Hukum Operasi Selaput Dara

Hukum Operasi Selaput Dara keperawanan dalam Islam Keperawanan adalah hal penting dalam hubungan pernikahan seorang gadis. Karena ia simbol kesucian seorang wanita yang belum pernah menikah. Permasalahan: apabila seorang yang belum pernah menikah tidak lagi perawan karena satu dan lain hal, bolehkah dia melakukan operasi selaput dara agar "tampak perawan" di mata suaminya?
Hukum Operasi Selaput Dara keperawanan dalam Islam

Keperawanan adalah hal penting dalam hubungan pernikahan seorang gadis. Karena ia simbol kesucian seorang wanita yang belum pernah menikah. Permasalahan: apabila seorang yang belum pernah menikah tidak lagi perawan karena satu dan lain hal, bolehkah dia melakukan operasi selaput dara agar "tampak perawan" di mata suaminya?

الحكم الشرعي لجراحة إصلاح غشاء البكارة

دراسة فقهية مقارنة
لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله مبروك النجار بحث مقدم إلى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية
الثالث عشر في 13 ربيع أول 1430هـ- 10 مارس 2009م

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على منوال شريعته واتبع منهاج دينه إلى يوم الدين.. وبعد:

فإن غشاء البكارة يمثل رمزًا لعفة الفتاة التي لم يسبق لها الزواج، ودليلاً على طهر سلوكها واستقامة مَسلكها، ولهذا كانت المحافظة عليه تجسيدًا لتلك المعاني، ودليلاً على أن الفتاة لم ترتكب من الأفعال ما ينال من عذريتها أو يمس مواطن الشرف والاعتبار فيها، ونظرًا لما يمثله غشاء البكارة من أهمية في التكوين البدني والأدبي للفتاة، فقد تلقفته أعراف الأمم التي استقام سلوكها على هدى أديان السماء، وجعلته قيمة اجتماعية تفخر بها العائلات، وتعتز بمحافظة بناتهم عليها، كما تشمخ بها الأسر، وتعتبرها دليلاً على حسن التربية، وصلاح الأحوال، وتتويجًا لما آثروا التمسك به من القيم الرفيعة، والمثل الكريمة التي يتجاوز الشرف فيها مكان البكارة من الفتاة إلى كل أفراد أسرتها، وقد يكون المساس به مدخلاً لعداوات تزهق فيها الأرواح، وإحن تراق فيها الدماء، كما قد يكون وجوده في ليلة زفاف الفتاة لزوجها سببًا لقيام الأسرة، واستمرار مسيرتها، كما أن فقده أو المساس به يمثل حجر عثرة أمام ثقة الزوج بمن اختارها شريكة لحياته، ويلقي به في أتون الشك والريبة اللذين لا تستقيم بهما حياة، ولا تستمر معهما عشرة، ومن ثم كان حرص الكثيرين- لا سيما أهل الفتاة- يقظًا متوثبًا ليلة زفافها، ولا يهدأ لهم بال حتى يطمئنوا عليه، وليعلنوا على الملأ أنهم فخورون به سعداء بالمحافظة عليه، وليتلقوا التهاني من أحبابهم وجيرانهم وذوى المودة لهم.

أهمية البكارة في الشرع والعرف:

ويمكن القول: إن لتلك الأعراف المتصلة بغشاء البكارة لمن لم يسبق لها الزواج وما يحيط به من المعاني الداعية للحرص عليه، والمحافظة على وجوده، صلة بالمبادئ الدينية والأحكام الشرعية المتعلقة بالمحافظة على العرض، والتمسك بالشرف والفضيلة، ليس لأنها من مكارم الأخلاق التي يعتز بها الناس ويفخرون، وإنما لأنها- مع ذلك- تمثل أحد الأعضاء الجسدية التي تنفرد بها المرأة، وتمثل أخص مواطن العفة والحياء من بدنها، ولهذا كان التعدي عليها بالإتلاف، أو اقتراف إثم الزنا عملاً مؤثمًا شرعًا، يستحق العقوبة المقررة لمن يعتدي على عرض أنثى بفعل الوقاع المحرم شرعًا، ويجب الضمان بالتعدي عليه، وفي هذا يقول ابن قدامة: "وإن أكره امرأة على الزنا فأفضاها، لزمه ثلث ديتها ومهر مثلها؛ لأنه حصل بوطء غير مستحق ولا مأذون فيه، فلزمه ضمان ما تلف به كسائر الجنايات"، وهل يلزمه أرش البكارة مع ذلك؟ فيه روايتان: إحداهما: لا يلزمه؛ لأن أرش البكارة داخل في مهر المثل فإن مهر المثل أكثر من مهر الثيب، والتفاوت بينهما هو عوض أرش البكارة، فلم يضمنه مرتين، كما في حق الزوجة، والثانية: يضمنه؛ لأنه محل أتلفه بعدوانه فلزمه أرشه، كما لو أتلفه بإصبعه، وقال الشافعي: "يضمن؛ لأن المأذون فيه الوطء دون الفتق، فأشبه ما لو قطع يدها"، وقول الشافعي هنا هو الذي عليه جمهور فقهاء الشافعية في قول ثان لهم، حيث ذهبوا فيه إلى أن الزوج إن أزال البكارة بيده، أو بغير ذكره يكون عليه أرش العذرة، وهو قول المالكية الذين ذهبوا إلى أن الزوج إن أزال بكارة زوجته بإصبعه تعمدًا يلزمه حكومة عدل "أرش" يقدره القاضي، وأضافوا: أن إزالة البكارة بالإصبع حرام ويستحق الزوج التأديب بسببه، وجاء في حاشية الروض المربع: "وفي أرش البكارة ثلث الدية"، وذكر ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار: "ويعتبر مهر المثل في البكارة والثيوبة"، ومفاد هذا: أن للبكارة قيمة محفوظة إذا وقع الاعتداء عليها فإنها تضمن بما يجبرها ويعوض المعاني المبنية عليها.

البكارة رمز للشرف والسلامة:

وكما يبدو من تلك النصوص وغيرها فإن بكارة الفتاة- بجانب كونها رمزًا لعفتها وشرفها وطهارتها- تمثل أحد مكونات بدنها التي تستحق التعويض عنها إذا أزيلت عبثًا أو إذا وقع اعتداء عليها، ومن ثم يظهر جليًّا أن للفتاة وأسرتها مصلحة في بقائه، وفائدة ذات أبعاد مادية وأدبية في المحافظة عليه؛ كما أن للمجتمع كله مصلحة أدبية في المحافظة على بكارة بناته حتى تشيع الفضيلة فيهن، فلا تجد التيارات المنحرفة سبيلاً إليه، ولا تنال الأفكار الضالة من الأخلاق الفاضلة فيه.

صعوبة بيان الحكم في المسألة:

وإذا كان وجود غشاء البكارة في الفتاة سليمًا كما خلقه الله، يعد تجسيدًا لكل تلك المصالح الفردية والأسرية والاجتماعية، تكون مسألة إعادة رتقه- مما يكون قد اعتراه من فتق أو إزالة بسبب من الأسباب المؤدية لذلك- أمرًا مطلوبًا بالقدر الذي تقتضيه المحافظة عليها.

بيد أن ذلك العمل قد لا يكون خاليًا من المفاسد التي تجعل الركون إليه خالصًا مما يكدره، ولهذا يظل القول بمشروعيته أمرًا يحتاج إلى بحث ودراسة، لا سيما بعد أن كثر النقاش فيه، واشتد الخلاف حول مشروعيته واحتد، وذلك ما سوف تنطوي عليه تلك الدراسة بعون الله وتوفيقه.

خطة الدراسة:

وسوف تنقسم هذه الدراسة- بعد تلك المقدمة- إلى مبحثين:

أولهما: لبيان مناط الحكم الشرعى في جراحة رتق غشاء البكارة.

ثانيهما: لبيان أقوال الفقهاء في مشروعية جراحة رتق غشاء البكارة وأدلتهم.

الخاتمة: وتتضمن بيان الرأى الراجح في الموضوع.

المبحث الأول: التعريف بالبكارة وأهميتها، ومناط الحكم في جراحة رتقها

وفي هذا المبحث مطلبان، أولهما: لبيان التعريف بالبكارة، وأهميتها في عقد النكاح.

وثانيهما: لبيان مناط الحكم الشرعى للجراحة التي تجرى لرتق غشاء البكارة.

المطلب الأول: التعريف بالبكارة وأهميتها في عقد النكاح

الفرع الأول: التعريف بالبكارة

يقصد بالبكارة لغة: عذرة المرأة وهى الجلدة الرقيقة التي خلقها الله في مدخل قُبل المرأة، وتزول بمعاشرتها عادة على نحو ما يحدث بين الزوج وزوجته، فإذا زالت أصبحت المرأة ثيبًا وتحول وضعها من عذراء إلى ثيب، والمرأة البكر هي التي لم يفتض غشاء بكارتها، ويقال للرجل بكر: إذا لم يقرب النساء.

وفي اصطلاح الفقهاء:

قال الحنفية: البكر اسم لامرأة لم تجامع بنكاح ولا غيره، فمن زالت بكارتها بغير جماع كوثبة، أو اندفاع حيض، أو حصول جراحة، أو طول عنوسة حتى خرجت من عداد الأبكار، فهي بكر حقيقة وحكمًا.

وعند المالكية: هي المرأة التي توطأ بعقد صحيح أو عقد فاسد جرى مجرى الصحيح، أو لم تزل بكارتها أصلاً.

وعند الشافعية: البكر هى التي ترادف العذراء لغةً وعرفًا، وهى التي لم تزل بكارتها أصلاً، والتسوية بينهما معتبرة بحسب العرف.

وعند الحنابلة: هي التي لم يسبق لها الزواج ولم تزل بكارتها بوطء سابق، أو هي التي لم تمارس الرجال بالوطء في محل البكارة، وذلك في قول عندهم.

وكما يبدو من تلك التعريفات، فإن وجود غشاء البكارة في مدخل فرج الفتاة أو ما يسمى "العذرة" يعد قرينة معتبرة على أن أحدًا لم يبكر إلى فضه بمعاشرتها أو التعدي عليها، وأنها ما زالت به عذراء لم يمسسها ذكر بسوء، وإن كان عدم وجوده لا يعنى أن الفتاة مارقة أو سيئة السلوك.

البكارة تقابل الثيوبة:

والبكارة بهذا المعنى تقابل الثيوبة، فالثيب هي المرأة التي زالت بكارتها بالوطء ولو حرامًا، وهى ضد البكر، أو غير العذراء التي زالت عذرتها فصارت ثيبًا، ومنه: الثوب، أي اللباس، كأن المرأة قد سبق لها اللباس من الرجل وصار لباسًا لها؛ كما صارت لباسًا له؛ كما قال- سبحانه-: }هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ{، أو هي من المثابة، بمعنى الملجأ، كأنها قد أصبحت ملجأ لمن أراد أن يسكن إليها، ومن ذلك قول الله- تعالى-: }وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ{، أو من المثاوبة، بمعنى المعاودة، كأن الثيب صارت محلاً للمعاودة المعهودة إليها.

الفرع الثاني: أهمية البكارة في عقد النكاح

تبدو أهمية البكارة في عقد النكاح من الوجوه الآتية:

1. أن البكارة مقصودة كوصف لحال الفتاة عند النكاح: تعد البكارة أحد عوامل تفضيلها في الزواج منها، فقد جاء في السنة ما يدل على الترغيب في الزواج بالأبكار، وذلك فيما رواه الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: تزوجت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تزوجت؟، فقلت: ثيبًا، فقال: مالك وللعذارى ولعابها، وفي رواية: هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك، وفي رواية: ولعابها- بضم اللام- وهو الريق إشارة إلى مص اللسان ورشف الشفة الذي يحصل عند الملاعبة، وقد دل هذا الحديث الشريف على الترغيب في الزواج من الأبكار، وهذا يفيد أن قصد البكر في الزواج مما يوافق تلك السنة النبوية الشريفة؛ كما أن في البكر نوعًا زائدًا من الحياء الذي يميل بها نحو التعفف عن الإفراط في طلب المعاشرة ويجعلها رهن طلب الزوج وطوع رغبته هو، وهذا مما يريحه، ولن يكون معها في موازنة مع من سبقه في الزواج منها حيث لا يأمن أن تكون تلك الموازنة في صالحه، فيقضى حياته معها مترددًا بين الشك والحيرة فلا يشعر بمتعة السكون إليها أو الركون لحياتها ومهر البكر.

2. ارتفاع مهر البكر عن مهر الثيب: غالبًا ما يكون مهر البكر أكثر من مهر الثيب، ومن ثم كان فوات وصف البكارة على الزوج مما يضر به ماليًّا، فيما لو دفع مهر بكر فاستبان أنها ثيب، ويكون له أن يسترد ما دفعه زائدًا على مهر مثل تلك الزوجة؛ لأنه قابل الزيادة بما هو مرغوب فيه، وقد فات فلا يجب بما قوبل به، ولو اشترط الزوج بكارة الزوجة فوجدها ثيبًا، فقد اختلف الفقهاء في رد النكاح والرجوع فيه بسبب تخلف وصف البكارة، على قولين:

أولهما: للحنفية: وحاصل قولهم: أنه لا يثبت بتخلف شرط البكارة فسخ العقد، ووافقهم المالكية في ذلك، إلا إذا كان الأب يعلم بثيوبتها وكتم، أو اشترط البكارة فوجدها ثيبًا سواء كان الأب يعلم بذلك أو لا يعلم، وهو أظهر القولين عند الشافعية والحنابلة.

ثانيهما: للمالكية وحاصل قولهم: أنه يجوز فسخ العقد إذا كان الأب يعلم بثيوبة ابنته وكتم، أو اشترط الزوج البكارة فوجدها ثيبًا، وهو قول ثان عند الشافعية والحنابلة.

دليل القول الأول:

وقد استدل أصحاب القول الأول لما ذهبوا إليه: بأن زوال البكارة لا يفوت مقصود النكاح وهو الاستمتاع بالمرأة، وربما كان الاستمتاع بالثيب خيرًا من الاستمتاع بالبكر عند الرجل وحملاً لأمرها على الصلاح يمكن اعتبار أن البكارة قد زالت بوثبة فتكون بكرًا حكمًا.

دليل القول الثاني:

وقد استدل أصحاب القول الثاني لما ذهبوا إليه بأن اختلاف الصفة في النكاح كاختلافه في العين؛ لأن النكاح يعتمد الصفات والأسماء دون التعيين والمشاهدة؛ كما أن البكارة وصف مرغوب فيه فلو فاتت لفاتت تلك الرغبة فيجوز الفسخ؛ ولأن كتمان الأب مع علمه دليل على تعمد الغش فيرد عليه قصده، وفوات البكارة بالشرط يجيز الفسخ بتخلفه.

وإذا كان للبكارة تلك الأهمية في عقد النكاح، فإن تخلفها بالكتمان على الزوج يعد غشًّا وتدليسًا في وصف مقصود، وينافي صدق البيان في علاقة لا يمكن أن تقوم إلا على الثقة والإخلاص، الأمر الذي يمثل تهديدًا خطيرًا لاستمرار الأسرة واستقرار أركانها.

الرأي الراجح في نظرنا:

ومع ذلك فإن الرأي الراجح في نظرنا هو القول الأول، وذلك لأنه هو الذي يتفق مع مقاصد التشريع الإسلامي في المحافظة على بقاء الأسرة ما أمكن، وحمل ظاهر حال الناس على الصلاح مع إحسان الظن بهم، ولأن فسخ العقد قد يكون مدخلاً لانحراف المرأة إذا عزف عنها الخطاب بسبب ذلك.

3. أثر البكارة في التعبير عن الرضا عند الزواج: وللبكارة أثر في التعبير عن الرضا عند الزواج؛ حيث يعد السكوت معها قرينة على الرضا والتعبير عنه، وقد اتفق الفقهاء على أن سكوت البكر البالغة عند استئذانها في النكاح يعد موافقة منها وتعبيرًا عن رضاها به، وذلك لما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الأيّم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها"، فقد دلَّ هذا الحديث الصحيح على أن البكر ينبغي أن يؤخذ إذنها في أمر نكاحها وأن سكوتها عند أخذ الإذن بذلك يعد قرينة على الرضا أو تعبيرًا عنه.

وهذا الحكم مبناه على ما عهد في الفتاة من فرط الحياء لاسيما فيما يتعلق بمواطن العفة والحياء من بدنها وجوانب حياتها، ولم تعهد البكر صريحة في تعبيرها عن رغبتها في الارتباط برجل يمس بمواطن الحياء منها، ولهذا تجرى الإشارة في ذلك مقام العبارة، والسكوت مقام الكلام، فجرى سكوتها على تلك الفطرة النسائية المعهودة في كل عصر وجيل، ومثله الضحك دون سخرية، والتبسم، والبكاء بلا صوت لدلالة ذلك على الرضا ضمنًا.

وإذا كان السكوت- في جانب البكر- صالحًا للتعبير عن إرادتها، وذلك على أساس أنه سكوت في موطن يقتضى الكلام فقام مقامه، فإنها لو عبَّرت عن رأيها صراحة فلا تثريب عليها، ومدار ذلك على الأعراف وقرائن الأحوال في البكاء والضحك، والصمت والكلام ويتعين الاحتياط عند ذلك لما يلمس منه رضاها الفعلي بالنكاح.

وللبكارة في عقد النكاح آثار أخرى تتعلق باشتراط الولي لتزويجها وهو ما مذهب إليه جمهور الفقهاء، وعدم اشتراطه عند أبى حنيفة حيث ذهب إلى أن للبكر الحرة البالغة العاقلة أن تزوج نفسها فإن زوجت نفسها من غير كفء، أو بدون مهر المثل؛ فلوليها حق طلب الفسخ ما لم تحمل.

المطلب الثاني: مناط الخطاب الشرعي في حكم جراحة رتق غشاء البكارة

من الضروري أن يكون لجراحة رتق غشاء البكارة حكم شرعي، فهو عمل يصدر من مكلفين قد يقومون على سبيل الانفراد به، أو على سبيل الاشتراك فيه، ولما كان مبنى الحكم الشرعي على الخطاب المقرر له، أو الذي يستفاد منه، فإن ذلك يقتضى بيان المخاطبين به، حتى يكون ذلك الخطاب إنذارًا لهم، وإعذارًا واضحًا لمساءلتهم.

موطن المساءلة في جراحة غشاء البكارة:

والمسئولية المقصودة لخطاب الشارع في مجال جراحة رتق غشاء البكارة لا تقوم إلا في الحالات التي تمثل تلك الجراحة فيها إضرارًا بالغير، والغير فيها هو الذي يمكن أن يقع ضحية الغش في الزواج من فتاة يعتقد أن فيها من الأمانة والإخلاص ما تؤهلها للاقتران به، ويجعله حريصًا على الارتباط بها لتكون أمينة عليه فيما بقى له من عمره وراعية في بيته لماله وأولاده وشرفه، وهذه المعاني إنما تجسد في فهمه من خلال ما يقصده فيها من وصف البكارة الذي يؤكدها له ويرسخها في كيانه، وإذا ما وجد غير ما يأمله، فإن ذلك سوف يمثل صدمة له، وخيبة لما كان يرجوه، ولا يظن بمن وقع في مثل هذا الفخ، واستدرج إلى ذلك الغش أن يقنع بما أصابه أو يرضى بما حيك له، ولابد أن ينتهي الأمر إلى شقاق وفراق، لا إلى لقاء ووفاق لاسيما وأن زوال ذلك الغشاء سوف يلقى في روع الزوج من الشكوك ما يدفع به إلى تقويض الزواج.

حالات زوال البكارة في المرأة:

وحالات زوال البكارة في المرأة قد تكون بسبب سوء السلوك وانحراف الأخلاق، وقد تكون من زواج سابق انتهى بأقرب الأجلين الطلاق أو الوفاة، وقد تكون بسبب لا يمت إلى سوء الأخلاق بصلة، وتعذر الفتاة بسببه، ويجدر بيان تلك الحالات الثلاث بشيء من التفصيل الذي يقتضيه حال هذا الموطن من البحث.

أولاً: زوال غشاء البكارة بسبب سوء الأخلاق:

من المعلوم أن الغش في اختيار الزوجة هو الذي يجعل من إجراء تلك الجراحة أمرًا بالغ السوء لمن يقوده حظه للوقوع فيه، فإذا ما خلت المسألة من الغش ولم يكن الدافع لتلك الجراحة عملاً يستر انحرافًا أخلاقيًّا، فإن وطأة المحظور من إجرائها سوف تقل حدَّة؛ بل وقد تتلاشى فلا يبقى لها في النفس أثر.

وعليه، فلو أن الفتاة أو أهلها كانوا يريدون من إجراء تلك الجراحة ستر انحراف الفتاة التي اشتهرت بذلك وشاع أمرها، وتسويق زواجها لمن تقدم للارتباط بها، يكون بيان الحكم الشرعي في تلك الحالة أمرًا ملحًا؛ حيث تنازعه اعتباران متعارضان هما: مصلحة الفتاة التي زالت بكارتها في الستر على نفسها، ومصلحة من يتقدم للارتباط بها في أن يجد ما يرجوه من الثقة فيها، ووجود هذين الاعتبارين يحتاج إلى موازنة لبيان وجه الأولوية فيهما.

ثانيًا: زوال البكارة بسبب زواج سابق:

ولنفس المعنى الذي تقصد البكر للزواج من أجله، فإن بكارة المرأة إذا زالت بسبب مشروع، أو لا يمت لسوء الأخلاق بصلة، بأن كانت قد أزيلت بسبب معاشرة من زواج سابق، فإن الكتمان هنا يعد نوعًا من الغش أيضًا؛ لأن إصلاح الرتق سوف يحول الثيب إلى بكر بخلاف الحقيقة مما يرغب الخطاب فيها ويؤدى إلى رفع مهرها، ومن ثم يعتريه الوجهان المتعارضان من المصلحة الموزعة بين كل منهما بما يجعله بحاجة إلى موازنة ومفاضلة بين زيادة المهر على الزوج، وادعاء البكارة من المرأة كذبًا.

ثالثًا: زوال البكارة بسبب تعذر به الفتاة:

ولو أن الفتاة لم يكن قد سبق لها الزواج، وأزيلت بكارتها بسبب تعذر به، ولا يدل على انحراف أخلاقها، فإن إجراء الجراحة قد يكون حكمه أوضح، والوصول إليه أيسر؛ لأن مصدر القلق من إجرائها هو مظنة ستر الانحراف بها، وهو غير موجود في تلك الحالة، وذلك مما يجعل الوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح فيها أمرًا ميسورًا.

ومن قبيل ذلك: زوال البكارة بالصدمة أو السقوط من مكان مرتفع، أو حمل شيء ثقيل، أو خطأ إجراء جراحة طبية، ويلحق بذلك الاغتصاب الذي يقع عليها بالإكراه ولا حيلة لها في دفعه، وكذلك الاعتداء الذي يقع عليها وهى مخدرة أو نائمة، أو وهى صغيرة يسهل خداعها؛ كما يمكن أن يلحق بذلك حالة الوقوع في الزنا الذي لم يشتهر بين الناس، وذلك لتساويه مع الحالات السابقة في رفع العنت عن الفتاة وأهلها إذا ما أرادت أن تستقيم على طاعة الله وتتحمل مسئوليتها في قيام أسرة جديدة.

المقصودون بخطاب الشارع في جراحة غشاء البكارة:

والمقصودون بهذا الحكم هم أولئك الذين يقومون بتلك الجراحة أو يوافقون عليها، وهم- في نظرنا- طرفان:

أولهما: المرأة التي تعنى بهذا الفعل، فهي المستفيدة منه، وهى التي تبدأ أولى مراحل تنفيذه، حيث تذهب إلى الجراح للقيام به، ورغم أن المصلحة من إجراء تلك الجراحة تتعلق بها وراجعة إليها، إلا أنها لا تمثل الفاعل الأصلي فيها؛ وإنما هي شريك في القيام بها بالتحريض والمساعدة، فهي التي توافق عليها، وهى التي تسعى إلى الطبيب محرضة على فعلها، وراجية أن ينقذها من الورطة التي أوقعتها فيها، وهى التي تقدم الأجر له بما يغريه على إنجاز ما تطلبه؛ كما أنها هي التي تساعده على القيام بتلك الجراحة، حيث تمكنه من جسمها، وتخضع بإرادتها لما يقتضيه إتمام القيام بها.

ويشترك أهل الفتاة- حال علمهم- في هذا القدر من صلة الفتاة بها؛ كما يدخل زوجها إذا أراد إعادة رتق غشاء بكارتها للاحتفال بيوم زواجه كما جرت عادة بعض المحدثين بذلك، واشتراكهم معها في فعلها قد يكون متوافقًا مع كافة عناصر الاشتراك، وهى الاتفاق والتحريض والمساعدة، وقد يكون متجاوزًا لها إذا كان لهم من التأثير على الفتاة ما يقنعها بالقيام، أو عدم القيام بها.

ثانيهما: الطبيب الذي يجرى تلك الجراحة؛ لأنه الفاعل الأصلي فيها، وبدون قبوله للقيام بها، لا يكون من الممكن أن تتم، ولو أنه لم يرد أن يقوم بها لأمكنه أن يقنع الفتاة بما يمكن أن يعود عليها من المضار الصحية، وهى ما قد يكون دافعًا لإقلاعها عنها وعدولها عن إجرائها، وللطبيب- بحكم صلته بمريضه- قدر كبير من الهيمنة على إرادته وشخصيته بما يجعل لقراره في أمر إجراء تلك الجراحة القول الفصل، ومن ثم كان توجيه الخطاب له في بيان حكم تلك الجراحة أمرًا مؤكدًا، ويدخل معه في المساءلة عن هذا الحكم أولئك الذين يساعدونه في إجراء الجراحة من طاقم التمريض وأصحاب المستشفي الذي تجرى فيه تلك الجراحة، ومن يقدمون له الأجهزة والأدوات التي يمكنه من القيام بها، فإن هؤلاء جميعًا يعدون مشاركين للطبيب بالمساعدة في إجرائها، ويكونون جميعًا مقصودين بخطاب الشارع الحكيم- سبحانه- في بيان إجرائها، والوصف الشرعي لها، فإن كان بالإباحة فعلوها، وإن كان بالتأثيم تركوها، ويكون بيان هذا الحكم بعد تحديد مناطه والمخاطبين به أمرًا مهمًّا.

المبحث الثاني: آراء الفقهاء في حكم جراحة رتق غشاء البكارة

يقتضى بيان تلك الآراء تحديد موضوع الحكم ومحله في هذا الموضوع، وهو الجراحة الطبية المتعلقة بإصلاح الفتق العذري وخصائصها، وتحرير محل النزاع بين الباحثين في المسألة؛ وذلك على نحو يبين ما اتفقوا على حكمه فيها جوازًا أو منعًا، وما اختلفوا فيه وأدلتهم مع مناقشتها وبيان الرأي الراجح منها؛ وذلك في مطلبين، أولهما: للتعريف بجراحة إصلاح الفتق العذري وبيان خصائصها، وثانيهما: لبيان تحرير محل النزاع في حكم جراحة رتق غشاء البكارة.

المطلب الأول: التعريف بجراحة الرتق العذري وبيان خصائصها

موضوع الحكم في هذا الموضوع محله الجراحة الطبية التي تجرى لإصلاح الرتق الذي طرأ على غشاء البكارة في المرأة بمزيل أدى إليه أو فعل تسبب في فتقه فيكون الرتق بالجراحة هو الفعل الذي يصلح ذلك الفتق، وقد عرف الفقهاء موضوع الحكم في اللغة واصطلاح الفقهاء على نحو يجعل من المفيد أن نشير إليه:

الرتق لغة: إصلاح الشيء وسده وإعادة التحامه مع بعضه، يقال: رتق فتق الشيء، أي أصلح شأنه، ورتق فتق المتخاصمين، أي أصلح بينهم، ومن ذلك قول الله- تعالى-: }أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا{، والمرأة الرتقاء هي التي انسد موضع الإتيان من قبلها فلا تعود صالحة لأن تؤتى منه.

وفي اصطلاح الفقهاء: هو العمل الجراحي الذي يقصد به إصلاح ما طرأ على غشاء البكارة من تمزيق بأي سبب من الأسباب، أو هو إصلاح الغشاء وإعادته إلى مثل ما كان عليه قبل التمزق بواسطة الجراحين المختصين.

ومن خلال تعريف الجراحة التي تجرى لإصلاح غشاء العذرة في المرأة يمكن القول: إن لتلك الجراحة خصائص تميزها عن غيرها من الأعمال الطبية العلاجية، وذلك كما يلى:

أولاً: أنها عمل طبي يتعلق بالبدن ويتضمن مساسًا به، ولو لم يكن هذا المساس على النحو الذي تمليه الأعراف وما يجرى عليه العمل في المجال الصحي فإنه سيؤدى إلى مضار صحية تتنافي وما هو مطلوب للمحافظة على الحياة؛ ولذلك يجب أن يمارسها طبيب مختص، وأن تتم وفقًا للأصول العلمية والطبية والصحية السليمة.

ثانيًا: أنها ليست علاجًا من مرض عضوي يؤلم صاحبته أو يعطل أحد الأجهزة الحيوية فيها، حيث لا يترتب على فتق غشاء البكارة من الناحية البدنية أو التشريحية البحتة آثار صحية تظهر على هيئة آلام، أو تؤدى إلى اختلال في الوظائف العادية للجسم؛ ولذلك كان معنى التداوي فيها ثانويًّا لا يستهدف استقامة وظائف البدن- في ذاته-؛ وإنما يتوخى إصلاح الوضع النفسي والاجتماعي للمرأة في ظل أعراف لا تتعامل مع من تفقد عذريتها بالرفق والرحمة؛ وذلك من باب الحرص على الفضيلة، والخوف على الأخلاق الاجتماعية العامة.

ثالثًا: أن طبيعة الجراحة لا تفرض على الطبيب أن يبادر إلى إجرائها؛ لأنها ليست من الجراحات التي تتطلب سرعة الإنجاز إنقاذًا للحياة، أو إيقافًا لتدهور سريع ومتلاحق لو لم يتم التدخل الفوري لإنقاذه سوف تفقد البشرية نفسًا حرمتها عند الله أعظم من حرمة الكعبة، ومن شأن طبيعة تلك الجراحة أن تتيح للطبيب قدرًا كافيًا من الوقت الذي يستطيع أن يوازن فيه بين المصالح والمفاسد في إجرائها، أو أن يمارس الدور الأخلاقي الذي يمليه عليه واجبه كطبيب مسئول عن ممارسة الحكمة متزامنة مع ممارسة المهنة، وقد يستطيع الطبيب- من خلال ثقة المريض فيه وإدلائه بالأسرار المتعلقة بخصوصيات حياته أمامه- أن يجد مدخلاً للتوجيه الذي يؤمن كثيرًا من المحظورات التي يثيرها إجراء جراحة رتق غشاء البكارة.

رابعًا: أن الجراحة التي تجرى لرتق غشاء البكارة، شأنها شأن أي جراحة أو عمل طبي ينطوي على المفاسد والمصالح؛ بل لا يوجد من مصالح الحياة ما هو خال تمامًا من المفسدة سوى الإيمان بالله وإتباع هديه، وعليه، فلو أن إجراء تلك الجراحة قد تزامن مع بعض المفاسد التي تتعارض مع المصلحة في إنجازها، فإنه لابد من الترجيح بين المصالح والمفاسد فيه وفقًا للمعايير الفقهية المقررة، ومنها تلك التي تقضى بأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة؛ فإذا تعارضت مفسدة مع مصلحة قدم دفع المفسدة غالبًا؛ لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات؛ ولذا قال صلى اله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه"، يقول ابن نجيم: ومنه الكذب فإنه مفسدة محرمة؛ لكنه متى تضمن جلب مصلحة تربو على مفسدته جاز، كالكذب للإصلاح بين الناس، وعلى الزوجة لإصلاحها، وهذا النوع راجع لارتكاب أخف المفسدتين في الحقيقة.

خامسًا: لا يسوغ القول- في مجال إجراء تلك الجراحة- بأن مصلحة الفتاة أو المرأة فردية، ومصلحة شيوع الفحش في المجتمع والتشجيع عليه مصلحة عامة، وأنه إذا تعارضت المصلحتان قدمت المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فإن مثل هذا التخريج لو حصل لن يصيب مقصد الشارع من حماية النفس والعرض، فإن حماية نفس واحدة إنما هو بمثابة حماية لأنفس الناس جميعًا، والتعدى على نفس واحدة بمثابة تعد على أنفس الناس جميعًا، وهذا هو المقصود الشرعى بقول الله- تعالى-: }مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا{، وحماية العرض تجئ وفقا لحماية النفس لتساوى المصالح فيهما، وهذا ما يفيده حديث النبي صلى اله عليه وسلم: "إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم"؛ فجعل حرمة العرض وما يعنيه من المحافظة على كرامة صاحبه وسمعته مقارنًا لحرمة النفس؛ وهذا يدل على أن الأحكام التي تتعلق بالمحافظة عليها تسرى عليه، للمساواة بينهما؛ ولأن المصلحة المتعلقة بالمرأة في إجراء تلك الجراحة تَرقى على المصلحة العامة المتعلقة بحق الله- سبحانه-؛ لأن تلك الأخيرة مبناها على الصفح والمغفرة، وصاحبها وهو الله؛ أرحم بعبده من أن يطارده بالانتقام منه؛ ولذلك كانت مظنة العفو، أما الأولى فإن مبناها على المماكسة والمشاحة؛ ولذلك كان العفو فيها مغلوبًا، والاقتضاء مطلوبًا، فترجح على الثانية.

المطلب الثانى: تحرير محل النزاع في بيان حكم جراحة رتق غشاء البكارة

هناك حالتان اتفقت كلمة الباحثين على حكم إجراء جراحة رتق غشاء البكارة فيهما، الأولى: بعدم الجواز مطلقًا، ونحن لا نوافقهم فيما ذهبوا إليه لضعف أدلتهم على ما اتفقوا عليه، والثانية: بالجواز؛ وذلك لانتقاء علة التدليس فيها ورجحان جانب الستر في صاحباتها، وفيما عدا هاتين الحالتين وقع الاختلاف بين الباحثين حول مدى جواز إجراء تلك الجراحة فيها، ويجدر بيان ذلك في فرعين كالتالي:

الفرع الأول: حالات الاتفاق في حكم جراحة رتق غشاء البكارة

هناك حالتان يمكن أن تستوعبا عددًا من الأمثلة، اتفقت كلمة الباحثين المعاصرين حول حكمهما، وهما:

الأولى: حالة تلك التي زالت عذريتها واشتهرت بالزنا ولم يعد لإصلاح سمعتها أو الستر عليها رتق لعذريتها أو غيره.

والثانية: حالة من زالت عذريتها بسبب تعذر به ولا يمت للخيانة أو التدليس أو سوء الأخلاق بصلة، لكن يخشى عليها من مضار المعوقات الاجتماعية التي لا ترحم- بحكم الأعراف والعادات- من زالت عذريتها دون أن يسبق لها الزواج، والتي لا تقبل أي تبرير له، ويغلب عليها سوء الظن أكثر من الإحسان فيه، وبيان ذلك في مقصدين:

المقصد الأول: منع إجراء الجراحة لمن زالت عذريتها بسبب سوء سلوكها

إذا كانت المرأة قد زالت عذريتها بسبب سوء سلوكها، واشتهر أمر انحرافها وممارستها للفحش بين الناس، فإن إجراء الجراحة التي تعيد لها العذرية سوف يؤدى إلى ستر أمور مشينة عن علم من يريد أن يرتبط بها، وهو لا يقبل بغير استقامة سلوكها طريقًا لذلك، ولو أنه علم عنها أنها ليست عذراء ما أقدم على الارتباط بها ولفرَّ منها كما يفر من المجزوم فراره من الأسد، لاسيما إذا كانت قد فقدت عذريتها بسبب انحراف سلوكي اشتهر بين الناس، ومثل تلك التي زالت بكارتها بسبب زنا اشتهر بين الناس لن يجدي الترقيع أو الإصلاح أو الرتق بالجراحة معها شيئًا؛ ولذلك اتفقت كلمة الباحثين المعاصرين على أنه لا يجوز رتق غشاء البكارة في تلك الحالة؛ لأن أمرها إذا كان مفتضحًا لم يكن للستر عليها فائدة، ولن يكون للجراحة الساترة لفتق بكارتها أثر في إشاعة حسَن الظن بين الناس حيث شاعت دوافع سوء الظن بها بشيوع أمر الفاحشة، وإذا كان إجراء الجراحة لها خلوا من الفائدة المرجوة منه يكون فعلها عبثًا ويترجح القول بتحريمه على القول بجوازه.

أدلة تحريم الجراحة في تلك الحالة:

وأدلة تحريم إجراء الجراحة في تلك الحالة تعتبر من قبيل الاستدلال بالمعقول، وإن كانت تعتمد على فهم بعض النصوص الشرعية، وهى تتمثل فيما يلى:

أولاً: أن المشهور بالفاحشة والزنا شخص يخرج من دائرة الستر الذي طلبه الشارع للعصاة والمجرمين؛ لأن شيوع الفاحشة واشتهارها يعنى أنها متكررة ومعتادة، ومعتادو الإجرام لا ينبغي الستر عليهم؛ وإنما يتعين فضحهم؛ ولما كانت الجراحة من قبيل الستر على من يرجى صلاح حاله وهؤلاء لا يرجى صلاح حالهم يكون عدم جواز إجرائها لهم هو القول الراجح؛ ولأن في الستر عليهم ما ينافي إعلاء شعار الدين، وزجر المفسدين؛ ومما يدل على ذلك قوله صلى اله عليه وسلم: "كل أمتي معافي إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح، وقد ستر الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله"؛ فقد أفاد هذا الحديث أن مستور المعصية متروك وشأنه، وأما من يشيعها عن نفسه حتى يشتهر بها بين الناس، فذلك مستثنى من هذا الإعفاء، وعليه يجوز فضحه؛ ولأن من فرط في حق نفسه، وفضحها، لا يلومن غيره إن هو أشاع عنه ما أشاعه هو عن نفسه، ومن يظهر الفسق ويجاهر به يكون عرضه حلالاً من الغيبة فيجوز ذكره بالسوء الذي اشتهر به.

ولأن المرأة إذا ظهر زناها لا يجوز للرجل الصالح أن يتزوج منها؛ لأنها لا تنكح إلا مثلها؛ وذلك لقوله صلى اله عليه وسلم: "الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله"، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلاً من المسلمين استأذن النبي صلى اله عليه وسلم في الزواج من امرأة يقال لها: أم مهزول، كانت تمارس السفاح، واشترطت أن تنفق عليه، فذكر أمرها للنبي صلى اله عليه وسلم فقرأ عليه قول الله- تعالى-: }الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ{.

ووجه الدلالة في الآيتين: أن الرجل لا يجوز له أن يتزوج ممن ظهر منها الزنا؛ فإذا كان شأنها كذلك فلن يجدي معها ستر أو رتق، وبالتالي لن يستقيم لها إجراء الترقيع العذري الذي يسترها حتى لا ينقلب إلى أداة لحل ما حرمه الله- تعالى- بقوله: }الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً {، أي نكاح الزانيات اللاتي اشتهرن بالزنا.

مناقشة أدلة التحريم في تلك الحالة:

وفي نظرنا: إن الأدلة الواردة لهذا القول لا تسلم من المناقشة التي تكشف عن شيوع الوهن بين دلالتها، وذلك كما يلي:

أولاً: إن فيها حكمًا على العاصية بالإعدام والطرد من رحمة الله، مع أن باب التوبة مفتوح والهداية من الله- سبحانه-، قال الله- تعالى-: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ ، وقال- سبحانه-: }لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء{، ففي هاتين الآيتين الكريمتين وغيرهما ما يفيد أن باب الهداية مفتوح لمن يشاء الله له ذلك، ولا حرج على فضل الله الذي يؤتيه من يشاء، وأن الله يغفر الذنوب جميعًا ما عدا الإشراك به، لقوله- تعالى: }إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء{، وإذا كان الله قد فتح باب الرحمة والمغفرة لعباده العصاة والمذنبين فلا يجوز أن يغلقه عباده في وجه بعضهم، وقد جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".

ومن المؤكد أن هذه الأدلة وغيرها تفيد أن قطع الرجاء في إصلاح حال من اعتدن الإجرام أمر ينافي مقصد الشارع من إيرادها، فلا يجوز منع ما يفتح باب الأمل أمامهن.

ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن معونة الشيطان على العصاة؛ وذلك لمساعدتهم على الاستقامة حتى ولو اشتهر أمر انحرافهم؛ بل حتى ولو أقيم عليهم الحد بأسلوب العلانية التي تحقق شهرة انحرافهم، فقد روى عن أبى هريرة قال: "أُتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، فقال: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه؛ فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان"، ووجه الدلالة في هذا الحديث على المطلوب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تعينوا عليه الشيطان"، فإن مفاد هذا النهى يدل على أن واجب المجتمع أن يأخذ بيد من اشتهروا بالمعاصي نحو الإصلاح ولا يتركهم نهبًا للضياع الذي تردوا فيه، وما ذهب إليه القائلون بعدم جواز إجراء جراحة رتق غشاء البكارة ينافي هذا المعنى فلا يتعين الركون له.

ثالثًا: وما قالوه استدلالاً بالحديث والآية الكريمة: }الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً{، فإن التحريم فيها ليس على سبيل التأبيد؛ وإنما هو على سبيل التأقيت المرهون بالتوبة، أي حتى يتوبوا، فإذا تابوا جاز نكاحهم، وهو ما حكاه الشوكانى في نيل الأوطار قال: وحكي عن قتادة أنه قال: "إلا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم"، ويقول: قال المنذري: وللعلماء فيها أقوال: أحدها: أنها منسوخة، قاله سعيد ابن المسيب، وهو قول الشافعي، وقال غيره: الناسخ قوله- تعالى-: }وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ{، فدخلت الزانية في أيامى المسلمين، والثانى: أن المراد بالنكاح هنا الوطء، والمراد أن الزاني لا يطاوعه في الفعل إلا مثله، أو مشركة لا ترى للزنا حرمة، ومما رجح ذلك قوله- تعالى-: } وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينًَ{ يعنى الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي، الثالث: أن هذا كان قضية عين في نسوة تتزوج إحداهن الرجل على أن تنفق عليه من كسب زناها، ودليل ذلك أن نزول الآية كان بسبب ذلك، ثم يقول الشوكانى: الجمهور على حمل الآية على الذم لا على التحريم، وحكى في البحر عن على، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وسعيد بن المسيب، وعروة، والزهرى، والعترة، ومالك، والشافعى، وربيعة، وأبى نور أنه لا تحرم المرأة بالزنا لقوله- تعالى-: }وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ{، ومن المؤكد أن هذه الأدلة الكريمة لا تفيد القطع فيما انتهى إليه القائلون بعدم الجواز، وإذا تردد الأمر بين الستر والفضح يكون الستر هو الذي يتعين المصير إليه فيجوز إجراء الجراحة لمن اشتهر أمرها بالزنا أخذًا بيدها على طريق الاستقامة وعونًا لها على محاربة الشيطان.

إن ستر المسلم على نفسه واجب، وإذا كان قد أخطأ بفضح نفسه فلا يجوز أن يرد عليه المجتمع بمثل ما أخطأ؛ بل بإصلاح خطئه.

رأينا في المسألة:

ولهذا نرى أن إجراء جراحة رتق غشاء البكارة لمن اشتهرت بالزنا أمر جائز ولأنها تشملها أدلة الجواز في الحالات الأخرى.

ومثلها في الحكم من قدمت للقضاء في جريمة الفحشاء وقرأ الناس خبرها على صفحات الجرائد السيارة، أو أشيع أمرها على قنوات البث الفضائية أو المحلية.

المقصد الثاني: الجواز في الحالات التي لا تمس الأخلاق وتعذر فيها الفتاة

هناك حالات يصاب فيها غشاء البكارة بالفتق دون أن يحدث للمرأة ما يدل على سوء أخلاقها أو انحراف طبعها؛ وذلك كما لو حدث الرتق كعيب خلقي ولدت به الفتاة؛ فإن لكل امرأة غشاء بكارتها الخاص بها والذي يختلف عن الأخرى بما يميزه عنها كالبصمة الخاصة الذي يميز كل امرأة عما سواها، ومن ثم فإنه يحتمل في أصل خلقته أن يكون به بعض التمزق، أو أن يكون غشاء البكارة مسنن الحواف فيبدو وكما لو كان ممزقًا بفعل فاعل.

وقد يحدث تآكل الغشاء بسبب حادث يصيب منطقة الفرج عندما تسقط الفتاة على جسم صلب بارز والساقان متباعدتان، أو مرض الفتاة بالغرغرينا أو التقرحات أو الجمرة الخبيثة، أو بسبب إدخال جسم غريب من قبل صاحبته لاختلال عقلها أو وهن قواها الذهنية، ومن ذلك أن يقع الفتق في سن مبكرة، أو يتم الرتق بحضور الزوج وموافقته، أو بسبب استئصال أورام، أو نتيجة التعذيب، أو بسبب الاغتصاب كما حدث لفتيات البوسنة والهرسك، أو أن يكون الغشاء مسدودًا عديم الفتحات ويحجز دم الحيض مما يؤدى إلى انتفاخ بطن الفتاة، ويحتاج تصريفه إلى عملية فتق له حتى يتم تصريف الدم وتنجو من الهلاك ولمنع تجمعه مرة أخرى، وهى كلها حالات تعذر فيها الفتاة.

أدلة جواز الجراحة في تلك الحالة:

ومما يدل على جواز الجراحة في تلك الحالة أنها لن تنطوي على غش، ولن تمثل تدليسًا من قبل الفتاة أو أهلها؛ لأنها حسنة السلوك، ولا يوجد في سلوكها ما يؤخذ عليها، ومن ثم انتفي المبرر الذي من أجله قال المانعون بعد جواز إجرائها، ومع ذلك فإنه يمكن أن يستدل للجواز هنا بما يلي:

أولاً: أن ما حدث للغشاء من فتق في تلك الحالة قد وقع قهرًا على الفتاة دون إرادة منها، ودون اختيار لها، ومن ثم صار كالمرض الذي يقع على المريض ويجيز له طلب الشفاء بالعلاج والتداوي منه.

ثانيًا: أن لأصحاب تلك الحالات حقًا في الستر عليهن، وهذا الحق ثابت بأدلة قوية من كتاب الله- تعالى- وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الأدلة: في الكتاب قول الله- تعالى-: }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{ ؛ فقد توعد الله من يعملون على إشاعة الفحش في مجتمع المؤمنين بما يجعل كل عمل مؤد إلى منع ذلك من مطلوبات الشارع، ومنه إجراء ما يستر العرض، ويقطع قالة السوء، وإجراء جراحة الترقيع التي لن يضار بها أحد ولن يقصد بها غش، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة"، ولما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبى هزال الذي أغرى ماعزًا وحرضه على الاعتراف بما وقع منه من إثم الزنا: "لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك"، فإن هذه الأدلة وغيرها تدل على أن ستر الإنسان على نفسه واجب؛ كما تدل على أن ستر المجتمع عليه أوجب؛ لأن نشر ما قد يكون قد اقترفه من المفاسد سوف يحرض ذوى النفوس الضعيفة لفعل مثله، ومن ثم فإنه يدخل في باب إشاعة الفحش المتوعد عليه، وهتك الستر المنهي عنه، ومن باب الستر محو الآثار التي قد توصل إليه، ومنها فتق غشاء البكارة، فيجوز إجراء الجراحة الطبية المُصْلحة له.

والستر إذا كان مطلوبًا بحق من تورطوا في المعاصي فإنه يكون مطلوبًا بحق من لم يقترفوها من باب أولى؛ ولأن الستر عليهن يحميهن من مؤاخذات ظالمة، وأن هذا الرتق يساعد الفتيات على العفة والطهارة.

الفرع الثاني: حالات الاختلاف في حكم إجراء جراحة الرتق العذري

فيما عدا الحالات التي جرى الاتفاق على حكم إجراء جراحة الرتق العذري فيها بالجواز وعدمه، تبقى بعض الحالات التي اختلف فيها الباحثون المعاصرون؛ حيث رأى بعضهم جواز إجراء تلك الجراحة فيها، ورأى آخرون عدم جواز ذلك، ومن تلك الحالات: إصلاح الفتق العذري الذي حدث بسبب واقعة زنا لم يشتهر بين الناس، فقد اختلفت كلمة الباحثين فيها إلى قولين، قول بعدم الجواز مطلقًا، وقول بالجواز، والذين قالوا بعدم الجواز ألحقوا بها كل حالات إجراء تلك الجراحة ومنها تلك التي وقع الاتفاق على حظرها، وتلك التي يبدو- جليًّا- وجه الجواز فيها؛ حيث منعوا إجراء تلك الجراحة في جميع حالاتها، وترك حال الغشاء على ما هو عليه مهما كانت النتائج التي تترتب على بقائه ممزقًا، فإنها- في نظرهم- لن ترقى إلى مرتبة المفاسد التي سوف تترتب على إصلاحه، ويمكن بيان كل قول وأدلته في مقصدين كالتالى:

المقصد الأول: أدلة القائلين بعدم جواز إجراء جراحة الرتق العذري ومناقشتها

استدل أصحاب الرأي القائل بعدم جواز إجراء تلك الجراحة من السنة والمعقول وذلك كما يلي:

أولاً: من السنة النبوية:

1. بما روى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من غشنا فليس منا".

ووجه الدلالة في هذا الحديث الشريف على المطلوب:

أن النبى صلى الله عليه وسلم قد بين أن من يغش المسلمين فليس منهم، أي خارج عن جماعتهم أو هو عدو لهم، كما في قوله- عليه السلام-: "من حمل علينا السلاح فليس منا"، والخروج على المسلمين ومعاداتهم حرام، فيكون الغش حرامًا، وهذا مما لا خلاف فيه، وقد جاء تحريم الغش في الحديث عامًا، فيشمل غش الأشياء كما يشمل غش الأشخاص، والخطر في الحالة الأخيرة أولى؛ لأنه يؤدى إلى خراب البيوت وتعطيل الفتيات عن ممارسة دورهن بالزواج، فيكون الخطر فيهن أقوى وأوضح، وإجراء جراحة إصلاح الغشاء العذرى من هذا القبيل، فيكون منعها داخلاً ضمن وجه الدلالة فيه.

وللزوج حق الفسخ إذا اشترط أن تكون زوجته عذراء، ثم استبان له خلاف ذلك، وإجراء الطبيب لتلك الجراحة يفوت عليه الحق، ويخدعه حين يوهمه أنها عذراء، وهى ليست كذلك.

مناقشة الاستدلال بهذا الحديث الشريف:

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن الغش المنهي عنه هو الذي يتعلق بعوارض النفس الإنسانية من الأشياء التي تقوم بها كالسلع والمصنوعات وما إليها، وهذا المعنى بعيد عن موضوع بحثنا؛ لأنها تتعلق بجراحة تقوِّم خللا حدث في الحياة، ولو ترك وشأنه لأدى إلى مضار سوف تطيح بها، ولهذا كان اللجوء إليه سدًا لذريعة تلك المفاسد الكبرى، والقول بأنه غش فيه مصادرة على المطلوب من النظر في حقيقته وما يكتنفه من المصالح الكبرى المتلبسة ببعض المفاسد التي لا يمكن أن تؤثر على حكمه طالما غلبت المصلحة فيه على المفسدة، والقول بأن فيه غشًا يراعى جوانب المفسدة ويترك وجوه المصالح الكثيرة الموجودة منه، ومثل هذا النظر لا يمكن أن يؤدى إلى حكم صحيح.

ثم إن معنى الحديث لا يفيد ما ذهب إليه أصحاب هذا الرأي؛ فعبارة: فليس منا، جاءت في لفظ لمسلم: "فليس منى"، معناه ليس ممن اهتدى بهدي، واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي- كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله: لست مني، والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم يعنى أن يراعى من يقتدي به وجوه المصالح والمفاسد في الأمور، فإن غلبت المصلحة في الشيء على المفسدة أخذ به، وإن كانت الأخرى تركه إعمالا لمنهجه- عليه السلام- في نبذ الفساد والبعد عنه، والذين يقولون إن في إجراء تلك الجراحة غشًّا خالصًا دون أن يبرزوا ما فيها من جوانب المصلحة لم يراعوا هذا الهدى النبوي، وعليه لا يكون هذا الحديث دالاً على ما ذهبوا إليه، وما قيل من أن للزوج حق الفسخ إذا اشترط أن تكون زوجته بكرًا وتبين له خلاف ذلك، فإن هذا القول ليس عملاً بالراجح من أقوال الفقهاء؛ وإنما هو عمل بالرأي المرجوح بل الضعيف والذي يخالف رأى جمهور أهل العلم في المذهب الحنفي والمالكي والشافعي، وأحد قولين للإمام أحمد، وعلى فرض تساوى القولين، فإنه لا ينكر المختلف فيه، ومن ثم يكون للعمل بالقول الآخر- وجه- يرقى به إلى الجواز.

2. وبما روى عن أم كلثوم- رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمى خيرًا أو يبلغ خيرًا"، متفق عليه، وزاد مسلم في رواية: "قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعنى الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها".

ووجه الدلالة في هذا الحديث على المطلوب:

قال الذين لا يجيزون إجراء جراحة رتق غشاء البكارة: إن الكذب حرام بالإجماع؛ لأن المؤمن لا يكون كذابًا؛ ولأن الكذب هو أس جميع الموبقات، وقد بين الحديث أن هناك حالات مستثناة من حرمة الكذب، فيجوز فيها أن يقع، وليست عملية ترقيع غشاء البكارة من بينها، فتكون باقية على أصلها وهو الكذب الذي يستر حقيقة مرة هى ثيوبة الفتاة، ويظهر ما يخالفها وهى البكارة، والكذب حرام، فتكون حرامًا.

مناقشة الاستدلال بهذا الحديث:

ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال، بأن تلك الاستثناءات ليست من قبيل الكذب المحرم؛ لأنها ليست منه، أو ليست كذبًا؛ لأن الكذب هو الإخبار بما يخالف الواقع على وجه يتمحض ضررًا، فإذا خلا من الضرر، بأن كان لمصلحة غالبة ترجى منه لا يكون من قبيل الكذب المحرم؛ بل يكون عملاً صالحًا، ولا يقتصر حكمه على الإباحة فقط؛ بل قد يكون واجبًا، كما في الكذب على الأعداء في الحرب، فإنه ليس مباحًا؛ بل هو واجب حماية للدين وأرواح المسلمين وإجراء جراحة رتق غشاء البكارة من هذا القبيل؛ لأنه يتمحض عن مصالح غالبة أو خالصة، وذلك في الحالات التي لا ينطوي فيها على غش أو تدليس أو ستر لانحراف في الفتاة، وحيث لم يكن ذلك من قبيل الكذب- أصلاً- فلا يسرى عليه حكمه، ولا يكون حرامًا؛ بل يكون على أصل ما وردت به تلك الحالات الثلاث، وهى الإباحة، أو الوجوب إذا كان المقصود من إجراء الجراحة دفع ضرر محقق لا مناص من دفعه إلاَّ بها.

إن مناط الكذب المحرم هو ستر الحقيقة، وهذا الستر لا محل له في حالة ما إذا كان القصد من الجراحة إزالة فتق لم ينشأ عن انحراف؛ وإنما بسبب تعذر به الفتاة ولا يسوغ محاسبتها عليه كتلك الحالات التي تجرى بها المقادير، وتسوق أحداثًا غير إرادية من قبلها، وتؤدى إلى فتق غشاء بكارتها، فقد روى الزهري أن رجلاً تزوج امرأة فلم يجدها عذراء كانت الحيضة قد خرقت عذريتها، فأرسلت إليه عائشة- رضي الله عنها: إن الحيضة تذهب العذرة يقينًا، وعن الحسن الشعبي وإبراهيم في الرجل إذا لم يجد امرأته عذراء ليس في ذلك شىء؛ لأن العذرة تذهبها الوثبة، وكثرة الحيض، والتعنيس، والحمل الثقيل، والتعميم في بيان الحكم غير صحيح؛ كما أن التخصيص فيه بدون مخصص وهو لا يجوز، وعليه يكون الحديث غير دال على المطلوب.

ثانيًا: من المعقول:

وقد استدل القائلون بعدم جواز إجراء تلك الجراحة من المعقول فقالوا:

1. إن رتق غشاء البكارة قد يؤدى إلى اختلاط الأنساب من جهة أن المرأة قد تحمل من الجماع السابق، ثم تتزوج بعد رتق غشاء بكارتها، وهذا يؤدى إلى إلحاق هذا الحمل بالزواج واختلاط الحلال بالحرام.

مناقشة هذا الاستدلال:

وما ساقه المانعون لإجراء تلك الجراحة من هذا الوجه سقيم، ولا يمت لموضوع اختلاط الأنساب بصلة؛ لأن لإثبات النسب أسبابًا محددة في الشرع لا تتوقف على وجود البكارة أو عدم وجودها؛ بل إن البكر قد تحمل في بعض الحالات التي يحدث العلوق فيها من انفلات نطفة الزوج من فتحته التي يخرج منها دم الحيض كل شهر، والبول كل وقت، ومن ثم لا صلة له بإثبات النسب أو باختلاطه، وحيث كان أمره مع النسب كذلك، لا يكون للتمحك في إلصاق جراحة العذرية به معنى، وعلى هذا يتعين رده؛ لأنه يحرم مباحًا، وتحريم المباح مثل تحليل الحرام كلاهما لا يجوز.

2. قالوا: إن هذه العملية تسهل للفتيات ارتكاب جريمة الزنا، لعلمهن بأن رتق غشاء البكارة ممكن بعد الجماع.

مناقشة هذا الاستدلال:

والاستدلال بهذا الوجه من المعقول مردود بأن فيه من التخيل والافتراض ما لا يلائم الواقع؛ لأن الانحراف في ذاته ليس سهلاً على الفتاة التي أودع الله داعي الفطرة العفيفة بين جنباتها، والتي يغلبها الشيطان ويسوقها الهوى لارتكاب هذا الفعل المنافي لتلك الفطرة الكامنة في أعماقها لن تنتظر إجراء جراحة تستتر بها، فالتحريم لتلك العلة فيه من القصور ما لا يصلح لإسناد الحكم إليه؛ لأنها قاصرة؛ بل وموهومة، وعليه لا يكون للتعليل بها معنى، ولا تصلح لما سيقت له، وهو منع إجراء تلك الجراحة؛ بل إن المرأة قد تعاشر جنسيًّا لسنوات عدة دون أن يحدث تمزق لغشاء بكارتها؛ بل قد يظل هذا الغشاء سليمًا عقب الإجهاض.

3. قالوا: إن في إجراء تلك الجراحة عونًا على المنكر، وتشجيعًا للأطباء على القيام بعمليات الإجهاض، وإسقاط الأجنة بحجة الستر.

مناقشة هذا الاستدلال:

ولا يستقيم القول بأن إجراء جراحة رتق غشاء البكارة، فيه عون على المنكر أو اطلاع على العورة كما قالوا؛ لأن المنكر لا يكون منكرًا إلا إذا خلا من المصالح واستغرقته المفاسد، وهذه الجراحة ليست كذلك؛ بل إن فيها نفعًا يفوق مفسدة الاطلاع على العورة، ويبرر وجوده إذا حصل، وفي هذا يقول العز بن عبد السلام: كشف العورة والنظر إليها مفسدتان محرمتان على الناظر والمنظور إليه لما في ذلك من هتك الأستار لكنه يجوز لمصلحة أرجح مثل: المداواة، والشهادة على العيوب وغيرهما؛ فهذا يبرر النظر إلى العورة.

وما يقال من أن فيه تشجيعًا للأطباء على إجراء عمليات الإجهاض، يعد قولاً مغرقًا في الافتراض والخيال؛ لأن من يريد الانحراف من الأطباء لن ينتظر فتوى تحفزه للانحراف؛ بل إنه لو كان منحرفًا لما عنى بالبحث عن الحكم الشرعي فيما يريد أن يقدم عليه من الجراحات، ولو استمر هذا الافتراض على شروده لقلنا إن الطبيب لن يقف عند حد إصلاح الفتق العذري، أو الإجهاض؛ بل سيتجاوز هذا النطاق إلى سرقة أعضاء المرضى؛ بل وإلى قتلهم، فهل إباحة ترقيع الغشاء ستكون هي السبب في ذلك؟ إن تحميل أمرها ما لا يحتمله لن يساعد على استخراج حكم فقهي صحيح؛ ولهذا كان أسلوب استنباط هذا الحكم غير صالح لما أقيم له، ومن ثم يبطل ما ترتب عليه.

ثالثًا: من قواعد الفقه الكلية:

كما استدل القائلون بعدم جواز إجراء الرتق العذري بقواعد الفقه الكلية فقالوا: إن من بين تلك القواعد المؤيدة لما ذهبوا إليه ما يلي:

1. الضرر لا يزال بالضرر:

ومن مقتضى تلك القواعد، إن ضرر حدوث فتق الغشاء العذري للفتاة، لا يجوز إزالته بضرر إلحاق الغش بالزوج، فلا يجوز فعله، وذلك مجمل ما قالوه.

مناقشة الاستدلال بتلك القاعدة:

ويمكن أن يرد على هذا الاستدلال، بأن الضرر الحادث للفتاة بسبب الفتق العذري، لن يزال بضرر إلحاق الغش بالزوج؛ لأن الغش غير موجود وغير حاصل، لاسيما إذا كانت الفتاة حسنة السلوك، أو ترغب في التوبة التي فتح الله أبوابها لكل عاص على مصراعيه.

2. يتحمل الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام:

لقد استدل القائلون بعدم جواز إجراء تلك الجراحة بالقاعدة القاضية بأنه: يتحمل الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام، وقالوا- تطبيقًا لذلك-: إن فتح الباب لرتق غشاء البكارة بحجة الستر على الفتاة، ودفع الضرر عنها، يمثل ضررًا خاصًا يقوم على حساب ضرر عام يتمثل في فتح أبواب الشر على المجتمع، فيتعين تحمل الضرر الخاص للفتاة منعًا لهذا الضرر العام.

مناقشة الاستدلال بتلك القاعدة:

ويمكن أن يناقش استدلال القائلين بعدم الجواز بأن ما يقال عنه ضرر عام، إنما هو في حقيقة الأمر مصلحة عامة؛ لأن قيام الطبيب بإخفاء تلك القرينة الوهمية في دلالتها على الفاحشة، له أثر تربوي ومردود حسن في المجتمع؛ لأنه يرسخ في أذهان أبنائه وبناته أهمية اعتزاز الفتاة بعذريتها ويمنع عنه تلك الهجمة اللاأخلاقية التي تروج عن غشاء البكارة بأن التمسك به فكرة رجعية وبالية لم يعد لها قيمة في ظل التطور الاجتماعي الذي يدعو إلى الصداقة والعلاقات المتحررة بين الشباب والفتيات، وترك الأغشية العذرية الممزقة على ما هي عليه يساعدهم على تلك النحلة الضالة، ومن ثم يتعين منعه.

ولا يسوغ القول بأن تتحمل الفتاة ضررًا يحكم عليها بالإعدام النفسي والاجتماعي بسبب عادات وثقافات لا تملك حيالها شيئا، ولا إرادة لها فيها، لمجرد أن يهنأ المجتمع الذي تعيش فيه ويسعد بمقولة أنه لن يقلق من مطاردة تلك العمليات المكدرة للنظافة الأخلاقية فيه، وأن السكوت عليها وتركها سوف يؤدى إلى بث الطمأنينة على الاستقرار الخلقي الرفيع بين جنباته، وعليه لا يكون الاستدلال بتلك القاعدة الفقهية سائغًا ولا مقبولا.

المقصد الثاني: أدلة القائلين بجواز إجراء جراحة إصلاح غشاء البكارة

استدل القائلون بجواز جراحة الرتق العذري على ما ذهبوا إليه بالقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وآثار الصحابة، والإجماع، والمعقول، وتفصيل ذلك كما يلي:

أولاً: من القرآن الكريم:

1. بقوله- تعالى-: }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{.

ووجه الدلالة في هذه الآية الكريمة على المطلوب:

إن الله– تعالى- قد توعد من يشيعون الفاحشة في المجتمع المؤمن بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة وإشاعة الفحش، نشره ابتداء، أو العمل على ما ينشره بأي وسيلة تؤدى إلى هذا النشر ومن المعلوم أن فتق غشاء بكارة أي فتاة- حتى ولو كان بأسباب بريئة- يثير شهوة الناس وفضولهم للكلام واختلاق قصص الفحش وحكاياته على نحو يشيعه؛ بل ويروج له لدى ضعاف النفوس من الفتيات والفتيان.

ومن الفحش القول السيئ، حكى ذلك الإمام القرطبي في جامعه لأحكام القرآن فقال: قيل إن الفاحشة في الآية الكريمة، هي القول السيئ؛ وهذا القول السيئ سوف يصيب- بالقطع- من فقدت عذريتها، وسيؤدى ذلك إلى نشر الفحش، فيكون داخلاً تحت الوعيد المذكور في الآية الكريمة، والوعيد يفيد حرمة الفعل المتوعد عليه، وهو ترك الغشاء مفتوقًا فيكون رتقه مطلوبًا، وهذا ما يستفاد من دلالة المفهوم في الآية الكريمة.

2. ويقول الله- تعالى-: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ{

ووجه الدلالة في هذا القول الكريم:

إن الله- تعالى- قد أمرنا باجتناب كثير من الظن، ومن هذا القبيل الظن السيئ بالناس من غير دليل محقق على ارتكاب ما يدعو إلى إساءة الظن بهم، فإن ذلك ينافي البراءة الأصلية التي أثبتها الله لكل إنسان، وبمقتضاها يجب إحسان الظن به، ولا يجوز نقضها إلا بدليل متيقن يرقى إلى درجة محوها، وذلك لما هو مقرر: أن الثابت بيقين لا يزول بالشك، ولهذا كان المراد بالظن هنا: التهمة، ومحل التحذير والنهى مختص بتهمة لا يوجد لها من الأسباب ما يوجبها، وقد دل على ذلك ما بعده، وهو قوله- تعالى-: }وَلَا تَجَسَّسُوا{، فإن التجسس لا يقع إلا بعد خاطر التهمة ابتداء، ثم يأتي بعد ذلك ليتحقق من صحة ما وقع فيه من التهمة.

وإذا كان الظن السيئ بالناس ممنوعًا، كان ما يحول دونه مطلوبًا، فكل أمر يقي الناس من الوقوع في سوء الظن يتعين فعله، ومن ذلك إجراء جراحة الرتق العذري، كما أن زوال الغشاء ليس دليلاً مؤكدًا على الانحراف وسوء الخلق، ومن ثم فإنه لا يجوز أن يكون مدعاة لسوء الظن بها، وحيث كان كذلك فلا مانع من إصلاحه منعًا لهذا السوء.

ثانيًا: من السنة النبوية:

1. بما روى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة"، وفي رواية عن مسلم: "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة".

ووجه الدلالة في هذا الحديث الشريف على المطلوب:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بشر من يستر على الناس في الدنيا بأن يستر الله عليه يوم القيامة، ومن يستر مسلمًا ستره الله في دنياه وآخرته، والبشرى تفيد مشروعية المبشر به وهو الستر على الناس، بفعل كل ما يستر عليهم، ومنه رتق غشاء بكارة الفتاة، فإن في هذا سترًا عليها، والستر مطلوب شرعًا وفقًا لما يستفاد من دلالة الحديث الشريف.

2. وبما روى عن يحيى بن سعيد قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن ابن هزال عن أبيه أنه ذكر شيئًا من أمر ماعز للنبى صلى الله عليه وسلم وعبر له عن سروره بأنه هو الذي شجعه على الإقرار بجريمته حتى أقيم عليه الحد، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: "لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك".

ووجه الدلالة في هذا الحديث الشريف على المطلوب:

أن النبى صلى الله عليه وسلم قد وبخ أبا هزال عن تحريضه لماعز بأن يعترف بالزنا مما أدى إلى شيوع أمره وبين له أنه لم يفعل بذلك التحريض ما هو مطلوب شرعًا؛ لأن المطلوب شرعًا هو الستر حتى لا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وذلك تحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية الداعية إلى الستر على عباد الله، وأن من ارتكب جريمة في الظلام يجب أن يستر ولا يفضح أمره تحقيقًا لهذا المقصد الإسلامي الأسمى.

وإذا كان الستر مطلوبًا على من تورطت في الإثم وغرقت في الفحش فإنه يكون مطلوبًا لمن زال غشاء بكارتهن بسبب لا يعد معصية من باب أولى، ولأن الستر عليهن يحميهن من مؤاخذات ظالمة لا تحمد عقباها من فشل الزواج، وهدم الأسرة في بداية تكوينها، وانتشار الأقاويل والشائعات التي غالبًا ما تكون سببًا في قتل الفتاة، وجلب العار لأهلها وذويها على نحو يورثهم كثيرًا من الأمراض النفسية، مع أن الفتاة قد تكون بريئة من كل تلك التهم، وأن بكارتها قد زالت بسبب لا يمت إلى سوء الأخلاق بصلة.

مناقشة الاستدلال بتلك الأحاديث:

وقد ناقش القائلون بعدم جواز جراحة الرتق العذري وجوه الاستدلال بتلك الأحاديث الداعية إلى الستر فقالوا:

أ. إن الستر الذي ندبت إليه الشريعة الإسلامية هو الذي يحقق مصلحة معتبرة ورتق غشاء البكارة ليس من هذا القبيل؛ لأنه يفتح باب الزنا ويؤدى إلى كشف العورة.

رد هذه المناقشة:

ما أورده المانعون على وجوه الدلالة من الأحاديث الداعية إلى الستر لا يرقى للتفريط فيه؛ لأن تلك الجراحة لن تكون- كما زعموا- فتحًا لباب شر، ولا ذريعة إلى الزنا، وكشف العورة إنما يحرم لغير ضرورة، فإذا وجدت ضرورة يجوز كشفها لما هو معلوم أن الضرورات تبيح المحظورات، والعمليات الجراحية المشروعة من هذا القبيل ومنها تلك الجراحة فيجوز كشف العورة لها.

وحيث استبان ذلك تبقى مصلحة الستر قائمة بلا منازع فيتعين المحافظة عليها بفعل ما يؤدى لذلك وهو جراحة الرتق العذري.

ب. إن من زالت بكارتها لو علمت أن بمقدورها التخلص من آثار جريمتها بإصلاح ما أفسدته تلك الجريمة تناقص إحساسها بمخاطرها، وشجعها على اقتحام المعاصي وهذا يتنافي مع مبادئ الشريعة الداعية إلى سد منافذ الجريمة، وغلق جميع الأبواب الموصلة إليها.

رد هذه المناقشة:

قد يكون عكس ما ذكره المانعون في تلك المناقشة هو الصحيح؛ لأن من تريد الاستمرار في الجريمة لا يعنيها إصلاح غشاء البكارة ولا تفكر فيه، ومن ثم يكون حرصها على إجراء تلك الجراحة دليلاً مؤكدًا على أنها تريد الاستقامة والتوبة، فيتعين الأخذ بيدها على هذا الطريق، ولا يجوز أن يوصد باب التوبة أمامها، والأصل أن يتم تقرير الأحكام من منطلق إحسان الظن بالناس، وليس من جهة سوء الظن بهم، وهذا الأصل يرجح فيمن تحرص على إجراء تلك الجراحة جانب الاستقامة والإقلاع، وليس اقتحام المعاصي كما يقولون.

ثالثًا: من آثار الصحابة:

لقد دلت آثار الصحابة على أنه يجب الستر على من وقعت في المعصية من البنات، وأنه لا يجوز الإخبار عند زوجها بما سبق أن وقع منها من انحراف؛ بل وصل أمر المنع إلى حد العقاب تعزيرًا لمن يفشى سر انحراف فتاة لمن يتقدم للزواج منها، ومن هذه الآثار:

1. ما رواه الشعبى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب t فقال: يا أمير المؤمنين: كنت قد وأدت امرأة لي في الجاهلية وأدركتها قبل أن تموت فاستخرجتها، ثم إنها أدركت الإسلام معنا، فحسن إسلامها، لكنها أصابت حدًّا من حدود الإسلام، فلم نفاجأ إلا وقد أخذت سكينًا تريد أن تذبح نفسها، فاسَتنقذناها بعد أن جرحت نفسها فداويتها حتى برأ كَلمُها، فأقبلت إقبالاً حسنًا، وأن رجلاً يخطبها منى، أفأذكر له ما كان منها؟، فقال عمر: هاه؛ لئن فعلت لأعاقبنك عقوبة يتحدث بها أهل الأمصار، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة.

ووجه الدلالة في هذا الأثر على الجواز:

أنه قد دلَّ على وجوب الستر على الفتاة التي سبق انحرافها قبل الزواج؛ بل وتوعد عمر بن الخطاب ولى أمرها إن فعل ذلك بالعقاب الشديد، ولم يقل له: إن ذلك الإفشاء أو الإخبار سوف يمنع الغش، أو أنه من حقوق الخاطب؛ بل قال له: أنكحها نكاح العفيفة المسلمة، والعفيفة: هي ذات البكارة، ومن ثم يكون رتق غشاء البكارة لمن انحرفت أمرًا مطلوبًا بهذا الأثر الصحيح.

وحيث استبان ذلك تبقى مصلحة الستر قائمة بلا منازع فيتعين المحافظة عليها بفعل ما يؤدى لذلك وهو جراحة الرتق العذري.

2. وما روى عن طارق بن شهاب أن رجلاً خطب من رجل ابنته، وكانت قد أحدثت زنا، فجاء إلى عمر وذكر له ذلك، فقال عمر: ماذا ترى فيها؟، قال: ما أرى إلا خيرًا، قال: فزوجها ولا تخبر.. وفي رواية أخرى أن جارته فجرت وأقيم عليها الحد، ثم تابت وحسنت توبتها وحالتها، فكانت تخطب من عمها، فيكره أن يزوجها حتى يخبر ما كان من أمرها، وجعل يكره أن يفشى ذلك عليها، فذكر ذلك لعمر، فقال: زوجها كما تزوجوا صالحى فتياتكم.

ووجه الدلالة في هذا الأثر على المطلوب:

أنه قد دل على أن الفتاة التي سبق وقع الزنا منها يجب الستر عليها، وأن من حقها أن تزوج كما يزوج الناس الصالحات من بناتهم، ولا يجوز هتك سترها بذكر ماضيها المعيب أمام من يتقدم للزواج منها، وأن من يفعل غير ذلك يكون مخالفًا لمنهج الشارع الحكيم في الستر على البنات.

وقد جاء وجوب الستر عامًا يشمل كل وسيلة تؤدى إليه، ولاشك أن رتق غشاء البكارة من أهم وسائل الستر على الفتاة التي سبق انحرافها، والتي لم يسبق لها الانحراف فيتعين المصير إليه، ويكون الطبيب الذي يجريه مأجورًا لا مأزورًا.

3. وما رواه الإمام مالك في الموطأ عن أبى الزبير المكي أن رجلاً خطب من رجل أخته، فذكر له أنها كانت قد أحدثت زنا من قبل، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فضربه أو كاد أن يضربه، ثم قال: مالك وللخبر؟ قال وهب: وأخبرنى عمرو بن الحارث بهذا الخبر عن أبى الزبير، وفيه أن عمر قال له: أنكح واسكت.

ووجه الدلالة في هذا الأثر على المطلوب:

أن عمر بن الخطاب قد نهى ولى أمر الفتاة أن يخبر الخاطب عن ماضيها الذي ارتكبت فيه الزنا، ولو كان الإفشاء واجبًا لما أمره بذلك؛ بل إنه قد نهاه عن الإفشاء بأسلوب مقترن بالعقاب التعزيري الدال على حرمة هذا الفعل، وهذا يفيد أن الستر واجب بكل ما يوصل إليه، ومنه عملية إصلاح غشاء البكارة.

كما تدل هذه الآثار على أن سبق الزنا من المرأة لا يعتبر عيبًا من العيوب التي يجب على الولى أن يخبر بها، ولو أن عمر كان يرى أن الزنا عيب في الفتاة يعطى زوجها الحق في ردها لما اتخذ ذلك الموقف من الأولياء، ولشجعهم على تصرفهم بالإخبار عما علموا لما في إخفائه من تضييع الحقوق على الأزواج.

مناقشة الاستدلال بتلك الآثار ورد تلك المناقشة:

وقد تناقش تلك الآثار بأن النظر لغشاء البكارة لم يكن كعهده في أيامنا؛ لأن المسلمين في عهود الصلاح لم يكن عندهم مثل تلك الأعراف والعادات التي نشأت فيما بعد في بعض المجتمعات حول أهمية البكارة وسفح دمها ليلة الدخول، ولو أن تلك العادات كانت موجودة في عهد عمر، أو أنه لو كان يعلم من ردود الفعل عند الزوج وأهله وعشيرته مثلما يقع اليوم في بعض البلاد، لما اتخذ ذلك الموقف، وأما أمر الآباء والأعمام والأخوة بالإحجام عن الإخبار عما أحدثته بناتهم وأخواتهم من الزنا، فإنه- لاشك- يعلم أن الزنا مظنة قوية لذهاب البكارة، وأن الزواج مظنة قوية لاكتشاف ذلك، ومع هذا كان يأمره بالستر وعدم الإخبار لما يعلمه من أن موازين الناس يجب أن تكون تبعًا لميزان الشرع، وأن الشرع لا يعتبر زوال البكارة دليلاً ولا قرينة على الزنا ولا سببًا موجبًا لفسخ عقد الزواج.

رابعًا: ومن الإجماع:

لقد انعقد إجماع الصحابة على أن سبق الزنا من المرأة لا يمنع من زواجها؛ بل إن حملها من الزنا لا يمنع ذلك الزواج، وقد حكى هذا الإجماع الإمام ابن حزم قى المحلى فقال: "فهذا عمر يبيح للحامل من زنى الزواج بحضرة الصحابة- رضي الله عنهم- ولا يعرف له مخالف منهم، مع أنهم يعتبرون مثل ما قضى به من عظائم الأمور لو ظفروا به"، فكان ذلك إجماعًا منهم على هذا الحكم.

وإذا كان الإجماع قد انعقد على صحة زواج الحامل ممن زنى بها بشرط ألا يجامعها حتى تضع حملها، فيكون زواج من سبق زناها بدون حمل صحيحًا من باب أولى، وحيث كان ذلك كذلك يكون المانع من إجراء جراحة الرتق العذري- عند من يرون منعها- قد زال، فيكون إجراؤها صحيحًا بناءً على ذلك.

خامسًا: ومن المعقول:

وقد استدل القائلون بالجواز على ما ذهبوا إليه بالمعقول فقالوا:

1. إن قيام الطبيب بتلك الجراحة يساعد على ترسيخ مبدأ حسن الظن بالناس، ويغلق أبوابًا من الشر لو ظلت مفتوحة لأدت إلى سوء الظن والخوض فيما حرمه الله- تعالى-؛ فإن الفتاة التي فتق غشاء عذريتها لو ظلت على ما هي عليه، فإن أقوال الناس سوف تحكم عليها بالفحش وتسد أمامها أبواب الإصلاح الاجتماعي، وربما دفعها ذلك إلى التفكير في الحرام والاندفاع نحوه، وذلك بعكس ما لو تم إجراء تلك الجراحة فإنه سوف ينأى بها عن كل تلك العثرات.

ولا ينال من ذلك ما قد يقال من أن غلق باب سوء الظن بالمؤمنين والمؤمنات إنما يكون بالإخبار عن حقيقة الواقع كما حدث دون تزوير له، والصدق قبل الزواج، فإن رضي الزوج على ذلك كان رضاه عن بصيرة، وإن انصرف عنها عوضها الله خيرًا منه، أما لو ارتبط بها عن تعمية لحالتها، فإنه لو علم بعد الزواج قد يخبر بذلك فيشيع الإفك عنها ظلمًا، وقد يؤدى ذلك إلى تهديد كيان الأسرة وهدم مستقبلها.

فإن ذلك القول لو حدث، فإنه سوف يدفع الزوج إلى سوء الظن بها، ولن يصدق في ظل ثقافة الفضول وسوء الظن بالناس أن يصدق بأن ما تم قد حدث دون ذنب منها، وسيؤدى ذلك إلى التعجيل بهدم مستقبلها، ولو أنها أخبرته بما حدث تكون قد خالفت هدى الشارع الحكيم في الستر على نفسها، وإنه لمن الحماقة أن تخبر الفتاة عن أمر يغلب على الظن معه أن يؤدى إلى هدم مستقبلها، فإن الشارع لا يطلب منها أن تخبر عن ماضيها إذا كان لها ماض سيئ، فما بالنا بهذا الماضي الذي لم تقترف سوءًا فيه إذ حدث الفتق دون ذنب منها؟، وعليه لا يكون لمثل هذا القول قيمة أو معنى.

2. إن رتق غشاء البكارة يجعل المرأة في وضع تتساوى فيه مع الرجل بعد ارتكاب الفاحشة وهى لن تتجاوز به مقدار ما يكون عليه بعد اقترافه جريمة الفحش، فالرجل بعد تلك الجريمة لا يظهر عليه من العلامات التي يطارد بها اجتماعيًا ونفسيًا وأخلاقيًا، أما هى فإن تمزيق الغشاء عند الجماع يترك علامة على ذلك الفحش لا يمكن محوها إلا بتلك الجراحة، وهى إذا أجريت لن يزيد وضع المرأة به عن المساواة مع الرجل في أصل الحلقة البدنية لكل منهما، والمساواة في المركز الحقوقي مقصد شرعي يجوز المصير إليه ما أمكن.

ولأن إجراء تلك الجراحة لن يمحو أدلة إثبات الجريمة- لو كانت قد حدثت- في جانب أي منهما لأن لهذا الإثبات أدوات شرعية محدودة تسرى على كل منهما، ولن تؤثر فيها أن تصلح المرأة غشاء بكارتها، فإنها إذا فعلت ذلك لن تستطيع أن تمحو به أدلة الإثبات لو كانت قد ارتكبت جريمة، ولأن فتق غشاء البكارة ليس- بذاته- مما يصلح دليلاً لإثباتها؛ لأنه قد يحدث نتيجة لسبب لا يسئ إلى الأخلاق، ولا يمت لتلك الإساءة بصلة، ومن ثم تخلص المساواة بين الرجل والمرأة- في ذلك الأمر- من الآثار التي تنال منها، وهذا يؤكد مبدأ الأخذ بها، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن قرينة فتق غشاء البكارة لا تصلح وحدها لإثبات الزنا ما لم يصاحبها اعتراف أو إقرار.

كما لا ينال من ذلك ما قيل من أن المساواة لا تكون فيما فطر الله كل واحد منهما عليه؛ لأن للمرأة تكوينها بدنيًا يختلف عن تكوين الرجل، والمساواة الحقيقية بينهما إنما تكون في الحقوق والواجبات، وهذا قائم لا يعتريه تغيير، لكن يبقى مع تغيير التكوين البدني شيء آخر يرجع إلى الأثر المترتب على فعل الفاحشة فهو في جانب الرجل لا يؤدى إلى اختلاط الأنساب، بخلاف المرأة، فإن محلها يؤدى إلى اختلاط الأنساب، ولهذا يتعين حفظه مما يؤدى إلى ذلك ومنه إصلاح الفتق العذري.

فإن ذلك القول مردود بأن المساواة في العودة إلى أصل التكوين لكل منهما، وهذا لا يتأتى إلا بإصلاح الفتق العذري، وهذا لا يخل باختصاص كل منهما بتكوين بدني يختلف عن التكوين البدني للآخر، وما يقال من أن انحراف المرأة يؤدى إلى اختلاط الأنساب فيه تجاوز للحقيقة، فإن البكارة والثيوبة لا صلة لهما باختلاط الأنساب؛ لأن للنسب وسائل للإثبات لا يؤثر فيها بكارة أو ثيوبة، وفعل المرأة كما يؤدى لاختلاط الأنساب، فإن فعل الرجل قد يكون أكثر منه خطرًا في ذلك؛ لأنه قد ينكر ولده ويرمى نسبه على غيره؛ بل إن إنكار النسب منه أخطر من اختلاطه؛ لأن فعل الوقاع يحدث خلف الأبواب المغلقة، ولا يعلم بحدوث العلوق منه سوى الله، ومن حدث منه العلوق، وهذا الاختلاط لا يحدث من قبل المرأة، فإن النسب ثابت لها عيانًا، حيث يشهد نزول الولد منها كل من يحضر الولادة، ولهذا الاختلاف خص الشارع الأب بالذكر في قوله- تعالى-: }ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ{، لأن إنكار النسب من الأب أقوى في الأثر من المرأة، حيث لا يشهد أحد فعل الوقاع الذي حدث منه العلوق حتى يقطع بأن هذا الولد ابن لهذا الأب، بخلاف المرأة، وقد جرت قواعد الإثبات في النسب على مراعاة ذلك، ووضعت له أسبابًا لا تركز على عين العلوق من الرجل وجعلت قيام العلاقة الزوجية سببًا له إذا جاء في مدة الحمل، أو أقر به الأب مع توافر شروط صحة الإقرار أو غير ذلك من الأسباب التي يثبت بها النسب.

3. إن إجراء جراحة الرتق العذري سوف يشجع الفتاة التي تم إجراء الجراحة لها على التوبة، ويدفعها إلى العفاف- لو كان سبب فتقه راجعًا إلى سوء سلوكها-، وسوف يثبتها على هذا الطريق المستقيم الذي كانت عليه قبل أن يتمزق غشاء بكارتها.

ولو أن الطبيب قد غَلَّ يده عن إجراء تلك الجراحة، فإنه سوف يمنع هذا الخير، بل سيؤدى بها إلى أن تستمر في طريق الغواية، طالما أن أصحاب القلوب الرحيمة قد حكموا عليها بأن تظل سائرة فيه، وبعد أن أوصدوا أمامها باب التوبة والاستقامة وأحكموا فيه الرتاج.

ولا يستقيم ما ذكره البعض من أن في ذلك فتحًا لباب الفساد- كما سبق وأن ردد المانعون ذلك كثيرًا- وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإن الاستدلال بتلك القاعدة- لو صح- لكان دليلاً على جواز إجراء تلك الجراحة لا على منعها، فإن من أكبر المفاسد أن يتم دفع الفتاة إلى طريق السوء أو تثبيتها عليه وإغلاق باب التوبة والاستقامة أمامها، واتخاذ كافة الوسائل لفضحها وهتك سترها، إن ذلك الرأي المبنى على الانتقام والتشفي هو المفسدة التي يتعين منعها، وليس العكس فإنه لا يعبر إلا عن مفاسد موهومة لا قيمة لها، ولا يوجد ما يصدقها على أرض الواقع، ولو وجدت لكانت تافهة بجانب المصالح المحققة التي تعود على الفتاة وعلى أهلها، وعلى المجتمع من جهة قطع دابر الشرور ونشر الفحش فيه.

كما لا يستقيم ما يقال من أن احتمال رجوعها إلى الفحش بعد إجراء تلك الجراحة أمر وارد، فإن مثل هذا القول مرده إلى سوء الظن بالفتاة، مع أن فضل الله لا حرج عليه، ولا يجوز أن يكون سوء الظن حكمًا في الموضوع؛ لأنه محرم، والحرام لا يبنى عليه حكم، فلا يجوز الاحتجاج به.

4. إن القول بعدم جواز إجراء تلك الجراحة فيه حكم على الفتاة بأن تفضح نفسها، فإذا ما تقدم لها خاطب، أو من يريد الزواج بها يجب عليها- وفقًا لأصحاب هذا الرأي- أن تجلس أمامه على كرسي الاعتراف وتحكى له عن خصوصيات حياتها الماضية، وإلا كانت غاشة له ومخالفة لما شرعه الله، إن الله- تعالى- قد حرم على الإنسان أن يفضح نفسه، كما حرم على المجتمع أن يفضح من ارتكب الفحش فيه حتى لا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وأصحاب هذا الرأي يريدون من الفتاة أن تخالف ذلك الأصل الإسلامي الأبلج، وهو تشدد يدل على عدم التجرد في استخلاص الحكم الصحيح، والوقوف منذ أول لحظة ضد المصلحة الشرعية المعتبرة للفتاة لمجرد أنها قد أخطأت مع أن الله يغفر الذنوب جميعًا، ولكنهم لا يريدون أن يغفروا لها؛ بل ويريدون أن يلحقوا تلك التي زالت بكارتها قضاءً وقدرًا أو بأسباب لا تسئ إلى الأخلاق، بمن زالت بكارتها بالانحراف، وإلا كانت غاشة لمن يريد أن يتقدم للزواج منها، وأشهد الله أنهم لما يصادفوا شيئًا من الصواب فيما قالوه، وهو يعبر عن رأيهم الشخصي أكثر من بيانه لحكم الله في المسألة.

موقف القانون الوضعي من إجراء جراحة الرتق العذري:

لا يوجد في القانون الوضعي ما يجعل جراحة الرتق العذري عملاً مؤثمًا، وكما هو معلوم فإن افتقاد النص في مجال التحريم والعقاب يدل على إباحة الفعل، إعمالاً لمبدأ المشروعية، الذي يقضى بأنه لا جريمة إلا بنص، ولا عقوبة إلا بقانون، ومن المعلوم أن التجريم لا يجوز فيه القياس، كما لا يجوز استجلاؤه من نصوص غير تلك التي تقرره تحديدًا، ولهذا أخطأ من قام بتخريج أحكام تلك الجراحة على نصوص القانون المدني المنظمة للتدليس كعيب من عيوب الإرادة، ثم راح يبين أحكامه ويعزى ما بينه من تلك الأحكام إلى مصادرها.

ووجه الخطأ في هذا الأمر أن التدليس يرد في مجال التعاقد على الأشياء؛ ولذلك كان تقرير إبطال العقد بسبب عيب التدليس فيها أمرًا يمكن إدراكه وتصحيح الآثار التي نجمت عن التدليس.

أما في عقد النكاح، فإن محله يكمن في مواطن العفة من حياة الإنسان، وأخص ما في تلك الحياة من جوانب، ولهذا فإن عيوب الإرادة فيه لا تمنع من ترتيب آثاره عليه ومنها المهر والنفقة والنسب وغير ذلك من الآثار؛ ولأن الشارع قد رسم له طريقًا محددًا لإنهائه، إما بالطلاق من الزوج، أو بالتطليق عليه بناء على طلب الزوجة وادعائها وقوع الإضرار عليها من زوجها، وإما بالخلع.

لهذا؛ ونظرًا لأن للخلاص من عقد النكاح طريقًا محددًا بتقدير الشارع لم تعد ثمة حاجة إلى تقرير إنهائه بسبب عيوب الإرادة، طالما أن للزوج حق إنهائه إذا أراد.

وعلاقة الزوج بزوجته مبناها على المودة التي قد تجعل الزوج يرتبط بعلاقة عاطفية مع من ارتبط بها، ولا يؤثر فيها ما قد يبديه أمام الناس من امتعاض بسبب ما فوجئ به بعد العقد من أن بكارة زوجته ليست موجودة، ولو تمت مجاراته فيما يبديه أمام الناس ظاهرًا بحكم الأعراف الجارية والثقافات الزائفة، فإن ذلك ربما يصدمه في عاطفته المتعلقة بتلك الزوجة؛ ولهذا كان من الأرفق به أن يترك له تقدير أمر التخلص منها، ولا طريق إلى هذا إلا إذا كان الطلاق هو المعتمد في مجال فض تلك الرابطة.

وإذا كان التدليس مذمومًا في مجال التعاقد على الأشياء، فإنه لن يكون كذلك في مجال الزواج، وذلك بدليل ما هو معلوم من وجوب الستر على ذوات الماضي المعيب، وما أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشأن من سبق منهن الانحراف، حيث نهى عن إفشاء أسرارهن، وتوعد من يفعلون ذلك بالعقاب التعزيري الملائم؛ ولهذا كان إجراء أحكام التدليس على تلك الجراحة أمرًا لا أساس له من الصحة.

كما أنه ليس من الصواب أن تطبق على هذه العمليات أحكام الجراحات التجميلية؛ لأنها أكبر من تلك العمليات، وأشد تأثيرًا على حياة الفتاة منها، وإذا كانت عمليات التجميل تتعلق بأمر كمالي، فإن تلك العملية تتعلق بأمر ضروري يتصل بالتوازن النفسي والعقلي، ويرتبط بالطمأنينة التي يجب أن تستشعرها الفتاة عندما تفكر في مستقبلها، فإن الإنسان الذي لا يشعر بطمأنينة على مستقبله، أو يراه مظلمًا معتمًا يصيبه من الكدر النفسي أكثر مما يصيب المريض بأخطر الأمراض؛ بل قد يدفع الفتاة للانتحار، ولهذا يكون إجراء الجراحة في الحالات التي تستوجب إجراءها أمرًا ضروريًا وملحًا.

وأمر المشروعية في إجرائها أوضح من أن يستدل عليه، ويكفي في الدلالة عليها أنه لا يوجد ما يحظرها أو يقرر عقابًا على فعلها، وطالما أن هذا النص لا يوجد، فإن إجراءها يكون عملاً قانونيًا مشروعًا.

ولا يسوغ – كذلك- ما ذكره أحد الباحثين من أن عدم وجود النص الذي يسبغ وصف الجريمة على تلك الجراحة، يمكن تلافيه بالنصوص التي تجرم المساس بجسم الإنسان دون غاية تبرره وهى شفاء المريض من مرض أو علة جسمانية، وتعاقب عليه وليس من تلك الغاية جراحة إصلاح غشاء البكارة- ولهذا يتعين عقاب من يقوم بها وفقا للنصوص التي تجرم المساس بالسلامة البدنية، وهتك العرض، وخدش الحياء، والجرح العمدي وهتك العرض.

فقد بني هذا الرأي على تصور خاطئ لحكم تلك الجراحة من الناحية الشرعية، وتأسس على دراسة متسرعة اتسمت بالشطط والتسرع في الحكم على أمر دون بحث جوانبه المختلفة بحياد وموضوعية، وفي ظل انفعال جامح بالمشاعر الشعبية للعوام تجاه عملية إصلاح غشاء العذرية واستسلامه لها، وهو في نفس الوقت يجسد قسوة فائقة في التعامل مع الناس والتسرع في الحكم عليهم بالقتل الأدبي والفضيحة العلنية، بالمخالفة لمبادئ التشريع الإسلامي، وللقيم الاجتماعية التي تدعو إلى الرفق بأصحاب الأعذار والستر عليهم والأخذ بيدهم إلى طريق السلامة والاستقامة، وحفظ المجتمع من نشر الفحش وشيوع السوء فيه، وليس من الصواب أن يجنح بحث علمي يفترض فيه التجرد والاعتدال إلى مثل تلك النتيجة القاسية دون أسباب تبررها، أو مقومات تؤيدها، ولهذا لا يصح أن يعتمد عليه في بيان حكم المسألة لاسيما وأن صاحبه قد جعل من تجريم الجراحة عملاً إجراميًا يعادل إثم ما في تلك القائمة الطويلة من الجرائم التي ذكرها؛ بل اعتبر تجريمها- الذي لا يوجد نص عليه- تطبيقًا لنص المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وأن هذا الفعل الجامح – في نظره- يتنافي مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والأعراف والتقاليد العربية، وأبسط القواعد الأخلاقية؛ كما زعم في خاتمة بحثه الذي انطوى على تلك النقائص المجافية للعرف العلمي الصحيح، ولأصول البحث العلمي المستقيم.. ومن ثم كان ما انتهى إليه أهون من أن يرد عليه.

ولأن ما ورد من تلك الأقوال لم يقم على سند صحيح، أو دليل مقنع، وقد بني على أساس ما فهمه أن تلك الجراحة غير جائزة، وذلك بالمخالفة للنظر الفقهي السليم والدليل الشرعي القويم، فإنه يكون خاطئًا، ومردودًا، ويتعين الالتفات عنه، وعدم الاهتمام به، ويكون الصواب في الموضوع: أن إجراء تلك الجراحة لا شبهة فيه من الجانبين الشرعي والقانوني.

خلاصة تلك الدراسة:

ولهذا نخلص من تلك الدراسة إلى أن عملية إجراء الرتق العذري لا يوجد ما يدل على عدم مشروعيتها في الفقه الإسلامي المقارن سواء أكان فتق الغشاء بسبب غير أخلاقي أو بسبب أخلاقي تعذر الفتاة بسببه، حيث يجوز إجراء تلك الجراحة في جميع الحالات؛ كما أنه لا يوجد في نصوص القانون ما يدل على أنها ممنوعة، أو أن القيام بها يمثل عملاً مؤثمًا يعاقب عليه القانون، وعليه تكون تلك الجراحة مباحة شرعًا وقانونًا.

هذا وبالله التوفيق،،،

رابظ

LihatTutupKomentar