Syafaat dan Cara Mendapatkannya

Syafaat Rasulullah pada hari kiamat dan Cara Mendapatkannya
Syafaat Rasulullah pada hari kiamat dan Cara Mendapatkannya


مختصر ( كيف تنال شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم)
مختصر ( كيف تنال شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم)

أولا: المقدمة:

فلا شك أن من أعظم الناس قدرا، و جاها، و مكانة؛ هو نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، و قد حباه الله بفضائل و خصائص في الدنيا و الآخرة؛ لم تكن، و لن تكون لأحد أبدا. و لما كانت الآخرة خير من الأولى كانت فضائله في الآخرة أعظم و أكمل. و مما أعطى الله نبينا في الآخرة أنواع الشفاعات الثابتة له، و التي بلغت سبع شفاعات. و هذه الشفاعات لما كانت متنوعة، متعددة، متعدية الفضل و الخير، كانت دالة على شرف هذا النبي صلى الله عليه و سلم، و عظيم منزلته عند الله.


بل بعض هذه الشفاعات؛ إنما المقصود منها هو إظهار شرفه، و رفعته، و ما له عنده من المكانة عند الله كالشفاعة العظمى.
ثانيا: أنواع شفاعاته صلى الله عليه و سلم:
يمكن تقسيم شفاعاته صلى الله عليه و سلم إلى قسمين :


أ- قسم خاص: لا يشترك معه أحد فيه:

وهو على ثلاثة أنواع:

1- شفاعته صلى الله عليه و سلم الشفاعة العظمى:
و ذلك حين يشفع للناس جميعا عند الله لكي يفصل بين العباد؛ و ذلك حين يتخلى عنها أولو العزم من الرسل :
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً ثُمَّ قَال َ أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ ؛الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاس َ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوح ٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيث ِ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم َ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ عِيسَى إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ.
فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ. فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي.
ثُمَّ يُقَال ُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ .
فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِم ْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ و َبُصْرَى. رواه البخاري .
2- شفاعته صلى الله عليه و سلم في عمه أبي طالب:
* عن الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه
أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ ,قَالَ: نَعَمْ ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. رواه مسلم
** و عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ.فَقَالَ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ. رواه مسلم
فهذه الشفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه و سلم ؛ لان أبا طالب مات على الشرك، و لذا فهي شفاعة تخفيف لا شفاعة خروج من النار.
3- شفاعته صلى الله عليه و سلم في دخول الجنة:
* عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ . فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ؟ ,فَأَقُولُ:مُحَمَّدٌ . فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ ، لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَك َ. رواه مسلم
ب- القسم الثاني: شفاعته العامة؛ وهي التي يشترك معه فيها غيره
· و هي على أنواع:
1- ب - شفاعته صلى الله عليه و سلم في بعض أهل الكبائر الذين يدخلون النار فيخرجهم منها:
وهذا النوع قد تواترت الأحاديث فيه،
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه,
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أخرجاه في الصحيحين.
و هذه الشفاعة من أعظم ما يخرج الله بها أقواما من أهل الكبائر من النار بعد رحمة أرحم الراحمين،


و يدل على هذا :
حديث أبي موسى الأشعري ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة؛ لأنها أعم وأكفى أترونها للمتقين؟ لا؛ ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين .
قال الألباني : (صحيح - دون قوله : " لأنها ... " )- الضعيفة ( 3585 )
بل وتتكرر منه صلى الله عليه و سلم هذه الشفاعة يوم القيامة أربع مرات:
ففي الصحيحين :
عن مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ : اجْتَمَعْنَا ونَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ إِلَيْهِ، يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ: لَا تَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ،
فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَؤُلَاءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، جَاؤُوكَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ،
فَقَالَ: « حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ ،فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ ,فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، لَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ , فَيَأْتُونَ عِيسَى ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَأْتُونِي ، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي ، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا ، لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا , فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ؛ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ ,فَأَقُولُ : يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.
فَيُقَالُ:
1- انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ ، ارْفَعْ رَأْسَكَ , وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، وَسَلْ تُعْط ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.

فَيُقَالُ:
2- انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا.
فَيُقَالُ:
يَا مُحَمَّدُ؛ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ، أُمَّتِي أُمَّتِي،
فَيَقُولُ :
3- انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ.قَالَ : فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ ، قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ، وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَتَيْنَاهُ ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ ، جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: هِيهْ ؟ فَحَدَّثَاهُ بِالْحَدِيثِ، فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَقَالَ : هِيهْ ؟ فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا ، فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَلَا أَدْرِي، أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا؟ فَقُلْنَا : يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَحَدِّثْنَا، فَضَحِكَ وَقَالَ: خُلِقَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ! مَا ذَكَرْتُهُ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ ، حَدِيثِي كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ، قَالَ : ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ:
4- يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ، و َسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَيَقُولُ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي، لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ».[1]
2-ب- شفاعته صلى الله عليه و سلم في بعض أهل الكبائر ممن استحق دخول النار أن لا يدخلها:
وقد ذكر الشيخ ناصر الجديع في كتابه (الشفاعة عند أهل السنة) أن هذا النوع لم يرد دليل صريح فيه، و ذكر أن ابن كثير قد أثبتها؛ و استدل ابن كثير لها بحديثين ضعيفين. ، و كذلك الإمام النووي و ابن حجر، و توقف ابن القيم فيها.
و الذي يظهر أن عموم أحاديث الشفاعة تدل عليه، بل إذا كان يشفع في إخراج أهل الكبائر من النار، فلأن يشفع في عدم دخولها لبعضهم من باب أولى .و الله أعلم.
3- ب- شفاعته صلى الله عليه و سلم في دخول بعض المؤمنين الجنة بغير حساب:
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الشفاعة العظمى السابق : (فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ. أُمَّتِي يَا رَبِّ. أُمَّتِي يَا رَبِّ.
فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ).
4-ب- شفاعته صلى الله عليه و سلم في رفع درجات بعض المؤمنين بالجنة :
* عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ قَالَ أَبُو مُوسَى وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَال: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ: لَهُ أَلَا تَسْتَحْيِي أَلَا تَثْبُتُ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ: لِأَبِي عَامِرٍ قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ: قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي.
فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ.
فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ . فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا , قَالَ أَبُو بُرْدَةَ إِحْدَاهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ وَالْأُخْرَى لِأَبِي مُوسَى . رواه البخاري
**** هـــــــــــذه مجــمـــــل شفــــاعاته صـــــــلى الله عـــليه و ســــــــــــــــــــلم **** .



و هناك نوع مختلف فيها بين أهل العلم ؛ وهو شفاعته فيمن تساوت حسناتهم و سيئاتهم، ( وهم أصحاب الأعراف على الراجح )؛ و الصحيح أنه لم يثبت فيها دليل صحيح . بل ظاهر القران يدل على أن الله يدخلهم الجنة برحمته و الله أعلم.

ثالثا: الأسباب التي ننال بها شفاعته صلى الله عليه و سلم:
فإن من أعظم الأسباب التي ينجو بها المؤمن يوم القيامة – بعد رحمة أرحم الراحمين ؛ هو شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم.
يا أخـــي:
ما ظنك إذا شفع فيك؛ أول شافع ( من يُأذن له بالشفاعة ) و أول مشفع (و َالْمُشَفَّع؛ بِفَتحِ الفاء الَّذِي تُقْبَل شَفَاعَته)
* عن أَبُي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ). رواه مسلم .
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ صاحب الشفاعة العظمى. حين تفزع إليه الناس جميعا يوم القيامة، بعد ذهابهم للأنبياء، فيقول كل نبي: نفسي نفسي، إلا هو فيقول: أنا لها، أنا لها.
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ الذي يقول الله له: يا محمد أرفع رأسك، قل يسمع لك ، سل تعطه، و اشفع تشفع .
- ما ظنك يا أخي إذا شفع لك ؛ من قال الله له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك " . رواه مسلم
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ الوحيد الذي لا تفتح أبواب الجنة إلا له.
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ الذي يقدمك على نفسه؛ فكل الناس حتى الأنبياء يقولون : نفسي، نفسي . وهو يقول: يا رب أمتي.
- ما ظنك إذا شفع فيك ؛ الذي خير بين الشفاعة و بين أن يدخل شطر الجنة من أمته، فاختار الشفاعة .
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ من كانت له دعوة مستجابة ، فتركها و جعلها شفاعته لأمته يوم القيامة.
- ما ظنك إذا شفع فيك ؛ أعظم الناس قدرا، و جاها ، و مكانة عند الله.
***** فيـــا فــــوز و سعـــادة مـن ينــــــــال شفــــــــاعته ******
أخـــي :
قبل ذكر الأسباب التي بها ننال شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم ، فلابد من ذكر بعض التنبيــــــهات:-
1- هناك من يحرم شفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كما سيذكر في موضعه ) .
2- لاشك أن المؤمن الذي آمن و صدق و عمل صالحا له نصيب من شفاعته ؛
و دليل ذلك ما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة قال:
*قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ) رواه مسلم.
و لكن المؤمنين ليسوا على درجة واحدة، بل متفاوتون في نصيبهم من شفاعته.
فشتان بين من يشفع النبي صلى الله عليه و سلم له فيخرجه من النار بعد أن أحرقته، و من يشفع له فلا يدخلها أصلا، بل أين هذين ممن يدخل الجنة بلا حساب و لا عذاب بشفاعته ، بل و أين هؤلاء جميعا ممن يرفع درجتهم في الجنة . و الجنة مئة و عشرون درجة ما بين الدرجة و الدرجة كما بين السماء و الأرض .
نعــــم شتان بين من قال فيه : ( أسعد ) و من قال: ( حلت له شفاعتي ).
** قال الحافظ ابن حجر: (الفتح 2/416 ) ( .....أَنَّ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَات أُخْرَى: كَإِدْخَالِ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ، وَكَرَفْعِ الدَّرَجَات فَيُعْطَى كُلُّ أَحَدٍ مَا يُنَاسِبُهُ ).ا.هـ
3- هذا التفاوت هو بسبب ما يحصّله العبد من أسباب نيل شفاعته صلى الله عليه و سلم؛ خاصة السبب الأول.
فكلما زاد العبد تحقيقا لهذه الأسباب زاد نصيبه من شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم.
و إليكم هذه الأسباب:
* السبب الأول: الايمان بالله:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ) رواه البخاري
قال الحافظ: ( فِي قَوْله " أَسْعَد " إِشَارَةً إِلَى اِخْتِلَاف مَرَاتِبهمْ فِي السَّبَق إِلَى الدُّخُول بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبهمْ فِي الْإِخْلَاص، وَ لِذَلِكَ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ " مِنْ قَلْبه " مَعَ أَنَّ الْإِخْلَاص مَحَلُّهُ الْقَلْب، لَكِنَّ إِسْنَادَ الْفِعْلِ إِلَى الْجَارِحَة أَبْلَغُ فِي التَّأْكِيد
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَحْمَد وَ صَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْو هَذَا الْحَدِيث وَ فِيهِ " لَقَدْ ظَنَنْت أَنَّك أَوَّلُ مَنْ يَسْأَلُنِي عَنْ ذَلِكَ مِنْ أُمَّتِي، وَ شَفَاعَتِي: لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا؛ يُصَدِّقُ قَلْبُهُ لِسَانَهُ وَ لِسَانُهُ قَلْبَهُ ")ا.هـ
فعلى قدر إيمانك يكون نصيبك من شفاعته؛ فكلما زاد إيمانك؛ زاد نصيبك من شفاعته.
أخـــي:
إن أهل السنة مجمعون على أن الإيمان يزيد و ينقص. - فمتى تفقدت إيمانك ؟ هل زاد أم نقص !
و إن من فقه الرجل أن يتعاهد إيمانه؛ و ذلك بالنظر في طاعاته: هل يزداد فيها عددا و هيئة. هل تعمل بطاعات لم تكن تعمل بها من قبل؟
- هل زاد حســــــن عبــــادتك ؟
- هل تخليت عن ذنوب و معاصي كنت تعملها ؟
إننا اليوم نعيش مادية مقيت سيطرة على حياتنا إلا من رحم الله ، فترى الواحد منا يحرص على زيادة راتبه، و مسكنه، و ولده. أما إيمانه فلا يبالي به ؛ و الدليل:
أسئل نفسك : متى أخرى مرة تفقـــدت إيمــــــــــانك ؟ و الله لو ضاع منا ألف ريال لحزنا أياما و أسابيع، و ينقص إيماننا و لا نحزن عليه . أخـــي:
إن مما يضعف الإيمان، بل و ربما أذهبه تماما: ( الذنوب: و يدخل تحتها الكفر و الشرك و البدع و المعاصي)
فأما الكفر و الشرك : فانظر إلى بلاد المسلمين ستجد مظاهر من الشرك الأكبر: استغاثة بالأموات، دعاء لأصحاب القبور، طواف بها..الخ
و أما البدع : فبلاد المسلمين تعج بالمحدثات.
و أما المعاصي: فأصبحت سهلة لكل أحد.
انظر ماذا فتح من أبواب الشرور؛ قنوات تدعو للتشكك في العقيدة، دعوة إلى الرذيلة، شبكات سهلت الوقوع في ما حرم الله.
فتعاهد إيمانك يا من يريد زيادة نصيبه من شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم. بل كلما زاد إيمانك ؛ فكنت بعيد عن الذنوب كان لك نصيب في أعلى شفاعاته صلى الله عليه و سلم؛ وهو رفعة درجتك بالجنة.
**السبب الثاني: الترديد مع المـؤذن و سـؤال الوسيلة بعد الصلاة و السلام عليه:
* عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَة ِ) .رواه البخاري
إن الله قادر على أن يعطي الوسيلة للنبي صلى الله عليه و سلم بدون هذا السبب، فلماذا جعل الله حصول الوسيلة له مرتبطا بهذا الدعاء؟
فالجواب من وجهين :
1- ليُعلم الصادق في المحبة للنبي صلى الله عليه و سلم من المدعي لها؛ فإن المحب يحب لحبيبه أعلى المراتب، فالصادق في محبته للنبي صلى الله عليه و سلم لا يمكنه أن يترك هذا الذكر ولو لم يعط عليه شيء. فكيف وقد وعده بحصول الشفاعة !
2- المحب يجازي محبه ، فلما سأل له درجة الوسيلة جازاه بحصول الشفاعة له.
فإذا أردت شفاعته صلى الله عليه و سلم؛ فلابد من ثلاثة أمور:
1- القول مثل ما يقول المؤذن - حتى عند قوله الصلاة خير من النوم فتقول الصلاة خير من النوم، - إلا في قول المؤذن ( حي على الصلاة و حي على الفلاح ) فتقول: لا حول و لا قوة إلا بالله).
2- الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ؛ و المقصود بالصلاة : الصلاة الإبراهيمية ؛
* عن كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ:
سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. رواه البخاري
3- سؤال الوسيلة وهو أن تقول: (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
و لابد من التنبيه على أمور:
1- الحذر من الزيادات: ومن ذلك :
أ- لفظة (سيدنا ) سواء في الشهادة أو الصلاة أو الدعاء له بالوسيلة. و الله لا نشك لحظة واحدة أنه سيدنا، بل سيد الأولين و الآخرين، و لكن ما هكذا علمنا صلى الله عليه و سلم . وهذه أدعيته و أذكاره التي علمها لأمته ليس فيها شيء من لفظ السيادة.
ب- لفظة ( الدرجة الرفيعة) أو ( يا أرحم الراحمين )فهذه الزيادات لا أصل لها.
ج-( إنك لا تخلف الميعاد)وردت عند البيهقي في السنن ؛ فقال: قوم بصحتها، و قال آخرون : بشذوذها، وهو الأقرب.
د – ( اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة ) وهي عند البيهقي وهي كذلك شاذة.
نبه على هذه الزيادات السابقة الذكر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
أخــي:
* إنه كلما زدت من هذا الذكر ؛ كلما زاد نصيبك من شفاعته. لقد كان الصالحون يتوقفون عن قراءة القران، و حلقات العلم إذا سمعوا المؤذن ؛ حتى يقولوا هذا الذكر. و قد حدثت عن دولة في افريقية؛ إذا سمع الناس الذين بالسيارات المؤذن يؤذن؛ أوقفوا سيارتهم بجوار المسجد ليرددوا خلفه حتى يفرغ ، لا يتجاوزون المسجد حتى ينتهي.
ما بالنا اليوم لو قال أحدهم في مجلس: إن هناك شركة ستطرح أسهمها، و الربح فيها مؤكد؛ و الله لرأينا القلوب مصغية، و الأذان منصتة.
أما الداعي للفلاح. الداعي لزيادة أسهمك في شفاعته صلى الله عليه و سلم فقليل من يردد معه. كيف بك إذا جئت يوم القيامة و رأيت النبي صلى الله عليه و سلم قد أذن له بالشفاعة؛ فشفع لفلان لأنه ( 50 ) سنة لم يفته هذا الذكر، و شفع لفلان لأنه ( 40 ) سنة كذلك، فتنظر لنفسك و إذا ليس لديك إلا ( 5 ) أو ( 6 ) سنوات. أي حسرة ستكون في قلبك عندما ترى ذلك المنظر. و الله لن يعوضك لو بكيت بدل الدمع دما. إنك سوف تقول: يا ليتني أُرد إلى الدنيا ؛ و الله لن أترك هذا الذكر أبدا
فها أنت في الدنيا ؛ فعاهد نفسك - يا طالب شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم - أن لا تترك هذا الذكر أبدا. السبب الثالث: سكنى مدينة النبي صلى الله عليه و سلم و الصبر على ما فيها من الشدة حتى الموت، * عن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء من المدينة وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة و لأوائها، فقال له: ويحك لا أمرك بذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
)لا يصبر أحدا على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة إذا كان مسلما).و في رواية لمسلم (جهدها)
** قال ابن عبد البر في التمهيد : ( قوله: على لأوائها و شدتها؛ يعني المدينة و الشدة ؛ الجوع ، و اللأواء ؛ تعذر المكسب و سوء الحال)
*** و قال النووي: (قال أهل اللغة اللاواء ( بالمد ) : الشدة والجوع ، و أما ( الجهد: فهو المشقة و هو بفتح الجيم و في لغة قليلة بضمها، وأما الجهد بمعنى الطاقة فبضمها على المشهور و حكي فتحها ).
و قد وقع خلاف بين العلماء في سكنى المدينة :
- قال الإمام النووي : ( قال العلماء وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب مع ما سبق وما بعدها دلالات ظاهرة على فضل سكنى المدينة ، والصبر على شدائدها وضيق العيش فيها، وأن هذا الفضل باق مستمر إلى يوم القيامة . - ، وقد اختلف العلماء في المجاورة بمكة و المدينة فقال أبو حنيفة و طائفة : تكره المجاورة بمكة، ، و قال احمد بن حنبل و طائفة : لا تكره المجاورة بمكة بل تستحب. ، و إنما كرهها من كرهها لأمور: منها خوف الملل و قلة الحرمة للأنس و خوف ملابسة الذنوب ، فإن الذنب فيها أقبح منه في غيرها كما أن الحسنة فيها أعظم منها في غيرها. ، واحتج من استحبها بما يحصل فيها من الطاعات التي لا تحصل بغيرها وتضعيف الصلوات والحسنات وغير ذلك . ، والمختار أن المجاورة بهما جميعا مستحبة إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحذورات المذكورة و غيرها وقد جاورتهما خلائق لا يحصون من سلف الأمة و خلفها ممن يقتدى به و ينبغي للمجاور الاحتراز من المحذورات وأسبابها. والله أعلم) ا.هـ وهو كلام نفيس في غاية التحرير.
- و يمكن أن يقال كذلك إذا ترتب على سكنى المدينة تفويت واجب كبر الوالدين ، أو كانت هناك مصلحة أعظم من السكنى: كالجهاد في سبيل الله و تعليم العلم..الخ. و قد خرج كثير من الصحابة منها و ماتوا بغيرها لهذا الأمر.

****السبب الرابع: كثرة الصلاة: * عن خادم للنبي صلى الله عليه وسلم رجل أو امرأة : قال كان النبي صلى الله عليه وسلم مما يقول للخادم: ألك حاجة قال حتى كان ذات يوم فقال: يا رسول الله حاجتي؟ قال: وما حاجتك؟ قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة. قال: ومن دلك على هذا. قال: ربي. قال: أما لا فأعني بكثرة السجود). رواه الإمام في المسند، قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح.
** و عن ربيعة بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلني أعطك. قلت: يا رسول الله أنظرني أنظر في أمري . قال: فانظر في أمرك. قال: فنظرت، فقلت: إن أمر الدنيا ينقطع فلا أرى شيئا خيرا من شيء آخذه لنفسي لآخرتي، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: ما حاجتك؟ فقلت: يا رسول الله؛ اشفع لي إلى ربك عز وجل فليعتقني من النار. فقال: من أمرك بهذا؟ فقلت: لا والله يا رسول الله ما أمرني به أحد، ولكني نظرت في آمري فرأيت أن الدنيا زائلة من أهلها، فأحببت أن آخذ لآخرتي. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود. رواه الإمام في المسند، وقال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن بهذا السياق دون قوله : " فأعني على نفسك بكثرة السجود " فصحيح لغيره) و حسنه الألباني في الارواء2/208
- و أصل الحديث في مسلم و لكن في طلب المرافقة ؛ و يمكن الجمع: أن المرافقة تتضمن العتق من النار و النجاة منها؛ وهي من أنواع شفاعاته صلى الله عليه و سلم .
أخـــي:
أعلم أنه ليس المقصود بكثرة السجود؛ كثرة الركعات بدون تدبر و خشوع. فالكثرة ليست مطلوبة لذاتها؛ إنما هي مطلوبة بعد الخشوع. فوالله لركعتين بخشوع أفضل عند الله من مئات الركعات بدونه . فالمطلوب الكثرة مع الخشوع .
أخـــي:
إنك إذا أكثرت من الصلاة بخشوع ؛ أصبحت الصلاة قرة عين لك ، فعندها يشفع لك من كانت الصلاة قرة عين له صلى الله عليه و سلم. نعم كانت الصلاة قرة عين له ؛ و ليس بعد هذا الوصف وصف.
أخـــي:
إن الصلاة أحب الأعمال إلى الله: * عن معدان بن طلحة اليعمري قال : ( لقيت ثوبان مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله. فسكت. ثم سألته. فسكت. ثم سألته الثالثة. فقال: سألت عنه ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة. قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته، فقال لي مثل ما قال لي ثوبان . رواه مسلم.
و للصلاة من الفضائل ما لا يحصيه إلا الله.
فيا طالب شفاعة من جعلت الصلاة قرة عين له صلى الله عليه و سلم ؛ اجعل الصلاة قرة لك ؛ تظفــــر بشفاعته .
أخـــي:
إن المثيل يجاور مثيله. فكلما زادت صلاتك؛ كلما زاد نصيبك في شفاعته.
***** السبب الخامس:
كثرة الصلاة و السلام عليه خاصة: عشرة بالصباح و عشرة بالمساء: وهذا السبب مختلف فيه بين أهل العلم وذلك لورود حديث في صحته خلاف بين أهل الحديث: * عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( من صلى على حين يصبح عشرا و حين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة ). رواه الطبراني
- وقد حسنه السيوطي و الشيخ الألباني في صحيح الجامع ثم عاد فضعفه في الترغيب و الترهيب للمنذري، و قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ( وفيه انقطاع ) و قد ذكره ابن القيم في جلاء الأفهام و سكت عنه.


رابعا: من يحرم شفاعته:
مر معنا على أن الناس متفاوتون في نيل شفاعته صلى الله عليه و سلم ، و أن ذلك مرده إلى مقدار ما يحصله المؤمن من تلك الأسباب. وعلى هذا فالحرمان من شفاعته يكون على نوعين:
أ- حرمان كلي: و هذا يكون للمسرف جدا على نفسه ؛ فإن كان أتى بمكفر فلا نصيب له حتى في شفاعة أرحم الراحمين ، وإن كان أتى بجزء من الإيمان فستدركه رحمة أرحم الراحمين ، ففي حديث أبي سعيد الخدري المتفق عليه في رؤية الله جل و علا : (فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض ؟ فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول: لكم عندي أفضل من هذا فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا ؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا ) فهؤلاء لم تدركهم شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم و لكن أدركتهم شفاعة أرحم الراحمين. و مما يدخل في هذا النوع ما ثبت عنه صلى الله عليه و سلم في صنفين:
* فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي؛ إمام ظلوم غشوم، وكل غال مارق). قال الألباني في صحيح الترغيب و الترهيب: حسن، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. فالإمام الظلوم القشوم ( وهو من عم ظلمه الرعية )و كذا الغال في الدين المارق منه. قال الطيبي:المارق لدينه هو التارك له من المروق وهو الخروج ).ا.هـ فإذا كان هذا المروق مستوجب للخروج من الدين ؛ فهذا لا حظ له في أي شفاعة ، و إن كان بقي معه شيء من الإيمان فهو كما سبق تدركه رحمة أرحم الراحمين.
و هذا يدل على خطر الغلو و الغشم للرعية نسأل الله العافية و السلامة.


ب- حرمان جزئي: و هذا يكون لمن أتى ببعض الأسباب دون بعض ؛ فيعطى من شفاعته صلى الله عليه وسلم بحسب ما جاء به من الأسباب. و الله أعلم.
خامسا: أسباب وردت فيها أحاديث لا تصح:
1- ( شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي ) ( ضعيف ) ضعيف الجامع.
2-( من صلى على محمد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي.؟ ( ضعيف ) الضعيفة
3- كان إذا سمع النداء قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك واجعلنا في شفاعته يوم القيامة . قال رسول الله ( : من قال هذا عند النداء جعله الله في شفاعتي يوم القيامة. ( ضعيف ) الضعيفة
4- عن ابن عمر مرفوعا ( من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي وفي رواية ( من زار قبري وجبت له شفاعتي ) منكر السلسلة الضعيفة.
سادسا: أحاديث لم تصح فيمن يحرم من شفاعته:
1- ( من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي ) قال الألباني: وهو موضوع ومعارض لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
2- ( صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي القدرية والمرجئة قلت يا رسول الله ما المرجئة قال قوم يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل قلت ما القدرية قال الذين يقولون المشيئة إلينا) ( موضوع ) الضعيفة.
3- ( من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي رزقوا فهما وعلما وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي ). ( موضوع ) الضعيفة.
4- (حلت شفاعتي لأمتي إلا صاحب بدعة ) منكر الضعيفة.
5- ( شفاعتي مباحة إلا لمن سب أصحابي ) ( ضعيف ) ضعيف الجامع.
6- ( شفاعتي يوم القيامة حق فمن لم يؤمن بها لم يكن من أهلها ) ( ضعيف ) ضعيف الجامع.
هذا ما تيسر جمعه، و الحمد لله على توفيقه.
و أسأل الله أن يجعله ذخرا لي يوم لقياه.
و أشكر كل من ساهم معي في تنسيق و ترتيب هذا الموضوع.
و بعد فإن أصبت فمن الله و حده، و إن أخطأت فمني و من الشيطان.
و لا يبخل أحد إذا قرأءه فوجد فيه خللا، أن ينصح برسالة

[1] ) لا يفهم من هذا الحديث أن كلمة التوحيد تنفع بدون عمل؛ فأهل السنة مجمعون على أن الإيمان قول و عمل، و أنه لابد من العمل.

_____________________________


اسباب نيل شفاعة المصطفى صلى اللـه عليه وسلم ,كيف تكون ممن يشفع لهم يوم القيامة

رحمة النبي بأمته تستمر إلى ما بعد مرحلة القبور!

وماذا بعد مرحلة القبور؟!

إنه يوم القيامة، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6].

إنَّ هذا اليوم العصيب هو أكثر الأوقات التي يحتاج فيها العبد إلى عون ورحمة..

الاستعداد ليوم القيامة
ولم يكن هذا اليوم أبدًا بعيدًا عن ذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان يقول: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، قَالَ: وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى"[1]، ولذلك كثيرًا ما كان يُذَكِّرُ الناس به؛ لأنه يعلم أنه حق لا ريب فيه، وأنه آتٍ لا محالة، فكان من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين أنه كان حريصًا على أن يستعدُّوا لمثل هذا اليوم الصعب، فكان يُحوِّل حياتهم دائمًا إلى حياة إيجابية، تهدف إلى الإعداد لهذه اللحظات الخطيرة القادمة..

جاءه رجل فسأله عن الساعة قائلاً: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟" قَالَ: لا شَيْءَ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ"أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"[2].

فكانت هذه أعظم رحمة منه صلى الله عليه وسلم، وهي رحمة التنبيه للإعداد لهذا اليوم، قبل أن يأتي يوم يموت فيه الإنسان فتضيع عليه فرصة العمل...

الشفاعة يوم القيامة
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مشغولاً للغاية بأمته في ذلك اليوم، حتى إنه ادَّخرَ دعوته الخاصة جدًا إلى يوم القيامة ليشفع لأمته بها!!

يقول رسول الله : "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ[3]، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا"[4].

وقد يعتقد البعض أن هذه الشفاعة، ستكون لأهل الطاعة والتقوى فقط، ولكن الأمر على خلاف ذلك! فشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ستكون كذلك لأهل المعاصي! بل لأهل الكبائر من الذنوب!!

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي"[5] وليست هذه -بالطبع- دعوة لفعل الكبائر دون خشيةِ عقابٍ من الله عز وجل، فإن العبدَ قد يُعذَّبُ في النار وقتًا لا يعلمه إلا الله، ثم يخرج بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا العذاب -ولو كان مؤقتًا- لا يجوز أبدًا أن يستهين به العبد، فإن غمسةً واحدةً في جهنم تُنسِي نعيم الدنيا بأكمله..

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ"[6].

والأخطر من هذا أن لا يُوَفَّقَ العبدُ المصِرُّ على الكبائر إلى الموت على الإسلام، فيخرج بذلك من أمة الرسول صلى الله عليه وسلم تمامً، وبهذا لا تناله الشفاعة...

فليس المقصود من الشفاعة لأهل الكبائر هو إطلاق المجال لهم لفعل المنكرات، إنما المقصود هو إبراز مدى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحرصه عليه، حتى بلغ الحرص أهل الكبائر أنفسهم..

حديث الشفاعة
ولعل من أروع مواقف الرحمة يوم القيامة هو موقف الشفاعة لعموم الخلائق كي يُحاسَبُو، وقد صَوَّر لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حالَ الناس في ذلك الموقف أبلغ تفسير فقال: "يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ، أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ َ فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَ، فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورً، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاثَ كَذِبَاتٍ -فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ- نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي..

اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبً، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي..

اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدً، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى"[7].

فهذه –والله- رحمة عظيمة!!

إنه يقوم بما أَبَى الأنبياء أن يقوموا به، ثم عند الطلب، لم يقل: نفسي نفسي، إنما قال: "يا رب أمتي" ويكررها ثلاثًا لإبراز مدى حرصه عليها!

إن القلم ليعجز حقيقةً عن تصوير مدى هذه الرحمة النبوية الفياضة! ثم يكون الحساب بشفاعة الرسول ، ويدخل قوم الجنة، ويدخل آخرون النار، وممن سيدخلون النار قوم من أمة رسول الله غلبت سيئاتهم حسناتهم، فأُدْخِلُوا النار عقابًا على ذنوبهم الكثيرة..

فهل ينساهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

إنه الآن في الجنة يُنعَّم فيه، ومعه المؤمنون الأطهار، فهل شُغِل عن جزء عاصٍ من أمته أَبَى أن يستجيب للشرع في الحياة الدني، فعُوقِبَ بالنار يوم القيامة؟!

أبدًا والله.. إنه لا ينساهم!

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيَخْرُجَنَّ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي مِنْ النَّارِ بِشَفَاعَتِي، يُسَمَّوْنَ: الْجَهَنَّمِيُّونَ"[8].

بل إنَّ هناك تفصيلاً جميلاً في رواية الإمام أحمد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَأُعْطَى لِوَاءَ الْحَمْدِ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَإِنِّي آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلْقَتِهَا فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ، فَيَفْتَحُونَ لِي، فَأَدْخُلُ، فَإِذَا الْجَبَّارُ مُسْتَقْبِلِي فَأَسْجُدُ لَهُ، فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَتَكَلَّمْ يُسْمَعْ مِنْكَ، وَقُلْ يُقْبَلْ مِنْكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ..

فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: اذْهَبْ إِلَى أُمَّتِكَ، فَمَنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ شَعِيرٍ مِنْ الإِيمَانِ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَأُقْبِلُ فَمَنْ وَجَدْتُ فِي قَلْبِهِ ذَلِكَ فَأُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا الْجَبَّارُ مُسْتَقْبِلِي، فَأَسْجُدُ لَهُ فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَتَكَلَّمْ يُسْمَعْ مِنْكَ، وَقُلْ يُقْبَلْ مِنْكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ اذْهَبْ إِلَى أُمَّتِكَ فَمَنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِهِ نِصْفَ حَبَّةٍ مِنْ شَعِيرٍ مِنْ الإِيمَانِ فَأَدْخِلْهُمْ الْجَنَّةَ، فَأَذْهَبُ فَمَنْ وَجَدْتُ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَلِكَ أُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ، فَإِذَا الْجَبَّارُ مُسْتَقْبِلِي، فَأَسْجُدُ لَهُ فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَتَكَلَّمْ يُسْمَعْ مِنْكَ، وَقُلْ يُقْبَلْ مِنْكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ..

فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: اذْهَبْ إِلَى أُمَّتِكَ فَمَنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ الإِيمَانِ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَأَذْهَبُ فَمَنْ وَجَدْتُ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَلِكَ أَدْخَلْتُهُمْ الْجَنَّةَ، وَفَرَغَ اللَّهُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ، وَأَدْخَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّتِي النَّارَ مَعَ أَهْلِ النَّارِ، فَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْبَدُونَ اللَّهَ لا تُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئً، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ : فَبِعِزَّتِي لأُعْتِقَنَّهُمْ مِنْ النَّارِ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ فَيَخْرُجُونَ، وَقَدْ امْتَحَشُو، فَيَدْخُلُونَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي غُثَاءِ السَّيْلِ، وَيُكْتَبُ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ: هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَلْ هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ الْجَبَّارِ "[9].

فانظر -رحمك الله- إلى هذه الدرجة الرفيعة، وإلى هذا المقام المحمود، وإلى هذا الحرص العجيب من رسولنا على مَنْ فعل الموبقات كله، ولم يكن في صدره سوى مثقال حبة من خردل من الإيمان!!

إنَّ رحمة كهذه تشرح لنا قول ربنا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

[1] البخاري: كتاب الرِّقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين (6138)، ومسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قُرْب الساعة (2951) واللفظ له، والترمذي (2214)، وابن ماجة (45)، وأحمد (12267)، والدارمي (2759)، وابن حبان (6641).
[2] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب (3485)، ومسلم في البر والصلة والآداب، باب المرء مع مَنْ أَحَبَّ (2639)، والترمذي (2385)، وأحمد (12715)، وابن خزيمة (1796)، وابن حبان (563).
[3] ظاهر الحديث أنها دعوة واحدة مستجابة وهذا خلاف ما نعرفه عن دعوات الأنبياء فغالبها مستجاب؛ ولذلك أوَّلَ العلماء هذه الكلمة على معانٍ كثيرة كأن تكون هذه أهم الدعوات، أو تكون الدعوة على الأمة عامَّة بالإهلاك أو النجاة، أو الدعوة المجابة على سبيل القطع لا الرجاء، وغير ذلك، انظر: ابن حجر: فتح الباري 11/96.

حقيقة الشفاعة الصحيحة ومفهومها في الكتاب والسنة

تُبَيِّنُ بعضُ الآيات الكريمة في القرآن أن أمر الشفاعة موكول إلى إذن الله الذي يأذن بها بحق من رضي عنه أي المؤمنين الموحدين وفي هذا الصدد يقول تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طه:109] ونلاحظ أن كلمة تنفع فعل مضارع في حين كلمة أذن فعل ماضي أي أن الشفاعة لا تنفع في ذلك اليوم (أي يوم القيامة) إلا بحق الأشخاص الذين أذن لهم الله تعالى من قبل ورضي قولهم. وفي سورة سبأ يقول تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ:22-23] حيث يؤكد تعالى في هذه الآية أيضاً أن الشفاعة لا تنفع عنده إلا لمن سبق أن أَذِنَ له بها، ويوضح تعالى في موضع آخر مَنْ هُم هؤلاء الذين أَذِنَ لهم بالشفاعة فيقول: ﴿ وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف:86] ونحوه قوله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء:26-28].

أي أن الشفاعة إنما أذن بها الله بها لمن شهد بالحق ورضي قوله ممن يعلم حدود الشفاعة ووظائفها، وممن لا يسبق الله تعالى بالقول بل يعمل بأمره وينفذ مشيئته فلا يشفع إلا لمن أراد الله منه أن يشفع له، وهم من ارتضاه الله تعالى، ومن الواضح تماماً أن الذين يرتضيهم الله هم عباده المؤمنون الموحدون الخائفون منه الذين أسلموا له ووطَّنوا أنفسهم وبنوا حياتهم على أن يطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه!

فإن قيل لقد نفت الآيات المذكورة سابقاً الشفاعة يوم القيامة وهنا أثبتتها ضمن الإذن الإلهي للشافع والرضا بشأن المشفوع له، فهل ثمة اختلاف وتناقض في هذا الأمر؟!

قلنا: لا تناقض في ذلك على الإطلاق وسنوضح هذا الأمر بالاستعانة بتوجيهات القرآن الكريم وهدايته التي تشكل مدد العقل والوجدان السليم إن شاء الله.

ذكرنا فيما سبق أن كتابنا السماوي المجيد لا توجد فيه حتى آية واحدة أو إشارة واحدة إلى «شفاعة» تحصل يوم القيامة من إنسان من بني آدم - نبيّ أو غير نبيّ- لإنسان أو أناس آخرين بهدف رفع الجزاء الأخروي أو تخفيفه، وكل الآيات التي وردت فيها كلمة «الشفاعة»- سواء كانت تثبتها أو تنفيها - ناظرةٌ إلى شفاعة الأصنام التي كانت آلهة معبودة للمشركين أو إلى الملائكة المدبِّرة لشؤون الخلق والمتصرِّفة بأمور السموات والأرض طبقاً لأمر الله ومشيئته، وهاتان الطائفتان (الأصنام المعبودة والملائكة) كلاهما ليس من الإنس؛ فبالتأمل الدقيق والتعمّق في آيات القرآن الكريمة يتبين أنه لم تأت كلمة «الشفاعة» أومشتقاتها في الكلام عن إنسان «يشفع» يوم القيامة لإنسان آخر لينقذه من العذاب، والآيات الوحيدة التي يمكننا أن نستنبط منها شفاعة إنسان لإنسان آخر هي الآيات التي ورد فيها استغفار المؤمن للمؤمنين سواء كان المؤمنُ المستغفِرُ نبياً أو غير نبيّ، فشفاعة الإنسان للإنسان هي هذا الأمر فقط! وحتى شفاعة الملائكة أيضاً هي في الواقع استغفار للمؤمنين أي طلبٌ لمغفرة ذنوبهم والرحمة بهم.

- أخرج مسلم في صحيحه: «عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أَوْ بِعُسْفَانَ فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ النَّاسِ قَالَ فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدْ اجْتَمَعُوا لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَخْرِجُوهُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ باللهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللهُ فِيهِ»(17).

2- وأخرج النسائي في السنن بسنده: «عَنْ أمِّ المؤمنين عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ أَنْ يَكُونُوا مِائَةً يَشْفَعُونَ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ. قَالَ سَلَّامٌ فَحَدَّثْتُ بِهِ شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَابِ فَقَالَ حَدَّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم»(18).

3- وأخرج مسلم في صحيحه بسنده «عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيعِ عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ. قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهِ شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَابِ فَقَالَ حَدَّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم»(19).

4- وأخرج النسائي في سننه بسنده «عن إِسْحَقِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكَّارٍ الْحَكَمُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَ صَلَّى بِنَا أَبُو الْمَلِيحِ عَلَى جَنَازَةٍ فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ كَبَّرَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَلْتَحْسُنْ شَفَاعَتُكُمْ قَالَ أَبُو الْمَلِيحِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ وَهُوَ ابْنُ سَلِيطٍ عَنْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ النَّاسِ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ، فَسَأَلْتُ أَبَا الْمَلِيحِ عَنْ الْأُمَّةِ فَقَالَ أَرْبَعُونَ». ورواه كذلك الإمام أحمد في مسنده: ج6/ص 331 و334.


5- وأخرج ابن ماجه في سننه والإمام أحمد في مسنده بسندهما «عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَلَكَ ابْنٌ لِعَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لِي: يَا كُرَيْبُ! قُمْ فَانْظُرْ هَلْ اجْتَمَعَ لِابْنِي أَحَدٌ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ: وَيْحَكَ كَمْ تَرَاهُمْ أَرْبَعِينَ؟ قُلْتُ: لَا بَلْ هُمْ أَكْثَرُ. قَالَ: فَاخْرُجُوا بِابْنِيَّ فَأَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ مُؤْمِنٍ يَشْفَعُونَ لِمُؤْمِنٍ إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللهُ»(20).

فهذه الأحاديث التي يتفق عليها جميع أئمة الحديث من أهل الإسلام تُظهر أن الشفاعة هي الاستغفار الذي يؤديه المؤمنون لشخص مؤمن لاسيما أثناء صلاة الجنازة على الميت وذلك لأنهم في الدنيا يشهدون أعمال بعضهم البعض ويفرّقون إلى حد ما بين الصالح والطالح فيطلبون الغفران والرحمة لمن يجدوه أهلاً لذلك أي يشفعون له.

ولقد تفطَّن إلى ذلك العلامة فخر الدين الرازي - من علماء العامَّة- في تفسيره الكبير «مفاتيح الغيب» (ج1/ص35) فقال: «قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ واستغفر لِذَنبِكَ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات ﴾ [محمد: 19] دلَّت الآية على أنه تعالى أمَرَ محمداً بأن يستغفرَ لكلِّ المؤمنين والمؤمنات......... ولا معنى للشفاعة إلا هذا»، أي فذلك الاستغفار الذي أمر الله تعالى به نبيَّه هو شفاعته للمؤمنين.


وهناك نوعان من الشفاعة في القرآن الكريم كلاهما يتم بالطبع بإذن الله تعالى:

1- الشفاعة في الأمور الطبيعية وشؤون الخليقة التي تتم بواسطة القوى التي أوْكَلَ اللهُ تعالى إليها بعض المهام في تدبير شؤون العالم، مثل الإحياء والإماتة والمطر والقحط والوفرة والمرض والصحة وغيرها، وهي الشفاعة ذاتها التي كان يعتقد بها المشركون والوثنِيُّون ويلتمسونها من أوثانهم وملائكتهم والموجودات الروحانية والسماوية حيث يطلبون منهم أن يشفعوا لهم عند الله ليعينهم في القضايا المذكورة، وعلى كل حال مثل تلك التصرفات للملائكة وقوى العالم الروحاني رغم أنها موجودة في عالم الإمكان إلا أنها لا تتصرف في شؤون الكائنات إلا بإذن خالق البريات وأمره كما مرَّ معنا في الآيات سابقة الذكر (فلا يجوز دعائها لأجل ذلك بل يجب أن يُدعى الله وحده الذي بيده ملكوت كل شيء).

2- الشفاعة في أمور الآخرة أي في غفران الذنوب والتجاوز عن السيئات ورفع الدرجات يوم القيامة، والقرآن ينفي حصول مثل هذه «الشفاعة» بهذا اللفظ والمسمَّى يوم القيامة ويؤكد مراراً أنَّ يومَ المحشر يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خُلّةٌ ولا شفاعةٌ كما جاء في عديد من الآيات التي سبق ذكر بعضها.

نعم يذكر القرآن شفاعةً يمكنها أن تنفع بعض المؤمنين يوم القيامة وهم المؤمنون الذين رضي الله عنهم وأَذِنَ بأن يُشفع لهم، لذا يقوم النبيُّ أو الملائكة بالاستغفار للمؤمنين حال حياتهم في هذه الدنيا مما ينفعهم في الآخرة وينجيهم من عذابٍ موعودٍ أو يخففه عنهم، أو يوجب رفع درجاتهم في الجنة، ولكن مثل هذه الشفاعة مشروطة بثلاثة شروط وتعتمد على ثلاثة أصول:

- الشرط الأول: أن يكون المشفوع له من المؤمنين لأن الاستغفار لغير المؤمنين لا فائدة منه إطلاقاً كما جاء في قوله تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة:80]، وقوله سبحانه: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة:113].

- الشرط الثاني: أن يكون المشفوع له -إضافةً إلى كونه مسلماً ومؤمناً - مستحقاً للشفاعة ولائقاً بها وبالتالي أن يرتضيه الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ كما قال سبحانه: ﴿ ...وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء:28] و﴿ يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طـه:109].

- الشرط الثالث: أن هذه الشفاعة موقوفةٌ على إذن الله تعالى ومشيئته كما أشارت إليه الآية الأخيرة وكما تشير إليه آيات عديدة أخرى كقوله تعالى في سورة سبأ: ﴿ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ... ﴾ [سبأ:23].

فالشفاعة يوم القيامة لا تنفع إلا من تحققت فيه الشروط الثلاث المذكورة.

أما الأصول الثلاثة لشفاعة النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) لأفراد الأمة أو شفاعة المؤمنين لبعضهم البعض فهي: (1) المؤمن (2) المأذون بالشفاعة (3) مورد الشفاعة

الأصل الأول: الإيمان، أي إيمان المشفوع له، وتدل عليه آياتٌ عديدةٌ كقوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد:19]، وقوله سبحانه: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾ [آل عمران:159]، وقوله عزَّ من قائل: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور:62] وقوله تعالى: ﴿ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ﴾ [الممتحنة:12]، وقوله تعالى: ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة:103].

وفي مقابل ذلك نهى الله نبيه عن الاستغفار للمشركين أو الكفار والمنافقين كما قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة:113]، وقوله تعالى قبل ذلك في السورة ذاتها: ﴿ وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة:84].

وأما الأصل الثاني والثالث فقد دلت عليهما الآيات المذكورة ذاتها لأن إِذْنَ اللهِ تعالى هو أمره لنبيه بالاستغفار للمؤمنين وأمره للمؤمنين بالاستغفار لإخوانهم والمؤمن لا بد أن يكون مرضياً من الله وقابلاً للشفاعة ومستحقاً لها.

وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أنه في كل موضع في القرآن الكريم أُوكل فيه أمر الشفاعة لإذن الله جاءت لفظة الإذن بصيغة الفعل الماضي أي «أَذِنَ» حتى لو كانت كلمة «شفع» أو «نفعها» بالمضارع، كقوله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طه:109] و﴿ وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ:23].

فالآيتان تدلان أن الشفاعة لا تنفع إلا لمن سبق له الإذن من الله وهذه هي الحقيقة ذاتها التي بيناها من أن الشفاعة هي التي أَذِنَ اللهُ بها وأَمَرَ بها خلال الحياة الدنيا وقام بها النبي والمؤمنون وظهر نفعها في الآخرة، وإلا فإن حصول شفاعة متجدِّدة يوم القيامة بتلك الصورة التي تصورها المغرورون لا وجود لها. هذا ومن الجدير بالذكر أنه ربما تمت مثل هذه الشفاعة في الدنيا مِنْ قِبَلِ النبيِّ أو المؤمنين أو الملائكة لأشخاصٍ ظاهرهم غير باطنهم أي ما كانوا جديرين بها، فهؤلاء لن ينتفعوا بها يوم القيامة، كما جاء في عدد من آيات الكتاب الحكيم كقوله تعالى: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر:48] وقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [البقرة:123]، وقوله تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة:80]، وقوله عز من قائل: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [المنافقون:6].

إذَنْ من الممكن أن يستغفر النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) والمؤمنون لمن ظاهره الإيمان دون أن يعلموا ما في باطنه من الكفر، فمثل هذا الاستغفار والشفاعة لن تجدي ذلك المنافق نفعاً كما لم تجدِ شفاعة نوح عليه السلام لابنه ولا شفاعة إبراهيم عليه السلام لأبيه (قبل أن يتبين له موته على الكفر فيتبرأ منه).

وكما ذكرنا سابقاً لم يأتِ في كتاب الله تصريحٌ واضحٌ ولا حتى لمرة واحدة بأن عمل «الشفاعة» سيقوم به، يوم القيامة، إنسانٌ من بني آدم - أيَّاً كان- للناس الآخرين، بل كل ما جاء من ذكر لكلمة «الشفاعة» إنما كان الكلام فيه عن الملائكة سواء كان التشفّع لأجل الأمور الدنيوية أو يوم القيامة للأمور الأخروية. وتوضيح ذلك كما يلي:

ذكرنا سابقاً الآيات القرآنية الكريمة التي تثبت شفاعة الملائكة في أمور الخليقة وأما شفاعتهم في أمور المعاد والآخرة فقد جاءت في القرآن الكريم آياتٌ تؤيد تلك الشفاعة كقوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء:26-28]، وقوله تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم:26].

فالشاهد أن لفظة «الشفاعة» لم تأت في القرآن الكريم إلا للملائكة سواء كانت شفاعتهم في أمور الخليقة أم في أمور يوم القيامة مع العلم أن كلا النوعين من الشفاعة موقوف على الإذن السابق لله تعالى ومشيئة ربّ العالمين.

وشفاعة الملائكة في أمور الآخرة هي استغفارهم للمؤمنين وليس كما يظنه المشركون الغلاة ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر:7]، وقوله سبحانه: ﴿ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشورى:5].

فالتَشَفُّعُ يتمُّ بواسطة الاستغفار وطلب العفو والرحمة. وهنا تجدر الإشارة إلى نقطتين:

الأولى: أن شفاعة الملائكة لأهل الأرض نابعة من فطرة الملائكة التي هي الخير المحض فلا تريد الملائكة لأهل العالم إلا كل خير وصلاح وهناك عدة روايات تؤيد هذا المعنى.

الثانية: أنَّ الملائكةَ المقربين من الله مثلَ حملة العرش والذين هم حول العرش، لا يستغفرون إلا للمؤمنين أما الملائكةُ الآخرونُ فيستغفرونَ لعامَّة أهل الأرض رغم أن استغفارهم هذا لن ينفع إلا من ارتضاهم الله من العباد وهو المعنى الذي يُستَنبط من الآية 26 من سورة النجم: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم:26] ومن قوله تعالى: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر:48]
LihatTutupKomentar