Posisi Kedua Kaki Orang yang Shalat

Judul kitab: Posisi Kedua Kaki Orang yang Shalat Penulis: Dr. Ahmad Muhammad Nur Saif Al-Makki Buku ini menjelaskan tentang posisi dua kaki saat sedang berdiri dalam shalat. Yakni jarak antara kaki kanan dan kaki kiri seseorang maupun jarak antara kaki seorang makmum dengan makmum lainnya yang ada di kanan kirinya. Tulisan ini sebagai tanggapan atas pandangan kalangan Wahabi Salafi yang mewajibkan mushalli (orang shalat) agar menempelkan kakinya dengan kaki barisan jamaah makmum di kanan kirinya.
Posisi Kedua Kaki Orang yang Shalat
Judul kitab: Posisi Kedua Kaki Orang yang Shalat
Penulis: Dr. Ahmad Muhammad Nur Saif Al-Makki

Buku ini menjelaskan tentang posisi dua kaki saat sedang berdiri dalam shalat. Yakni jarak antara kaki kanan dan kaki kiri seseorang maupun jarak antara kaki seorang makmum dengan makmum lainnya yang ada di kanan kirinya. Tulisan ini sebagai tanggapan atas pandangan kalangan Wahabi Salafi yang mewajibkan mushalli (orang shalat) agar menempelkan kakinya dengan kaki barisan jamaah makmum di kanan kirinya.

Baca juga:

- Hukum Menempelkan Kaki Saat Shalat Berjamaah
- Hukum Meluruskan Barisan Shaf Shalat Berjamaah
- Posisi Kedua Kaki Orang yang Shalat

موضع القدمين من المصلى في الصلاة للأستاذ الدكتور: أحمد محمد نور سيف

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.

وبعد:

فقد كثر النقاش في صفة وقوف المصلي في صلاته، وما يطلب منه في تسوية الصف وإقامته، وشغل الناس ما يصدر عن البعض من تصرفات تصرفهم عن الغرض الأسمى من أداء هذه العبادة، ومن ذلك كيفية وضع المصلي قدميه عند تسوية الصف، وقد كُتِبَت بحوث حول هذه القضية، مشدِّدة في ذلك، أو رافضة أو موجِّهة.
وقد أَحْببت أن أوضح منزلة هذه السُّنَّة التقريرية من أحكام التكليف، وأَنَّ السُّنَّة التقريرية ليست على درجة واحدة من الحجية.

ولمكانة الصلاة من أحكام هذا الدِّين، أَوْلَتها الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، عناية خاصة في كل ما يتعلق بها، من أحكام وآداب، وما يجنيه العبد من عظيم الثمرات، ووافر المثوبات، وصلاح الحال في العاجل والآجل، حين يحط العبد ـ بفضل الله ورحمته ـ رحاله في جنة عرضها الأرض والسموات، (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد:24].

ولذا كان مِنْ خصيصة هذه الأمة ـ في خصائص كثيرة تُغْبَط عليها ـ أن جعل الله صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة الروحانيين الذين (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6] فَلَمْ تُعْطَ أمة قبلهم هذه الخصيصة، إكراماً لنبيهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

واستشعاراً من النبي الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذه المنة، وما فطر عليه من حرصه الشديد على نفع هذه الأمة، وإيصال الخير إليها، ما وجد إلى ذلك سبيلا (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:128] فقد نبه صلى الله عليه وسلم على أهمية الاهتمام في الوقوف بين يدي الله تعالى، والمحافظة على المظهر والمخبر، ووجوب المطابقة بينهما ليتجلى صدق التوجه، وتناسق المظهر وتطابقه مع حضور المخبر، فالقلب مع اللسان، والجوارح مع العقل والجنان، تناسق في الحضور والتوجه والأداء، "لَتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " (خ:242/2ح717فتح) (م: 324/1ح436).

فالانسجام والتوافق، والترتيب والنظام، في المظهر، دليل على الاهتمام، كما أن الفوضى والاضطراب وعدم التوافق والانسجام، دليلٌ على انصراف النفس وانشغالها، وعدم إدراكها وإحساسها، وكما لا يغتفر في أمور الدنيا هذا السلوك من الاضطراب والاختلاف، ويُعدُّ معيباً ومظهراً مِنْ مظاهر عدم الاهتمام واللامبالاة، فإنَّ الشارع خاطب العقول السليمة، والفِطَر الحكيمة، بما جُبِلَت عليه من ضرورة ذلك وأهميته في نجاح العبد في أمور دينه ودنياه.
وحرصاً منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ على تحقيق ذلك، كان يباشر هذا الأمر بيده الكريمة، فكان يسوي بين الصدور والمناكب، كما في صحيح ابن خزيمة (24/3): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيمسح على عواتقنا وصدورنا ويقول: "لا تختلف صفوفكم، فتختلف قلوبكم".

حتى إذا عقلوا عنه ذلك المطلب في المحافظة على استقامة الصف، وعدم اعوجاجه واضطرابه ترك. وبذلك نَبَّهَهُم قولاً وأرشدهم فعلاً إلى المطلوب، وفَهِمَ الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ عنه ما أراد، من أن القلب لا بد أن يَتَّسِق مع القالب، فكان ما طلبه منهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لتحقيق ذلك أموراً:
أولاً: تعديل الصفوف واستقامتها وعدم اعوجاجها.

ثانياً: استواؤها وعدم اضطرابها، بتقدم البعض عن الصف، أو تأخر البعض عنه، مما يترتب معه عدم استواء الأقدام والمناكب.

ثالثاً: التقارب بين المصلين في الصف، وعدم ترك الفجوات، فيُحَاذى بين المناكب، ويُقَارَب بين الأقدام لتلافي الثغرات، التي يتخذ الشيطان منها أوكاراً لإفساد صلاة المصلين، والتشويش عليهم، وبذر بذور الخلاف بينهم.
رابعاً: عدم التأخر عن الصفوف الأُوَل، وترك الفجوات فيها.
واكتفى الشارع بذلك قولاً وفعلاً وتوجيهاً، لما يحقق الغرض الذي عناه الشارع في تسوية الصفوف وإقامتها، وعدم الخلل فيها، لأن ذلك يحقق المطلوب.

أما ما فعله بعض الصحابة بعد ذلك، من مبالغة في الاستجابة لأمر الشارع، فإن ذلك لا يضر، ولو لم يكن أمراً مطلوباً أو مرغباً فيه، لأن الأصل قد تحقق، وما زاد من اجتهاد المكلف في تحقيق الاستجابة، إذا لم يضر بأصل التكليف، فإنَّ الشرع في مواطن عدة، أَقَرَّ ذلك الفعل، لأنه اجتهاد زائد على المطلوب، ولا يضر بأصل التكليف، بل يدل على شدة الحرص في الاستجابة.
وهذا ما ترجم له البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه (باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف).
وأورد في ذلك ما يلي:
وقال النعمان بن بشير: رأيت الرجل منّا يلزق كعبه بكعب صاحبه. وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري".وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه. (خ: كتاب الأذان باب 76ح725 فتح).

وقد اعتمد المستنبط لهذا الحكم، من دلالة النص على ما يلي:
* أنه فعل صحابي، أُقِرَّ من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان سنة تقريرية.

* أنَّ التقرير فُهِمَ مِنْ قول أنس: وكان أحدنا يلزق منكبه، بما يشعر أنه بمحضر من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه في زمانه وآ كد منه قوله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري" ليرفع الخلاف فيما يضاف إلى زمنه صلى الله عليه وسلم، واحتمال وقوفه عليه، أو عدم وقوفه، وما يتفرع على ذلك من قاعدة جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة وعدمه.

* أنَّ ذلك داخل في إقامة الصفوف، أوتسويتها وذلك من إقامة الصلاة أو تمامها.

وهذه الأفعال الواقعة من الصحابة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمنه، على وجه الاجتهاد، مما يؤصل حكماً، أو يزيد على النص فعلاً أو قولاً، يدخل في باب "التقرير" وهو نوع من السنن، تتفاوت أحواله ويختلف الحكم في اعتباره سنة واجبة، أو مندوبة، أو مخيرا ًفيها، أو لا يفيد إلا التقرير المطلق، الذي لا يؤسس عليه حكم، بأن لا يفيد حكماً يقاس عليه، أو يستعاض عنه بفعل آخر، أو يفيد خبراً، أو يطابق حالاً.

وهذه الأفعال لا تخضع لمقياس واحد، وتحتاج إلى تفصيل وتمثيل نورده فيما يلي:
* هل كل تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم لفعل صدر من الصحابي يُعَدُّ سنةً، يُطْلَبُ من المكلَّف الإتيان بها على أي وجه من وجوه التكليف، وجوباً أو ندباً أو إباحةً؟

يتفاوت حكم الأفعال المقرة من النبي صلى الله عليه وسلم على ما يصدر من الصحابة، وجوباً أو ندباً أو إباحة.
* فهناك أفعال أقرت منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ثم أخذت بعد ذلك مأخذ الوجوب. ومن ذلك:
ـ حرمة الملاعنة على الملاعن، حرمة مؤبدة، واستنبط ذلك من قول الصحابي، بعد أن لاعنها: (كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم).

قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين. (خ: الطلاق ـ باب اللعان ومن طلق بعد اللعان: 355/9ح 5308 فتح).
ـ وكذلك رأي الصديق ـ رضي الله عنه ـ في أحقية القاتل السلب، وأنه أحق به من غيره، مِمَّن ضَمَّه إليه في المعركة دونه، حين قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، بعد نهاية المعركة: "من قتل قتيلاً له عليه بينة، فله سلبه"، وقام أبو قتادة يطلب شهادة من شهد قتله لرجل من المشركين، ويطالب بسلبه.

وأراد من حاز السلب أن يأخذه، ويطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضيه عنه. فاستنكر الصديق ذلك، وطالب بأن يدفعه إلى صاحبه. وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال: "صدق" (خ: فرض الخمس باب 18ح3142 فتح).
ـ وكذلك فِعْل معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ في صلاة المسبوق وأنه يتابع الإمام ثم يقضي ما فاته. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرراً فعله: "قد سنّ لكم معاذ فهكذا فاصنعوا" (حم: 246/5).

وبذلك مضت سنة لازمة في كيفية قضاء المسبوق ما فاته من الصلاة.
ـ وكذلك اجتهاد علي ـ رضي الله عنه ـ في أمر النفر الذين وطئوا امرأة في طهر، وتشاكسوا فيمن هو أحق بالولد فأقرع بينهم، وألزم من قرع أن يغرم ثلثي الدية لصاحبيه، ولما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا أعلم إلا ماقال علي" (حم374/4).
وأخرجه أبو داود (رقم 2269،70) والنسائي (182/6).

قال في عون المعبود (360/6) قوله: (وعليه ثلثا الدية) أي ثلثا القيمة والمراد قيمة الأم فإنها انتقلت إليه من يوم وقع عليها بالقيمة وروى الحديث الحميدي في مسنده وقال فيه: فأغرمه ثلثى قيمة الجارية لصاحبيه.
* وهناك أفعال، أقِرّت منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبقيت على وجه الندب، فهي مطلوبة على وجه الترغيب. ومن ذلك:
ـ حديث بلال ـ رضي الله عنه ـ ، حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، حين سمع دَفّ نعليه بين يديه في الجنة، فأخبر بأَنَّه لم يتطهر في ساعة من ليل أو نهار، إلا صلَّى بذلك الطهر ما كتب له (خ: التهجد 41/3،ح1149 فتح).

قال ابن حجر: ويستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة، لأنَّ بلالاً توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط، فَصَوّبََه النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ
وهذا مثال لتقرير على فعل أفاد الاستحسان من النبي صلى الله عليه وسلم والترغيب فيه.

ـ وحديث بلال أيضاً، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر، فقيل:هو نائم. فقال: الصلاة خيرٌ من النوم. فأُقِرَّت في تأذين الفجر. فثبت الأمر على ذلك. (جه244/1ح716).

ـ وحديث أُبيّ بن كعب ـ رضي الله عنه ـ في صلاته بالنساء التراويح في داره وإقراره صلى الله عليه وسلم فعله. قال: فكان شبه الرضا، ولم يقل شيئاً. (الإحسان ترتيب ابن حبان 290/6).

ـ وحديث صلاة عبد الرحمن بن عوف بالناس حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم في قضاء حاجته، في غزوة تبوك، وائتمامه به حين سبق. وقوله صلى الله عليه وسلم حين رأى فزعهم: "أحسنتم" أو قال: "قد أصبتم". يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها. (م: كتاب الصلاة باب 22ح105).

ـ وحديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ في قصه اللديغ، والرقية بفاتحة الكتاب، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أنها رقية؟" ثم قال: "قد أصبتم. اقسموا واضربوا لي معكم سهماً، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم" (خ: الإجارة ح2276 فتح) .

ويحتمل التقرير منه صلى الله عليه وسلم بقوله: "قد أصبتم" لفعل الرقية، أو التوقف عن التصرف في الجعل، حتى استأذنوه، ويحتمل أعم من ذلك. وقد أفاد التقرير مشروعية الفعل.

ـ وحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في قتل خبيب ابن عدي ـ رضي الله عنه ـ وقوله ـ حين أرادوا قتله ـ : دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم. قال: فكان أول من سنّ الركعتين عند القتل هو. (خ: المغازي ح 4086 فتح).
ـ وحديث بريدة الأسلمي عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد .. الحديث. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعِي به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى" (ت: 515/5 ح3475) وقال: حسن غريب. فَأقَرَّ دعاءه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وأبان عن عظيم قدره، مما يرغب في الدعاء به.
وقد جاء الترغيب في بعض هذه الأفعال أو الأقوال تصريحاً، وفي بعضها ضِمْناً بالإشارة إلى أهمية الفعل والقول، أوعظم ثوابه وأجره وقبوله عند الله.

ومن هذه الأفعال ما يقع فيها التقرير على وجه التخيير، إما على وجه الإطلاق بصفة معينة أو مع الترجيح.

ومن الأول:
* حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في تقديم أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ للوتر قبل أن ينام، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: "بالحزم أَخَذْتَ"، وتأخير عمر ـ رضي الله عنه ـ الوتر بعد القيام من النوم، فقال له صلى الله عليه وسلم "فعل القوي أخذت" (الإحسان 199/6).

وأَقَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم الفعلين، ومشروعية ذلك، وأن المكلف مخيَّرٌ، إذا علم من نفسه القيام من الليل، وإلا تعين في حقه التقديم.

* وحديث علي ـ رضي الله عنه ـ في فعل أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ أيضاً في مخافتة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ بصوته في القراءة من الليل، وجهر عمر ـ رضي الله عنه ـ بصوته في القراءة، وبيّن كل منهما العلة في فعله فقال صلى الله عليه وسلم: "فَكُلُّهُ طَيِّبٌ" (حم109/1) وأقر النبي صلى الله عليه وسلم فعلهما، مما يفيد التخيير في ذلك.

ومن الثاني:

* حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ وما فعله رجلان في سفر حين حضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً، فَصَلَّيَا ثم وجدا الماء، فأعاد أحدهما، ولم يعد الآخر . وحين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبراه فقال للذي لم يعد: "أَصَبْتَ السُّنَّة، وأجزأتك صلاتك" وقال للثاني: "لك الأجر مرتين" (د:241/1). ونال الأجر مرتين لاجتهاده قبل أن يعرف الحكم، وللمشقة التي تكبدها بأداء العبادة مرتين،احتياطا للعبادة.
وهذا الحكم في حقه خاصة، إذْ هو من حيث حصول الأجر قد فاق صاحبه، لكن الحكم فيما يستقبل بعد ذلك في الأفضلية للأول. بل قد لا يؤجر عليه لمخالفته السنة المطلوبة بعد العلم.
* وهناك أفعال، لم يرد ما يشعر بندبها، وإنما دَلَّ النصُّ أوالسياق على جواز فعلها، فعلاً أو تركاً لزيادتها على نص الشارع.
فلا ترقى إلى درجة السنن التي نُدب إليها، ولازم الصحابة فعلها لأمرين:
1ـ الاكتفاء بأصل الطلب وعدم احتياجه إلى تلك الزيادة، التي لو فعلت لم يضر.
2ـ أنها فعلت من بعض الصحابة، ولم يداوم على فعلها.
ولذا حملت على المعنى الذي تحتمله، وصَرف عن مدلول ظاهرها نصوص الشارع الأخرى، التي دلت على فقه المسألة، وغرض الشارع في أصل الطلب.

ومن ذلك:

* الزيادة على التلبية:
ما كان يزيده الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في التلبية وقول جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ: والناس يزيدون "ذا المعارج" ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئاً.

وقول ابن عمر: "لبيك لبيك، لبيك وسعديك والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل" (د:404/2ح 1812،1813).
قال ابن حجر: وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها، وأنه لا بأس بالزيادة، لكونه لم يردّها عليهم، وأقرّهم عليها، وهو قول الجمهور، وبه صرح أشهب. وحكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة قال: وهو أحد قولي الشافعي، وحكى الترمذي عن الشافعي قال: فإن زاد في التلبية شيئاً من تعظيم الله فلا بأس، وأحب إليّ أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي قال: ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. قال ابن حجر: وهذا أعدل الوجوه. (الفتح480/3).

فهذا التقرير وإن دلّ على أصل المشروعية لكنه يفتقر إلى ما يفيد التساوي، فضلاً عن الأفضلية .
وليس كل ما يفعل في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال أو تصدر من أقوال زائدة على أصل النصّ مطلوباً على وجه الأفضلية والترغيب، بل غاية ما يدل عليه الجواز، بل ربما أشعر بعدم الأفضلية، وفَرْقٌ بين أن يُؤصَّل حكمٌ على تقرير، وأن يأتي التقرير بأمر زائد على النص. وسكوت الشارع لا يفيد إلا مجرد الجواز، فإذا انضافت إلى ذلك دلائل أخرى تدل على غرض الشارع، تَعَّين أن الأفضلية ما نَصَّ عليه الشارع.

ومن ذلك ما ترجم له البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه من إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف.
فلم يستمرعمله في الصحابة، لاستغنائهم بما دَلَّت عليه النصوص من فقه المراد من نصوص الشارع في تسوية الصفوف وإقامتها.

وقد عقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد من:
* اعتدال الصفوف واستقامتها، وذلك بأن يكونوا صفاً واحداً لا اضطراب فيه. ومن ذلك المحاذاة بين المناكب، لتعذر إلصاقها في القيام فضلاً عن سائر حركات الصلاة.

* التقارب وعدم ترك الفرج، ولذا حَذَّرَ الشارع منها لئلا يتخلل الشيطان صفوف المصلين.

وهذا هو الغرض من طلب الشارع أَوَّلا ًوآخراً، كما جاءت به الأحاديث الكثيرة في هذا الباب.

أما ما زاد على ذلك، فلايضر فعله إن كان متيسراً، وأَمَّا مَا كان مستحيلاً كإلصاق الرُّكَب أو المناكب أو ملازمة ذلك في كل حركات الصلاة، فلا يعدو ذلك أن يكون أَمْراً مُشْغِلا ً لِقَلْبِ المصلي عَمَّا ينبغي أن ينصرف إليه من الخشوع وحضور القلب، لا أن يلاحق مَنْ على يمينه ومَنْ على يساره، ليلتصق به في كل حركاته وسكناته، مما يشاهد من فعل البعض من تصرفات تؤذي المصلِّين.

ثم لنا أن نسأل عن موقف السلف من فقهاء الأمة من هذه الهيئة في الصلاة، وهل اتفقوا على تركها مع ثبوتها وأرجحية طلبها؟ وأننا أكثر حرصاً على السُّنن والمحافظة عليها منهم، ومن القرون الفاضلة التي عقلت عن الله وعن رسوله وعن صحابته وتابعيهم من سادات هذه الأمة في الأمصار المختلفة.

وقد قلّد هذه الحركات الجُهَّال، وارتكبوا من الجهالات ما أفسدت على الناس مقاصد الصلاة.

* فبدلاً من أن يعدل المصلي الصف في ابتداء الصلاة ويقرب ممن على يمينه أو من على يساره القرب المطلوب، يبدأ بالفرشحة ويمنع التقارب إلا بوضع قدم جاره على قدمه، فإذا ركع أو سجد بَدَت الفُرَج التي حذّر منها الشارع.
* ومن هذه الجهالات أن يأتي بعض العُمَّال الذين يتعاطون الحرف المخالطة للأتربة والإسمنت وتخشن الأقدام وإذا انضافت إلى ذلك الأظفار الطويلة، لاقى المصلي الأَمَرَّين من مناشير الأقدام، التي لا تدع للمصلي موضعاً لتدبّر صلاته .

* ومن هذه الجهالات ما يضيفه البعض من مبالغة في الفرشحه ورفع مؤخر الأقدام، والميل بمقدم الجسم ورفع المؤخرة، وقد يضيف البعض حركة اهتزازية، مما لا يعرف له نص ولا توقيف.

* ويلجأ من يتطلب إلصاق كعبه بكعب من يجاوره بأن يميل القدم حتى يتأتي الإلصاق، لأَنََّ حافة القدم يمتنع معها إلصاق الكعب إلا بهذه الإمالة ليقف المصلي على حافة قدمه اليمنى، ولكي يلصق الركبتين، ويبدو وقوف المصلي في هذه الحالة على هيئة لا علاقة لها بروح الصلاة والخشوع، بل بالتعلق بهذه الحركات التي تصرف المصلي عن عبادته.
* فإذا انضاف إلى ذلك العُجب بالنفس، والتظاهر بالتفرد بهذه الحركات، لَمْ يَبْقَ للإنسانِ من صلاته إلا الخسران، ولذا انصرف السلف إلى مقصود الشارع فيما حَثَّ عليه، مما أشعر بأن تلك الأحوال، ما أريد بها إلا تحقيق ما نَصَّ الشارع على طلبه، وعلى فرض حصول تلك الأحوال فلم تستمر في عهد الصحابة، فضلاً عن غيرهم.

ولذا قال ابن حجرـ رحمه الله ـ: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف، وسدّ خَلَلِه. (فتح 247/2).

ولوكانت سُنَناً مرغباً فيها ما هجرها الصحابة على فرض حصولها، ولما هجرها الراوي نفسه، حيث قال أنس ـ إن كان من قوله ـ ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لَنَفَر، كأَنَّهُ بغل شموس. (فتح 247/2).

فهل تُهْجَرُ السُّنَن من الصحابي، إذا لم يستسغها الناس؟ وإذا فرّط الصحابة في ذلك ـ معاذ الله ـ، فهل يُشنّع بعد ذلك على متبعي المذاهب، بإهمال السُّنَن، والتفريط في المحافظة عليها؟.

الحق أن السلف من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين لو لم يدركوا أن هذا الفعل الزائد على نص الشارع أمر جائز، لما هجرو ا هذا الفعل، ومنهم الراوي له، كما سبق بيانه، واتضح برهانه مِن القضايا المماثلة. وأنْ ليس كل ما يقرر من فعل الصحابي سُنَنًا مطلوبة، وبخاصة ما جاء منها اجتهاداً زائدا ًعلى النص. وأنَّ للتقرير أحوالاً مختلفة، وإلا كان أكل الضَّب سُنَّة مرغبا ًفيها، لحصولها بمرآى من النبي صلى الله عليه وسلم.

* وهناك أفعال تفيد مطلق التقرير، ومنها:
* ما يقرر دون أن يشرع بعد ذلك.

ـ كحديث أبي بكرة، وركوعه دون الصف وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لفعله. وقوله: "زادك الله حِرْصاً ولا تعد".(خ: جزء198/1،199).

ـ ومثله ما تقدم في إعادة الصحابي صلاته عند وجود الماء بعد أن صلاها بالتيمم. فلا تشرع الإعادة، وإن قَرَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم فعله. لكن دَلَّ قوله صلى الله عليه وسلم للآخر الذي لم يعد: أصَبْتَ السُّنَّة ... بأن فعله مُخَالِف للسُّنَّة واغتفر منه اجتهاده، ولو لم يوافق السنة وأُثيب عليه.

* أن يستعاض عن فعله بصفة أخرى، دون أن تطلب منه الإعادة.

كما في قصة عَمَّار بن ياسر، وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهم ـ حين أَجْنَبَا وهما في سفر، فأَمَّا عمر فلم يُصَلِّ، وأما عَمَّار فَتَمَعَّكَ ـ أي تمرغ بالأرض ـ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يكفيك هكذا"، وأراه صفة التيمم. (خ: الفتح 528/1 ح 338).

* أو يفيد مطابقة الحال.

كما في حديث أبي الدرداء فيمن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة. قال: قلت: وإنْ زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق .. الحديث. فخرج لينادي بها في الناس، فلقيه عمر، فقال: ارجع، فإنَّ الناس إنْ علموا بهذه اتَّكَلوا عليها، فرجع فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ عمر" (حم 442/6).
* أو مطابقة خبر.
كما في حديث محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر ابن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد، الدجال. قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم. (خ: فتح 335/13 ح7355).

قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: وقد اتفقوا على أن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لما يُفْعَل بحضرته أو يقال، ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز.اهـ

وتبين مما سبق أن التقرير من النبي صلى الله عليه وسلم لما يقع بحضرته أو يقال، ليس على درجة واحدة في إفادة الحكم، وجوباً أو ندبا ًأو إباحةً، وأَنَّ هناك فرقاً بين ما يقع تأصيلاً لحكم أو زيادةً عليه، مما يستدعي استقراءاً ومعرفةً لموارد الأدلة، وكيفية استنباط الأحكام منها في نظرة شاملة لمقاصد الشريعة، والله أعلم.

LihatTutupKomentar