Mengapa Khalifah Umar bin Khattab Tidak Memberlakukan Hukum Potong Tangan

Mengapa Khalifah Umar bin Khattab Tidak Memberlakukan Hukum Potong Tangan
Mengapa Khalifah Umar bin Khattab Tidak Memberlakukan Hukum Potong Tangan



دعوى تعطيل عمر بن الخطاب إقامة حد السرقة عام المجاعة(*)
مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن عمر بن الخطاب قد خالف نصوص التشريع الإسلامي، ودليلهم على ذلك أنه أوقف إقامة حد السرقة عام المجاعة، ويتساءلون: كيف هذا وقد قال الله عزوجل: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم (38)( (المائدة)، وقد أقامه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلم أوقفه عمر بن الخطاب؟!

وجها إبطال الشبهة:
1) الحدود والعقوبات الحاسمة فرضت بدافع الحرص الشديد من الشارع الحكيم على إحاطة الكليات الخمس بالحماية والضمان على مستوى الفرد والجماعة، كذلك تضمن بعدلها مصلحة المتهمين، حيث تراعي توافر الضمانات الكافية للتحقق من وجود ركن الاعتداء كشرط لتنفيذ العقوبة.

2) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما أوقف إقامة حد السرقة في عام المجاعة لم يكن مبتدعا، إنما كان متبعا؛ قياسا على قوله عزوجل: )فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم (3)( (المائدة). والحدود في الإسلام تدرأ بالشبهات، ومن ثم وجدت شبهة قوية تدرأ الحد عن السارق؛ حيث إنه قد سرق لضرورة قوية، وليس حبا في السرقة.

التفصيل:
أولا. الحكمة من وراء فرض الحدود مراعاة المصالح:
فرضت الحدود والعقوبات الحاسمة بدافع الحرص الشديد من الشريعة الإسلامية على إحاطة الكليات الخمس بالحماية والضمان على مستوى الفرد والجماعة، والشريعة الإسلامية - كذلك - تضمن بعدلها مصلحة المتهمين، حيث تراعي توافر الضمانات الكافية للتحقق من وجود ركن الاعتداء كشرط لتنفيذ العقوبة.

ويفصل لنا القول في ذلك د. محمد بلتاجي قائلا: إنه مما لا شك فيه عند العارفين المنصفين أن التاريخ البشرى لم يشهد عقيدة أو نظاما احترمت فيه الإنسانية كما احترمت في الإسلام، ونصوص القرآن والسنة تنطق بهذا التكريم للإنسان باعتباره إنسانا فحسب، وبصرف النظر عما يملكه، وعن مظهره، فلم يكن المظهر المادي على وجه الإطلاق - وبكل ما يحتويه - مقياسا للكرامة الإنسانية؛ لأن الله لا ينظر إلى لون الإنسان، أو جنسه، أو وضعه الاجتماعي، ولكنه ينظر إلى ذلك الشيء المشترك بين الناس جميعا وهو القلب. ومن هنا قيل في الإسلام على لسان عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا"، ولم يكن بلال الذي جعله عمر سيد المسلمين إلا عبدا أسود اللون.

وهذه الكرامة البشرية للإنسان - في حد ذاته - هي الأساس التشريعي الذي بنيت عليه التشريعات الإسلامية وهدفت إليه، ولم تكن العقوبات إلا سبيلا لذلك فقد اعتبر التشريع الإسلامي خمسة أشياء، يجب أن تحاط بالحماية والضمان على كل المستويات - الفردية والجماعية - تحقيقا لهذه الكرامة البشرية، حتى لا تصبح مجرد شعار أجوف، تناقضه حقائق الحياة المرة القاسية. وهذه الأشياء الخمسة هي: الدين أو العقيدة، والنفس، والعقل، والنسل أو العرض، والمال، وهي ما تسمى بالكليات الخمس التي تحقق للإنسان - بالمحافظة عليها - كرامته البشرية.

وبدافع من الحرص الشديد على إحاطة هذه الكليات بالضمان، فرضت العقوبات الحاسمة على من يعتدي على أحدها، بأن يسلب حياة الإنسان، أو شرفه، أو ماله، وفي هذا المجال لم يفرق التشريع الإسلامي بين إيقاع الأذى بالنفس أو بالغير، ومن ثم أوجب العقاب على شارب الخمر، وإن كان اعتداؤه في الحقيقة منصبا على عقله هو أولا؛ لأنه - وإن كان هو المعتدي - إنسان يهتم التشريع الإسلامي بأن يحفظ عليه أسباب كرامته ولو بزجر حازم.

ومن المسلمات لدى كل منصف مطلع على الحقيقة أن التشريع الإسلامي منزل من الله خالق الإنسان العليم به، ولأن نزعات الاعتداء والتطلع إلى سلب ما يملكه الآخرون طبيعة متأصلة في الإنسان... ولأن الناس قد زين لهم حب الشهوات من النساء والأموال وغيرهما من متع الحياة، بحيث خالط هذا الحب أعمق خلجات وجداناتهم.

ولأن في الإنسان نزعات هوجاء تعجز الزواجر الأدبية والخلقية أحيانا - مهما عظم سلطانها في القلب - عن الوقوف أمامها.

لهذا كله فرض التشريع الإسلامي عقوبات حاسمة، كي تحقق معنى الكرامة الإنسانية لجميع الناس، لصاحب الشيء في ألا يغتصب حقه، وللآخر في ألا يطيع نزعاته الهوجاء بما تحمله من عواصف التدمير والاغتصاب والخراب، مما يفقد الإنسان المعنى الحقيقي للكرامة، ومعظم الناس - في لحظة من الحياة على الأقل - يكون أحد الرجلين.

ومن هنا كان في العقاب - بما يتضمنه بالنسبة للفرد المعتدي - حياة للمجموع وكرامة لهم؛ لأن في إسالة دمه الذي حل بالاعتداء، منعا لإسالة دماء، واغتصاب أعراض وأموال كثيرة، وكلما كان العقاب شديدا زاد تردد الفرد في الاعتداء وتوقفه عنه، ومن ثم زادت مقاومته وحصانته ضد أهوائه العاصفة، فتحقق بذلك قسط أكبر من الكرامة البشرية له، وللمجموع البشري على وجه العموم، ومن أجل هذا شرعت العقوبات الحاسمة في الإسلام.

وإلى جانب مراعاة مصلحة الجماعة في تحقيق كرامتها، فإن التشريع - بما يتضمنه من عدل مطلق يشمل حتى المعتدين، وما يتضمنه من تقدير لجسامة العقاب - راعى توفير الضمانات الكافية للتحقق من وجود ركن الاعتداء كشرط لتنفيذ العقوبة؛ ففي جريمة السرقة مثلا، هناك شروط كثيرة ينبغي توافرها لكي تقطع يد السارق، وفقدان شرط واحد منها يحول دون ذلك. وهذه الشروط - المذكورة في كتب الفقه - تستند إلى نصوص من السنة، وكمثال على ذلك نكتفي بتلخيص بعض ما ذكره الجصاص؛ حيث اشترط لقطع يد السارق:

· أن يسرق شيئا ذا قيمة مادية، ربع دينار، أو عشرة دراهم أو خمسة على حسب تقديرات العلماء، ولكل أحاديث يتأولها ويستشهد بها.

· أن يكون المسروق موضوعا في حرز، أي مكان لا يتعرض فيه للسرقة بسهولة؛ بحيث إذا ائتمن صاحب المال غيره على دخول بيته ولم يحرز منه ماله لم يجب عليه القطع.

· وليس المسجد أو الحمام حرزا، وكذلك الخان والحوانيت المأذون في دخولها، فمن سرق منها لا يقطع؛ لأنه خائن، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس على الخائن قطع"[1]. والنباش لا يقطع؛ لأن القبر ليس بحرز، وكذلك لو سرق مالا مدفونا في مكان ما لم يقطع، وكثيرا مما يسمى آخذه سارقا لا قطع فيه.

· قال أبو حنيفة ومحمد: لا قطع في كل ما يسرع إليه الفساد مثل الرطب والعنب والفواكه بصفة عامة، واللحم والطعام الذي لا يبقى، والثمر المعلق، والحنطة في سنبلها، والطين، والزرنيخ، والجص، ولا قطع في شيء من الطير، ولا في الخمر، ولا في شيء من آلات الملاهي، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا قطع في ثمر ولا كثر»[2] [3].

· ألا يسرق من بيت المال؛ لأنه يسمى مختلسا لا سارقا، لأنه لما كان حقه وحق سائر الناس فيه سواء، صار كسارق مال بيته؛ لأن له شبهة في ملكه حيث يملكه جماعيا مع باقي المسلمين، ولا قطع فيما فيه شبهة ملك، وقد سرق رجل من بيت المال في خلافة عمر رضي الله عنه، فكتب فيه سعد بن أبي وقاص، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: ليس فيه قطع، له فيه نصيب، قال الجصاص: ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.

· ألا يسرق من ذي رحم؛ لأن له شبهة ملك في المال، ومن ثم لا يقطع.

· إذا ضبط السارق قبل إخراج السرقة لا تقطع يده.

· لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، لا مرة واحدة.

ويروى«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بسارق قد اعترف، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما إخاله سرق". فقال السارق: بلى يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به فاقطعوه ثم احمسوه ثم ائتوني به". فقطع فأتى به، فقال صلى الله عليه وسلم: "تب إلى الله عزوجل". فقال: تبت إلى الله. فقال صلى الله عليه وسلم: تاب الله عليك»[4].

ولا نكاد نجد كتابا من كتب التفسير أو الفقه يتحدث عن عقوبة السارق إلا وجدنا فيه تفصيلا للشروط التي يجب توافرها قبل قطع يده. حتى لقد قسمت هذه الشروط إلى مجموعات بحيث لا يجب قطع يده "إلا بجمع أوصاف تعتبر في السارق، وفي الشيء المسروق، وفي الموضع المسروق منه، وفي صفته، فأما ما يعتبر في السارق فثمة أوصاف، هي البلوغ والعقل، وأن يكون غير مالك للسروق منه، وألا يكون له عليه ولاية...".

وسوف يطول بنا الحديث، ويتشعب إذا عرضنا بالتفصيل لشروط هذه المجموعات، وإلى النصوص التي تستند إليها. والذي يعنينا من كل هذا أن نصل إلى أن التشريع الإسلامي كان يهدف إلى تحقيق معنى الكرامة الإنسانية حين أوجب عقوبات حاسمة، وحين شرط لتطبيق هذه العقوبات شروطا دقيقة وكثيرة ينبغي التحقق من وجودها - على سبيل اليقين - قبل إيقاع العقاب.

فلا تقطع يد السارق في الإسلام إلا إذا تحققت له ظروف المعيشة الشريفة، التي يمكن أن يستغنى فيها عن الكسب الحرام، بما قدمه له مجتمعه من العمل المناسب لمن يستطيعه، أو فرض الراتب الكافي لمن لا يستطيعه، ثم هو بعد هذا قد سرق مالا متقوما - يملك ويباع ويشترى - وليس له فيه ملك أو شبهة ملك، وليس مما دلت الآثار على أنه لا يقطع سارقه، وقد أحرزه صاحبه، فوضعه فيما يناسبه من أماكن الحفظ ووسائله، ثم يتأكد بنا بالأدلة القطعية أنه سرق، بحيث إذا اعترف يراجع في اعترافه ثم كان بعد ذلك كله بالغا عاقلا مختارا، وليست له صلة قرابة أو ولاية بالمسروق منه، فإذا فقد شرط واحد من هذه الشروط، امتنع قطع يد آخذه. لعدم انطباق وصف السارق عليه[5].

ثانيا. إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما أوقف إقامة حد السرقة في عام المجاعة لم يكن مبتدعا، وإنما كان متبعا:

الإسلام دين شامل متكامل بعقائده وتشريعاته وأحكامه، ويجب على المسلمين الأخذ به، والتحاكم إليه، وعدم التفريق بين أحكامه بحيث يعمل ببعض ويترك بعضا، وقد ذم الله - عزوجل - هذا المسلك كما قال تعالى: )أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض( (البقرة: ٨٥). هذا والحدود جزء لا يتجزأ من تشريعات الإسلام، وقد شرعت لحكم ومقاصد عظيمة، حيث يتحقق بإقامتها المحافظة على الضروريات التي جاءت الشريعة بحفظها، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال[6].

أما ما جاء عن عمر - رضي الله عنه - في عام المجاعة فليس من باب تعطيل حد السرقة، بل هو من باب: "إن الضروريات تبيح المحظورات"، وانطلاقا من هذه القاعدة العامة جاء قول عمر رضي الله عنه: «لا يقطع في عذق ولا عام السنة»[7]؛ أي: عام جدب ومجاعة؛ لهذا لما سرق غلمان لحاطب بن أبي بلتعة ناقة لرجل من مزينة، فأتي بهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يقطع أيديهم وقال لسيدهم: «أما والله لولا أني أظن أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو أن أحدهم يجد ما حرم الله عليه لآكله لقطعت أيديهم، ولكن والله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك، ثم قال للمزني: كم ثمنها؟ قال: كنت أمنعها من أربعمائة، قال: أعطه ثمانمائة»[8].

وكما طبق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قاعدة عامة من قواعد التشريع الإسلامي، نجده كذلك مطبقا للمبادئ العامة في القرآن الكريم؛ حيث نجد بنص القرآن الكريم أن للمضطر في الإسلام، أن يحفظ حياته بتناول ما يحرم عليه حتى الميتة والدم ولحم الخنزير يقول عزوجل: )إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)( (البقرة).

ومن ثم فمن حق الإنسان - بهذا الوصف - المضطر على مجتمعه الخاص والعام أن يكفل له طعامه ورزقه الشريف، فأين ركن الاعتداء المتعمد فيمن يسرق مضطرا ليحفظ حياته إن كان هناك اعتداء فهو ذلك الذي وقع عليه وليس منه، والمجاعة في عهد عمر قد عمت المجتمع كله، وقد بذل عمر في دفعها عن الناس كل ما يستطيع، فلم يكن هناك اعتداء من المجتمع على السارق المضطر حينئذ، كما لم يتوفر في حقه ركن الاعتداء ليقام عليه الحد، وكذلك غلمان حاطب فقد وقع عليهم نوع من التعدي بتجويعهم حتى اضطروا للسرقة، ومن هنا نستطيع أن نفهم سبب الغرامة التعزيرية التي أوقعها عمر - رضي الله عنه - عليه بالكلمة القاسية ومضاعفة ثمن المسروق عليه، وهل يعزره عمر - رضي الله عنه - إلا لتعديه على غلمانه حتى اضطروا إلى السرقة[9]؟

ومن ثم فإن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد أسقط الحد هنا متفقا مع المبدأ العام في الإسلام والذي يقول: "إن الضرورات تبيح المحظورات".

ومن هنا نستطيع القول إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يوقف حد السرقة، لأنه طبق نصا صريحا في السنة النبوية وكذلك طبق مبدأ عاما في القرآن الكريم.

ثالثا. القاعدة العامة في الإسلام هي أن "الحدود تدرأ بالشبهات":

بما أن الحدود في الإسلام تدرأ بالشبهات، فقد وجدت شبهة قوية تدرأ الحد عن السارق، حيث إنه قد يكون سرق لضرورة قوية، وليس حبا في السرقة، فعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بإسقاطه حد السرقة في عام المجاعة، لم يسقط حدا واجبا من حدود الله، كما يزعم بعضهم؛ فالواقع أن هذا الحد لم يجب أصلا؛ لأن القاعدة العامة في الإسلام هي أن الحدود تدرأ بالشبهات.

يقول الشيخ محمد المدني: "وقد فهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن آخذ المال في عام المجاعة لا يوصف بأنه سارق؛ لأنه يرى لنفسه حقا فيما أخذ، والسرقة هي أخذ الإنسان ما لا حق له في خفية"[10].

بيان ذلك: أن من أصول الإسلام القطعية، التكافل بين الناس، بمعنى أنه يجب على المجتمع وجوبا كفائيا أن يغيث أفراده الذين نزلت بهم الفاقة، حتى أوردتهم موارد الضرورة، فإذا لم يقم المجتمع بهذا الواجب الكفائي للمضطرين كان آثما، وكان للمضطر أن يأخذ ما يقيت به نفسه ويدفع ضرورته.

وعام المجاعة من غير شك، هو ظرف زماني يغلب فيه وجود أفراد مضطرين على هذا النحو، فهو مظنة لوجوب الحق لهم على المجتمع، ولا ينظر في هذا لتحقق الضرورة فعلا بالنسبة لشخص السارق، أو عدم تحققها حتى يقطع أو لا يقطع، فإن هذا موطن من مواطن الحدود، والحدود تدرأ بالشبهات، فيكفي أن يقول الحاكم: لعل هذا إنما سرق لضرورة ألجأته إلى السرقة، فتكون هذه شبهة قوية تدرأ عنه الحد.

إذن فعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتعلق فقهه بلفظ وارد في النص، هو قوله عزوجل: )والسارق والسارقة( (المائدة: 38)، فيفسره بأنه آخذ ما لا حق له فيه خفية، ثم إن مفهومه على السارق في عام المجاعة، فيراه آخذا ما له حق فيه، ومن ثم لا يشمله النص، فلا يجب قطعه، ثم يعمق فقهه في هذا، فيقرر أن مظنة الضرورة، وهي عموم الأمر ظنا في عام المجاعة، تنزل منزلة الضرورة الفعلية، ومن ثم لا يجب الفحص في عام المجاعة عن حالة سارق بعينه، ليعلم أكان في فاقة وضرورة أم لم يكن؟

ومما يدل على نظرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في تفسير السرقة، بأنها أخذ الإنسان ما لا حق له فيه، ما رواه القاسم بن عبد الرحمن من أن رجلا سرق من بيت المال، فكتب فيه سعد بن أبي وقاص لعمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: "أن لا قطع عليه؛ لأن له فيه نصيبا".

ولذلك أيضا نظير فيما يروى من فقه علي رضي الله عنه، فقد حدث سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن عبيد بن الأبرص: «أتي علي برجل سرق من الخمس، فقال: له فيه نصيب هو جائز، فلم يقطعه سرق مغفرا»[11] [12].

ومما يتلاقى مع فكرة عمر في أن الآخذ لا يعد سارقا إلا إذا أخذ ما ليس له فيه حق، ما قرره جمهور العلماء من أن الأبوين إذا أخذا شيئا من مال ابنهما أو بنتهما، ولو على سبيل الخفية فلا قطع عليهما، لأن للوالد حقا في مال ولده، وقد فرض الله على الولد أن يعف أباه إذا احتاج إلى الناس، فله من ماله حق بذلك. فلا شيء عليه إن أخذ حقه.

وكذلك الحال بالنسبة إلى السارق في سنة المجاعة، حيث يغلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج.

ومن هذا يتبين لنا أن الأمر في نظر عمر لم يخرج عن النص، وليس فيه إبطال، ولا نسخ ولا تعديل، وإنما هو تطبيق دقيق للنص الشرعي مع ملاحظة رغبة الشارع الصريحة في درء الحدود بالشبهات[13].

الخلاصة:
· إن الكرامة البشرية للإنسان هي الأساس التشريعي الذي بنيت عليه الشريعة الإسلامية وهدفت إليه، ولم تكن العقوبات إلا سبيلا لذلك؛ فكما ضمنت حماية ملكية الأفراد بوضع حد السرقة، فقد وضعت الشروط التي تحمي السارق نفسه، فلا يقام عليه الحد إلا إذا توافرت كل تلك الشروط.

· إن من الخطأ الجسيم أن يتوهم أحد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد عطل نصوص الكتاب والسنة في حد السرقة عام المجاعة؛ لأنه كان في الحقيقة مطبقا لروح نصوص الشريعة ومقاصدها، ولمبدأ عام في القرآن الكريم هو أن الضرورات تبيح المحظورات في قوله عزوجل: )فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)( (البقرة).

· لقد فهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن من أخذ المال في عام المجاعة لا يوصف أنه سارق؛ لأنه أخذ ما يرى لنفسه فيه حقا، والسرقة هي أخذ الإنسان ما لا حق له فيه خفية، وهذه شبهة قوية يدرأ بها الحد.







(*) منهج عمر بن الخطاب في التشريع، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط2، 1424هـ/ 2003م. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1426 هـ/ 2005م.

[1]. صحيح: أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه (3109)، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب اللقطة، باب الخيانة (18860)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (4392).

[2]. صحيح: أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الحدود، باب من سرق ثمرا أو غير ذلك مما لم يحرز (683)، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب اللقطة، باب سرقة الثمر والكثر (18916)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2583).

[3]. الكثر: جمار النخلة أو طلعها، أو إحدى فسائل النخل الصغيرة.

[4]. صحيح: أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الحدود والديات وغيره (3/ 72)، والبيهقي في سننه الكبرى، كتاب السرقة، باب السارق يسرق أولا فتقطع يده اليمنى من مفصل الكف ثم تحسم في النار (17715)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (2431).

[5]. منهج عمر بن الخطاب في التشريع، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص209 وما بعدها.

[6]. فتاوى واستشارات، إعداد: علماء وطلبة علم، موقع الإسلام اليوم. www. islamtoday. net

[7]. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب اللقطة، باب القطع في عام سنة (18990).

[8]. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب اللقطة، باب سرقة العبد (18977).

[9]. منهج عمر بن الخطاب في التشريع، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص114: 116 بتصرف.

[10]. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1426 هـ/ 2005م، ص203.

[11]. المغفر: ما يوضح تحت الخوذة التي تقي رأس المقاتل، ولها جوانب من سلاسل الحديد المنسوج المتشابك.

[12]. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب اللقطة، باب الرجل يسرق شيئا له فيه نصيب (18871).

[13]. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1426 هـ/ 2005م، ص207.

المصدر
LihatTutupKomentar