدة أخرى ، وكان مدركا للجمعة . وإن سلم الإمام ، لم يدرك الجمعة ، فيسجد ويتم الظهر . أما إذا أدرك في غير الجمعة الإمام في ركوع غير محسوب ، كركوع الإمام المحدث ، وركوع الإمام الساهي بزيادة ركعة ، وقلنا : إنه لو أدركها كلها ، حسبت ، فوجهان . أصحهما : لا يكون مدركا للركعة . والثاني : يدركها . فلو أدرك ركوع ثانية الجمعة ، فبان الإمام محدثا ، وقلنا : لو أدرك الركعة بكمالها مع المحدث في الجمعة حسبت ، فعلى هذين الوجهين ، الأصح : لا يدرك الجمعة .

فصل

إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدث تعمده ، أو سبقه ، أو بسبب غيره ، أو بلا سبب ، فإن كان في غير الجمعة ، ففي جواز الاستخلاف قولان . أظهرهما الجديد : يجوز . والقديم : لا يجوز . ولنا وجه : أنه يجوز بلا خلاف في غير الجمعة . وإنما القولان في الجمعة ، والمذهب : طرد القولين في جميع الصلوات . فإن لم نجوز الاستخلاف ، أتم القوم صلاتهم فرادى . وإن جوزناه ، فيشترط كون الخليفة صالحا لإمامة القوم . فلو استخلف لإمامة الرجال امرأة ، فهو لغو ، ولا تبطل صلاتهم إلا أن يقتدوا بها . قال إمام الحرمين : ويشترط حصول الاستخلاف على قرب . فلو فعلوا على الانفراد ركنا ; امتنع الاستخلاف بعده . وهل يشترط كون الخليفة ممن اقتدى بالإمام قبل حدثه ؟ قال الأكثرون من العراقيين ، وغيرهم : إن استخلف في الركعة الأولى أو الثالثة من الرباعية من لم يقتد به جاز ، لأنه لا يخالفهم في الترتيب ، وإن استخلفه في الثانية ، أو الأخيرة ، لم يجز ، لأنه يحتاج إلى القيام ، ويحتاجون إلى القعود . وأطلق جماعة اشتراط كون الخليفة ممن اقتدى به . وبه قطع إمام الحرمين ، وزاد فقال : لو أمر الإمام أجنبيا فتقدم ، لم يكن خليفة ، بل عاقد لنفسه صلاة ، جاز على ترتيب نفسه فيها . فلو اقتدى به القوم ، فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة . وقد سبق الخلاف فيه في موضعه ، لأن قدوتهم انقطعت بخروج الإمام عن الصلاة . ولا يشترط كون الخليفة مقتديا في الأولى ، بل يجوز استخلاف المسبوق . ثم عليه مراعاة نظم صلاة الإمام ، فيقعد في موضع قعوده ، ويقوم في موضع قيامه ، كما كان يفعل لو لم يخرج عن الصلاة ، حتى لو لحق الإمام في ثانية الصبح ، ثم أحدث الإمام فيها ، واستخلفه ; قنت وقعد فيها للتشهد ، ثم يقنت في الثانية لنفسه . ولو سها [ ص: 14 ] قبل اقتدائه ، أو بعده ، سجد في آخر صلاة الإمام ، وأعاد في آخر صلاة نفسه على الأظهر . وإذا تمت صلاة الإمام ، قام لتدارك ما عليه . وهم بالخيار ، إن شاءوا فارقوه وسلموا ، وإن شاءوا صبروا جلوسا ليسلموا معه . هذا كله إذا عرف المسبوق نظم صلاة الإمام ، فإن لم يعرف ، فقولان . وقيل : وجهان .

قلت : أرجحهما دليلا : أنه لا يصح . وقال الشيخ أبو علي السنجي : أصحهما : جوازه . - والله أعلم -

فإن جوزنا ، راقب القوم إذا أتم الركعة ، فإن هموا بالقيام ، قام ، وإلا قعد . وسهو الخليفة قبل حدث الإمام ، يحمله الإمام . وسهوه بعده يقتضي السجود عليه وعلى القوم . وسهو القوم قبل حدث الإمام وبعد الاستخلاف ، محمول ، وبينهما غير محمول ، بل يسجد الساهي بعد سلام الخليفة . هذا كله في غير الجمعة .

أما الاستخلاف في الجمعة ، ففيه القولان . فإن لم نجوزه : فالمذهب أنه إن أحدث في الأولى ، أتم القوم صلاتهم ظهرا . وإن أحدث في الثانية ، أتمها جمعة من أدرك معه ركعة . ولنا قول : أنهم يتمونها جمعة في الحالين . ووجه : أنهم يتمونها ظهرا في الحالين . وإن جوزنا الاستخلاف ، نظر ، إن استخلف من لم يقتد به ، لم يصح ، ولم يكن لذلك الخليفة أن يصلي الجمعة ، لأنه لا يجوز ابتداء جمعة بعد جمعة . وفي صحة ظهر هذا الخليفة خلاف مبني على أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة ، أم لا ؟ فإن قلنا : لا تصح ، فهل تبقى نفلا ؟ فيه القولان . فإن قلنا : لا تبقى فاقتدى به القوم ، بطلت صلاتهم . فإن صححناها وكان ذلك في الركعة الأولى ، فلا جمعة لهم . وفي صحة الظهر خلاف مبني على صحة الظهر بنية الجمعة . وإن كان في الركعة الثانية واقتدوا به ، كان هذا اقتداء طارئا على الانفراد . وفيه الخلاف الجاري في سائر الصلوات . وفيه شيء [ ص: 15 ] آخر ، وهو الاقتداء في الجمعة بمن يصلي الظهر ، أو النافلة ، وفيه الخلاف المتقدم . أما إذا استخلف من اقتدى به قبل الحدث ، فينظر ، إن لم يحضر الخطبة ، فوجهان . أحدهما : لا يصح استخلافه ، كما لو استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم ، فإنه لا يجوز . وأصحهما : الجواز . ونقل الصيدلاني في هذا الخلاف قولين : المنع عن البويطي ، والجواز عن أكثر الكتب . والخلاف في مجرد حضور الخطبة . ولا يشترط استماعها بلا خلاف ، وصرح به الأصحاب . وإن كان حضر الخطبة ، أو لم يحضرها ، وجوزنا استخلافه ، نظر ، إن استخلف من أدرك معه الركعة الأولى ، جاز وتمت لهم الجمعة ، سواء أحدث الإمام في الأولى أم الثانية . وفي وجه شاذ ضعيف : أن الخليفة يصلي الظهر ، والقوم يصلون الجمعة . وإن استخلف من أدركه في الثانية ، قال إمام الحرمين : إن قلنا : لا يجوز استخلاف من لم يحضر الخطبة ، لم يجز استخلاف هذا المسبوق ، وإلا فقولان . أظهرهما - وبه قطع الأكثرون - الجواز . فعلى هذا ، يصلون الجمعة . وفي الخليفة وجهان . أحدهما : يتمها جمعة . والثاني ، وهو الصحيح المنصوص : لا يتمها جمعة . فعلى هذا ، يتمها ظهرا على المذهب . وقيل : قولان . أحدهما : يتمها ظهرا . والثاني : لا . فعلى هذا ، هل تبطل ، أم تنقلب نفلا ؟ قولان . فإن أبطلناها ، امتنع استخلاف المسبوق . وإذا جوزنا الاستخلاف ، والخليفة مسبوق ، يراعي نظم صلاة الإمام ، فيجلس إذا صلى ركعة ويتشهد ، فإذا بلغ موضع السلام ، أشار إلى القوم ، وقام إلى ركعة أخرى إن قلنا : إنه مدرك للجمعة ، وإلى ثلاث إن قلنا : صلاته ظهر . والقوم بالخيار إن شاءوا فارقوه وسلموا ، وإن شاءوا ثبتوا جالسين حتى يسلم بهم . ولو دخل مسبوق واقتدى به في [ ص: 16 ] الركعة الثانية التي استخلف فيها ، صحت له الجمعة وإن لم تصح للخليفة ، نص عليه الشافعي - رحمه الله - . قال الأصحاب : هو تفريع على صحة الجمعة خلف مصلي الظهر . وتصح جمعة الذين أدركوا مع الإمام الأول ركعة بكل حال ، لأنهم لو انفردوا بالركعة الثانية ، كانوا مدركين للجمعة ، فلا يضر اقتداؤهم فيها بمصلي الظهر أو النفل .

فرع

هل تشترط نية القدوة بالخليفة في الجمعة وغيرها من الصلوات ؟ وجهان . الأصح : لا يشترط . والثاني : يشترط ، لأنهم بحدث الأول صاروا منفردين . وإذا لم يستخلف الإمام ، قدم القوم واحدا بالإشارة . ولو تقدم واحد بنفسه ، جاز ، وتقديم القوم أولى من استخلاف الإمام ، لأنهم المصلون . قال إمام الحرمين : ولو قدم الإمام واحدا ، والقوم آخر ، فأظهر الاحتمالين : أن من قدمه القوم أولى . فلو لم يستخلف الإمام ، ولا القوم ، ولا تقدم أحد ، فالحكم ما ذكرناه تفريعا على منع الاستخلاف . قال الأصحاب : ويجب على القوم تقديم واحد إن كان خروج الإمام في الركعة الأولى ولم يستخلف . وإن كان في الثانية ، لم يجب التقديم ، ولهم الانفراد بها كالمسبوق . وقد حكينا في الصورتين خلافا ، تفريعا على منع الاستخلاف ، فيتجه عليه الخلاف في وجوب التقديم وعدمه .

[ ص: 17 ] فرع هذا كله إذا أحدث في أثناء الصلاة . فلو أحدث بين الخطبة والصلاة ، فأراد أن يستخلف من يصلي ، إن جوزنا الاستخلاف في الصلاة جاز ، وإلا فلا يجوز ، بل إن اتسع الوقت ، خطب بهم آخر وصلى ، وإلا صلوا الظهر . وقال بعض الأصحاب : إن جوزنا الاستخلاف في الصلاة ، فهنا أولى ، وإلا ففيه الخلاف . وعكس الشيخ أبو محمد فقال : إن لم نجوزه في الصلاة ، فهنا أولى ، وإلا ففيه الخلاف . والمذهب : استواؤهما . ثم إذا جوزنا ، فشرطه أن يكون الخليفة سمع الخطبة ، على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، لأن من لم يسمع ، ليس من أهل الجمعة . ولهذا ، لو بادر أربعون من السامعين بعد الخطبة ، فعقدوا الجمعة ، انعقدت لهم ، بخلاف غيرهم . وإنما يصير غير السامع من أهل الجمعة ، إذا دخل في الصلاة . وحكى صاحب ( التتمة ) وجهين في استخلاف من لم يسمع . ولو أحدث في أثناء الخطبة ، وشرطنا الطهارة فيها ، فهل يجوز الاستخلاف ؟ إن منعناه في الصلاة ، فهنا أولى ، وإلا ، فالصحيح جوازه كالصلاة .

فرع

لو صلى مع الإمام ركعة من الجمعة ، ثم فارقه بعذر ، أو بغيره ، وقلنا : لا تبطل الصلاة بالمفارقة ، أتمها جمعة كما لو أحدث الإمام .

[ ص: 18 ] فرع

إذا تمت صلاة الإمام ، ولم تتم صلاة المأمومين ، فأرادوا استخلاف من يتم بهم ، إن لم نجوز الاستخلاف للإمام ، لم يجز لهم ، وإلا فإن كان في الجمعة ، بأن كانوا مسبوقين ، لم يجز ، لأن الجمعة لا تنشأ بعد جمعة . وإن كان في غيرها ، بأن كانوا مسبوقين ، أو مقيمين ، وهو مسافر ، فالأصح : المنع ، لأن الجماعة حصلت ، وإذا أتموها فرادى نالوا فضلها .

فصل

إذا منعته الزحمة في الجمعة السجود على الأرض مع الإمام في الركعة الأولى ، نظر ، إن أمكنه أن يسجد على ظهر إنسان ، أو رجله ، لزمه ذلك ، على الصحيح الذي قطع به الجمهور . وفيه وجه شاذ : يتخير ، إن شاء سجد على الظهر ، وإن شاء صبر ليسجد على الأرض . ثم قال جماهير الأصحاب : إنما يسجد على ظهر غيره ، إذا قدر على رعاية هيئة الساجدين ، بأن يكون على موضع مرتفع . فإن لم يكن ، فالمأتي به ليس بسجود . وفيه وجه ضعيف : أنه لا يضر ارتفاع الظهر ، والخروج عن هيئة الساجدين للعذر . وإذا تمكن من السجود على ظهر غيره فلم يسجد ، فهو تخلف بغير عذر على الأصح . وعلى الثاني : بعذر . ولو لم يتمكن من السجود على الأرض ولا على الظهر ، فأراد أن يخرج عن المتابعة لهذا العذر ، ويتمها ظهرا ، ففي صحتها قولان ، لأنها ظهر قبل فوات الجمعة . قال إمام الحرمين : ويظهر منعه من الانفراد ، لأن إقامة الجمعة واجبة ، فالخروج منها عمدا مع توقع إدراكها [ ص: 19 ] لا وجه له . فأما إذا دام على المتابعة ، فما يصنع ؟ فيه أوجه ، الصحيح : أنه ينتظر التمكن . والثاني : يومئ السجود أقصى ما يمكنه كالمريض . والثالث : يتخير بينهما . فإذا قلنا : بالصحيح ، فله حالان . أحدهما : يتمكن من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية . والثاني : لا يتمكن إلى ركوعه . ففي الحال الأول يسجد عند تمكنه ، فإذا فرغ من سجوده ، فللإمام أحوال أربعة .

أحدها : أن يكون بعد في القيام ، فيفتتح القراءة ، فإن أتمها ركع معه ، وجرى على متابعته ، ولا بأس بهذا التخلف للعذر . وإن ركع الإمام قبل إتمامها ، فهل له حكم المسبوق ؟ وجهان . وقد بينا حكم المسبوق في باب ( صلاة الجماعة ) .

قلت : أصحهما عند الجمهور : له حكمه . - والله أعلم -

الحال الثاني : للإمام أن يكون في الركوع . فالأصح عند الجمهور : أنه يدع القراءة ، ويركع معه ، لأنه لم يدرك محلها ، فسقطت عنه كالمسبوق . والثاني : يلزمه قراءتها ، ويسعى وراء الإمام ، وهو متخلف بعذر .

الحال الثالث : أن يكون فارغا من الركوع ولم يسلم ، فإن قلنا في الحال الثاني : هو كالمسبوق ، تابع الإمام فيما هو فيه ، ولا يكون محسوبا له ، بل يقوم عند سلام الإمام إلى ركعة ثانية . وإن قلنا : ليس هو كالمسبوق ، اشتغل بترتيب صلاة نفسه . وقيل : يتعين متابعة الإمام قطعا .

الحال الرابع : أن يكون الإمام متحللا من صلاته ، فلا يكون مدركا للجمعة ، لأنه لم يتم له ركعة قبل سلام الإمام ، بخلاف ما لو رفع رأسه من السجود ، ثم سلم الإمام في الحال . قال إمام الحرمين : وإذا جوزنا له التخلف ، وأمرناه بالجريان على ترتيب صلاة نفسه ، فالوجه أن يقتصر على الفرائض ، فعساه يدرك الإمام ، ويحتمل أن يجوز الإتيان بالسنن مع الاقتصار على الوسط منها . الحال الثاني للمأموم : أن لا يتمكن من السجود حتى ركع الإمام في الثانية ، وفيه [ ص: 20 ] قولان . أظهرهما : يتابعه فيركع معه . والثاني : لا يركع معه بل يسجد ، ويراعي ترتيب صلاة نفسه . فإن قلنا بالأول ، فتارة يوافق ما أمرناه ، وتارة يخالف . فإن وافق وركع معه ، فأي الركوعين يحتسب ؟ وجهان . وقيل : قولان . أصحهما عند الأصحاب : بالركوع الأول . والثاني : بالثاني . فإن قلنا : بالثاني ، حصلت له الركعة الثانية بكمالها . فإذا سلم الإمام ، ضم إليها أخرى ، وتمت جمعة بلا خلاف . وإن قلنا : بالأول ، حصلت ركعة ملفقة من ركوع الأولى ، وسجود الثانية . وفي إدراك الجمعة بالملفقة ، وجهان . أصحهما : تدرك . أما إذا خالف ما أمرناه ، فاشتغل بالسجود وترتيب نفسه ، فإن فعل ذلك مع علمه بأن واجبه المتابعة ، ولم ينو مفارقته ، بطلت صلاته ، ويلزمه الإحرام بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع . وإن نوى مفارقته ، فقد أخرج نفسه عن المتابعة بغير عذر . وفي بطلان الصلاة به ، قولان سبقا . فإن لم تبطل ، لم تصح جمعته . وفي صحة ظهره خلاف مبني على أن الجمعة إذا تعذر إتمامها ، هل يجوز إتمامها ظهرا ؟ وعلى أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة ؟ وإن فعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فما أتى به من السجود ، لا يعتد به ، ولا تبطل صلاته . ثم إن فرغ والإمام بعد في الركوع ، لزمه متابعته . فإن تابعه وركع معه ، فالتفريع كما سبق لو لم يسجد ، وإن لم يركع معه ، أو كان الإمام فرغ من الركوع ، نظر ، إن راعى ترتيب نفسه ، بأن قام بعد السجدتين ، وقرأ ، وركع ، وسجد ، فالمفهوم من كلام الأكثرين أنه لا يعتد له بشيء مما يأتي به على غير المتابعة . وإذا سلم الإمام ، سجد سجدتين لتمام الركعة ، ولا يكون مدركا للجمعة ، لأن على هذا القول الذي عليه التفريع ، نأمره بالمتابعة بكل حال . وكما لا يحسب له السجود والإمام راكع ، لكون فرضه المتابعة ، وجب أن لا يحسب والإمام في ركن بعد الركوع . وقال الصيدلاني ، وإمام الحرمين ، والغزالي : إذا فعل هذا المذكور ، تم له منهما جميعا ركعة ، لكن فيها نقصانان . أحدهما : التلفيق ، فإن ركوعها من الأولى ، وسجودها من [ ص: 21 ] الثانية ، وفي الملفقة الخلاف . والثاني : نقصها بالقدوة الحكمية ، فإنه لم يتابع الإمام في معظم ركعته متابعة حسية ، بل حكمية . وفي إدراك الجمعة بالركعة الحكمية ، وجهان ، كالملفقة ، أصحهما : الإدراك ، وليس الخلاف في مطلق القدوة الحكمية ، فإن السجود في حال قيام الإمام ، ليس على حقيقة المتابعة ، ولا خلاف أن الجمعة تدرك به . هذا كله إذا جرى على ترتيب نفسه بعد فراغه من السجدتين اللتين لم يعتد بهما . فأما إذا فرغ منهما والإمام ساجد ، فتابعه في سجدتيه ، فهذا هو الذي نأمره به في هذه الحالة على هذا القول ، فتحسبان له ، ويكون الحاصل ركعة ملفقة ، وإن وجد الإمام في التشهد ، وافقه . فإذا سلم ، سجد سجدتين وتمت له الركعة ، ولا جمعة له ، لأنه لم يتم له ركعة والإمام في الصلاة . وكذا يفعل لو وجده قد سلم . هذا كله إذا قلنا : يتابع الإمام . أما إذا قلنا : لا يتابعه بل يسجد ويراعي ترتيب نفسه ، فله حالان .

أحدهما : أن يخالف ما أمرناه ، فيركع مع الإمام . فإن تعمد ، بطلت صلاته ، ويلزمه أن يحرم بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع ، وإن كان ناسيا ، أو جاهلا يعتقد أن الواجب عليه الركوع مع الإمام ، لم تبطل صلاته ، ولم يعتد بركوعه . فإذا سجد معه بعد الركوع ، حسبت له السجدتان على الصحيح ، وعلى الشاذ لا يعتد بهما . فعلى الصحيح تحصل ركعة ملفقة . وفي الإدراك بها الوجهان .

الحال الثاني : أن يوافق ما أمرناه فيسجد ، فهذه قدوة حكمية . وفي الإدراك بها ، الوجهان . فإذا فرغ من السجود ، فللإمام حالان .

أحدهما : أن يكون فارغا من الركوع ، إما في السجود ، وإما في التشهد ، فوجهان . أحدهما : يجري على ترتيب نفسه ، فيقوم ، ويقرأ ، ويركع . وأصحهما : يلزمه متابعة الإمام فيما هو فيه ، فإذا سلم الإمام ، اشتغل بتدارك ما عليه ، وبهذا [ ص: 22 ] قطع كثير من أصحابنا العراقيين وغيرهم . فعلى هذا ، لو كان الإمام عند فراغه من السجود قد هوى للسجود فتابعه ، فقد والى بين أربع سجدات : فهل المحسوب لإتمام الركعة الأولى ، السجدتان الأوليان ، أم الأخريان ؟ وجهان . أصحهما : الأوليان . والثاني : الأخريان . فعلى هذا ، يعود الخلاف في الملفقة .

الحال الثاني : للإمام أن يكون راكعا بعد . فهل عليه متابعته ، وتسقط عنه القراءة كالمسبوق ؟ أو يشتغل بترتيب صلاة نفسه فيقرأ ؟ وجهان كما ذكرنا تفريعا على القول الأول . فعلى الأول ، يسلم معه ، وتتم جمعته . وعلى الثاني : يقرأ ويسعى ليلحقه ، وهو مدرك للجمعة .

فرع

إذا لم يتمكن المزحوم من السجود حتى سجد الإمام في الثانية ، تابعه في السجود بلا خلاف . فإن قلنا : الواجب متابعة الإمام ، فالحاصل ركعة ملفقة ، وإلا فغير ملفقة . أما إذا لم يتمكن من السجود حتى تشهد الإمام فيسجد . ثم إن أدرك الإمام قبل السلام ، أدرك الجمعة ، وإلا فلا .

قلت : قال إمام الحرمين : لو رفع المزحوم رأسه من السجدة الثانية ، فسلم الإمام قبل أن يعتدل المزحوم ، ففيه احتمال . قال : والظاهر : أنه مدرك للجمعة . - والله أعلم - .

أما إذا كان الزحام في سجود الركعة الثانية ، وقد صلى الأولى مع الإمام ، فيسجد متى تمكن قبل سلام الإمام ، أو بعده ، وجمعته صحيحة . فإن كان مسبوقا ، لحقه في الثانية . فإن تمكن قبل سلام الإمام ، سجد وأدرك ركعة من الجمعة ، وإلا فلا جمعة له .

أما إذا زحم عن ركوع الأولى حتى ركع الإمام في الثانية ، [ ص: 23 ] فيركع . قال الأكثرون : ويعتد له بالركعة الثانية ، وتسقط الأولى . ومنهم من قال : الحاصل ركعة ملفقة .

فرع

إذا عرضت حالة في الصلاة تمنع من وقوعها جمعة في صور الزحام وغيرها ، فهل تتم صلاته ظهرا ؟

قولان يتعلقان بأصل . وهو : أن الجمعة ظهر مقصورة ، أم صلاة على حيالها ؟ وفيه قولان اقتضاهما كلام الشافعي .

قلت : أظهرهما : صلاة بحيالها . - والله أعلم - .

فإن قلنا : ظهر مقصورة ، فإذا فات بعض شروط الجمعة ، أتمها ظهرا كالمسافر إذا فات شرط قصره . وإن قلنا : فرض على حياله ، فهل يتمها ؟ وجهان . والصحيح مطلقا : أنه يتمها ظهرا . لكن هل يشترط أن يقصد قلبها ظهرا ، أم تنقلب بنفسها ظهرا ؟ وجهان في ( النهاية ) .

قلت : الأصح : لا يشترط ، وهو مقتضى كلام الجمهور . - والله أعلم - .

وإذا قلنا : لا يتمها ظهرا ، فهل تبطل ، أم تبقى نفلا ؟ فيه القولان السابقان فيمن صلى الظهر قبل الزوال ونظائرها . قال إمام الحرمين : قول البطلان ، لا ينتظم تفريعه إذا أمرناه في صورة الزحام بشيء فامتثل ، فليكن ذلك مخصوصا بما إذا خالف .

[ ص: 24 ] فرع

التخلف بالنسيان ، هل هو كالتخلف بالزحام ؟ قيل : فيه وجهان . أصحهما : نعم ، لعذره . والثاني : لا لندوره وتفريطه . والمفهوم من كلام الأكثرين أن فيه تفصيلا . فإن تأخر سجوده عن سجدتي الإمام بالنسيان ثم سجد في حال قيام الإمام فحكمه كالزحام ، وكذا لو تأخر لمرض . وإن بقي ذاهلا حتى ركع الإمام في الثانية ، فطريقان . أحدهما : كالمزحوم ، فيركع معه على قول ، ويراعي ترتيب نفسه في قول .

والطريق الثاني : يتبعه قولا واحدا ، لأنه مقصر فلا يجوز ترك المتابعة . قال الروياني : هذا الطريق أظهر .

فرع

الزحام يجري في جميع الصلوات ، وإنما يذكرونه في الجمعة ، لأن الزحمة فيها أكثر ، ولأنه يجتمع فيها وجوه من الإشكال لا يجري في غيرها ، مثل الخلاف في إدراك الجمعة بالملفقة ، والحكمية وبنائها على أنها ظهر مقصورة ، أم لا ؟ ولأن الجماعة فيها شرط ، ولا يمكن المفارقة ما دام يتوقع إدراك الجمعة ، بخلاف سائر الصلوات . إذا عرفت ذلك ، فإذا زحم في سائر الصلوات ، فلم يمكنه السجود حتى ركع الإمام في الثانية ، فالمذهب : أنه على القولين . وقيل : يركع معه قطعا . وقيل : يراعي ترتيب نفسه قطعا .

الشرط السادس : الخطبة . فمن شرائط الجمعة : تقديم خطبتين . وأركان الخطبة خمسة . أحدها : حمد الله تعالى ، ويتعين لفظ الحمد . والثاني : الصلاة

[ ص: 25 ] على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويتعين لفظ الصلاة . وحكي في ( النهاية ) عن كلام بعض الأصحاب : ما يوهم أنهما لا يتعينان ، ولم ينقله وجها مجزوما به .

الثالث : الوصية بالتقوى ، وهل يتعين لفظ الوصية ؟ وجهان . الصحيح المنصوص : لا يتعين .

قال إمام الحرمين : ولا خلاف أنه لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها ، فإن ذلك قد يتواصى به منكرو الشرائع ، بل لا بد من الحمل على طاعة الله تعالى ، والمنع من المعاصي . ولا يجب في الموعظة كلام طويل ، بل لو قال : أطيعوا الله كفى ، وأبدى الإمام فيه احتمالا ، ولا تردد في أن كلمتي الحمد ، والصلاة ، كافيتان .

ولو قال : والصلاة على محمد ، أو على النبي ، أو رسول الله ، كفى . ولو قال : الحمد للرحمن ، أو الرحيم ، فمقتضى كلام الغزالي : أنه لا يكفيه ، ولم أره مسطورا ، وليس هو ببعيد كما في كلمة التكبير . ثم هذه الأركان الثلاثة ، لا بد منها في كل واحدة من الخطبتين .

ولنا وجه : أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في إحداهما كافية ، وهو شاذ .

الرابع : الدعاء للمؤمنين ، وهو ركن على الصحيح . والثاني : لا يجب ، وحكي عن نصه في ( الإملاء ) . وإذا قلنا بالصحيح ، فهو مخصوص بالثانية . فلو دعا في الأولى لم يحسب ، ويكفي ما يقع عليه الاسم .

قال إمام الحرمين : وأرى أنه يجب أن يكون متعلقا بأمور الآخرة ، وأنه لا بأس بتخصيصه بالسامعين ، بأن يقول : رحمكم الله .

الخامس : قراءة القرآن . وهي ركن على المشهور . وقيل : على الصحيح . والثاني : ليست بركن ، بل مستحبة . فعلى الأول أقلها آية ، نص عليه الشافعي - رحمه الله - ، سواء كانت وعدا ، أو وعيدا ، أو حكما ، أو قصة .

قال إمام الحرمين : ولا يبعد الاكتفاء بشطر آية طويلة . ولا شك أنه لو قال : ( ثم نظر ) [ المدثر : 21 ] لم يكف ، وإن عد آية ، بل يشترط كونها مفهمة . واختلفوا في محل القراءة على ثلاثة أوجه . أصحها ونص عليه في ( الأم ) : تجب في إحداهما لا بعينها . والثاني : تجب فيهما . والثالث : تجب في الأول خاصة ، وهو ظاهر نصه في ( المختصر ) : ويستحب أن يقرأ في الخطبة سورة ( ق ) .

[ ص: 26 ] قلت : قال الدارمي : يستحب أن تكون قراءة ( ق ) في الخطبة الأولى . والمراد قراءتها بكمالها ، لاشتمالها على أنواع المواعظ . - والله أعلم - .

ولو قرأ آية سجدة ، نزل وسجد . فلو كان المنبر عاليا ، لو نزل لطال الفصل ، لم ينزل ، لكن يسجد عليه إن أمكنه ، وإلا ترك السجود . فلو نزل وطال الفصل ، ففيه الخلاف المتقدم في الموالاة . ولا تدخل القراءة في الأركان المذكورة . حتى لو قرأ آية فيها موعظة ، وقصد إيقاعها عن الجهتين ، لم يجزئ ، ولا يجوز أن يأتي بآيات تشتمل على الأركان المطلوبة ، لأن ذلك لا يسمى خطبة . ولو أتى ببعضها في ضمن آية لم يمتنع .

وهل يشترط كون الخطبة كلها بالعربية ؟ وجهان . الصحيح : اشتراطه ، فإن لم يكن فيهم من يحسن العربية ، خطب بغيرها . ويجب أن يتعلم كل واحد منهم‌ الخطبة العربية ، كالعاجز عن التكبير بالعربية . فإن مضت مدة إمكان التعلم ولم يتعلموا ، عصوا كلهم ، ولا جمعة لهم .

LihatTutupKomentar