Hukum Murtad

Hukum Murtad dalam Islam. Definisi murtad secara etimologis dan terminologi fiqih serta apa yang bisa dilakukan terhadap orang murtad dan siapa yang berhak menjatuhkan hukuman.
Hukum Murtad dalam Islam. Definisi murtad secara etimologis dan terminologi fiqih serta apa yang bisa dilakukan terhadap orang murtad dan siapa yang berhak menjatuhkan hukuman.


أحكام الرِّدة

المقدمة:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد:

فإنَّ الله تعالى أَمَر عباده بأوامرَ متعددة، تحقق المصلحة لهم في الدنيا والآخرة، ومن هذه الأوامر: أن أمَرَهم بالالتزام بالإسلام، والاستمساك به، والثبات عليه إلى أن يأتي الموت. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

ونعمة الإسلام والعمل به، هي أفضل نعمةٍ في هذه الحياة، وذلك لما يتحقق فيها من مصالح عاجلة وآجلة؛ ولأنها تدوم لصاحبها إلى الآخرة، وتنجيه من الخسارة. قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].

وقد حرص أهل الكتاب كثيراً على أن يرتد المسلمون عن إسلامهم، وهذا بدافع الحسد منهم والبغي، مع معرفتهم أنه الدين الحق، قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة: 109].

وعند ثبوت الردة على شخصٍ أو جماعة، إمّا بالإقرار أو بالبيّنة الواضحة، فإنّ هناك أحكاماً تطبَّق على المرتد، وآثاراً شرعية تترتَّب على ردته. فما هي هذه الأحكام الخاصة بالمرتد؟

هذا ما سأكتب فيه في هذا البحث المتواضع، وسيكون السير فيه على النحو التالي:

1. تعريف الردة.

2. أحكام الردة.

3. الخاتمة.

فأقول مستعينا بالله، وهو حسبي ونعم الوكيل:

تعريف الردة:

أ. الردة في اللغة: هي الرجوع عن الشيء. قال المناوي في التعاريف: «الردة لغةً: الرجوع عن الشيء إلى غيره»(1).

ب. الردة في الشرع: هي "قطع استمرار الإسلام ودوامه"(2)، أو هي الكفر بعد الإسلام أحكام الرِّدّة.

للردَّة أربعة أحكام، كالتالي:

أولاً: أحكامٌ ترجع إلى نفس المرتد.

ثانياً: أحكامٌ ترجع إلى مِلك المرتد.

ثالثاً: أحكامٌ ترجع إلى ولد المرتد.

رابعاً: أحكامٌ ترجع إلى تصرفات المرتد.

قال الكاساني: "إن للرِّدة أحكاماً كثيرة: بعضها يرجع إلى نفس المرتد، وبعضها يرجع إلى مِلكه، وبعضها يرجع إلى تصرفاته، وبعضها يرجع إلى ولده"(4). ونبدأ بالأمر الأول من هذه الأحكام.

أولاً: الأحكام التي ترجع إلى نفس المرتد:

الأحكام التي ترجع إلى نفس المرتد تسعة أحكام، وهي:

1. استتابة المرتد:

اتفق الفقهاء على استتابة المرتد، وإنما اختلفوا في حكم الاستتابة، هل هي واجبة أم مستحبة. ومن أقوال الفقهاء في استتابة المرتد، ما يلي:

قال الكاساني: "يستحب أن يستتاب ويعرض عليه الإسلام لاحتمال أن يسلم لكن لا يجب لأن الدعوة قد بلغته، فإن أسلم فمرحبا وأهلا بالإسلام، وإن أبى نظر الإمام في ذلك فإن طمع في توبته أو سأل هو التأجيل أجَّله ثلاثة أيام وإن لم يطمع في توبته ولم يسأل هو التأجيل قتله من ساعته"(5). وبمثله قال عبد الغني الغنيمي الحنفي(6).

وقال الدسوقي في حاشيتة على الشرح الكبير: "يجب على الإمام أو نائبه استتابته ثلاثة أيام، وإنما كانت الاستتابة ثلاثة أيام؛ لأن الله أخَّر قوم صالح ذلك القدر، لعلهم أن يتوبوا فيه، فكون أيام الاستتابة ثلاثة واجبٌ"(7).

وقال الشربيني: «وتجب استتابة المرتد والمرتدة قبل قتلهما؛ لأنهما كانا محترمين بالإسلام فربما عرضت لهما شبهة فيسعى في إزالتها؛ لأن الغالب أن الردة تكون عن شبهة عرضت وثبت وجوب الاستتابة عن عمر -رضي الله عنه-»(8).

وقال ابن ضويان: «فمن ارتد وهو مكلف مختار استتيب ثلاثة أيام وجوباً»(9). وبمثله قال أبوالنجا الحجاوي.(10)

ومن خلال هذه الأقوال تتضح لنا علَّة استتابة المرتد، وهي أنه يحتمل رجوعه إلى الإسلام، فربمَّا عرضت له شبهة حملته على الردة، فيؤجَّل ثلاثا لعلها تنكشف في هذه المدة، فكانت الاستتابة وسيلة للعودة إلى الإسلام. فقد روي عن عمر -رضي الله عنه-"أنه قدم عليه رجل من قِبَل أبي موسى، فسأله عن الناس؟ فأخبره، ثم قال: هل عندكم من مغربة خبر(11)؟ قال: نعم رَجُلٌ كفر بعد إسلامه، فقال: ماذا فعلتم به؟ قال: قرّبناه فضربنا عنقه، قال عمر -رضي الله عنه-: فهلا طبقتم عليه بيتا ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً فاستبتموه لعله يتوب ويرجع إلى أمر الله، اللهم إني لم آمر ولم أحضر ولم أرض إذ بلغني"(12).

إذاً لا خلاف بين الفقهاء في استتابة المرتد، وقبول توبته إن تاب.(13)

وتكون توبة المرتد: بإعلان إسلامه، أو بإقرار ما جحده من الدين. قال أبو النجا: "وتوبة المرتد وكل كافر، موحّداً كان كاليهودي أو غير موحّد كالنصراني، والمجوسي وعبدة الأوثان: إسلامه، أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله... لكن إن كانت ردّته بإنكار فرضّ أو إحلال محَّرم أو جحد نبيٍّ أو كتابٍ أو شيءٍ منه... فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده"(14).

إلا أن الفقهاء قد قالوا: بعدم قبول التوبة في الدنيا لمن سبَّ الله تعالى أو سبَّ رسوله سباً صريحا، وذلك لعظم ذنبه. قال البهوتي: "ولا تقبل في الدنيا توبة من سب الله تعالى أو سب رسوله سبا صريحا أو تنَقَّصه، ولا توبة من تكررت ردته ولا توبة زنديق وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر بل يقتل بكل حال؛ لأن هذه الأشياء تدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالإسلام"(15). وقد نصَّ ابن ضويان الحنبلي بمثله، فقال: "ولا يقبل في الدنيا بحسب الظاهر توبة زنديق...ولا من تكررت ردته... أو سبَّ الله تعالى أو رسوله، أو ملكا له لعظم ذنبه جداً فيدل على فساد عقيدته. قال أحمد: لا تقبل توبة من سب النبي -صلى الله عليه وسلم-»(16). بل جاء في المذهب المالكي: بأنه إن تاب ينكَّل ويؤدَّب.(17)

2. من أحكام المرتد التي ترجع إلى نفسه: إباحة دمه إن لم يتب:

لم يختلف الفقهاء في إباحة دم المرتد إن لم يتب، سواء كان المرتد فرداً أم جماعة، إلا إن قتله يتولاَّه الإمام أو نائبه.(18) قال الكاساني، وهو يعدِّد أحكام المرتد، فقال: "إباحة دمه إذا كان رجلاً حرّاً كان أو عبداً لسقوط عصمته بالردة...وكذا العرب لما ارتدت بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه و سلم- أجمعت الصحابة -رضي الله عنهم- على قتلهم»(19). وقد نقل ابن رشد الاتفاق على قتل الرجل المرتد(20). وقال الدردير المالكي: "وإن ارتد جماعة بعد إسلامهم وحاربوا المسلمين، ثم قدرنا عليهم فكالمرتدين من المسلمين الأصليين، يستتاب كبارهم ثلاثة أيام، فإن تابوا وإلا قتلوا".(21). وقال الشافعي: "ومن ارتد عن الإسلام إلى أي كفر كان مولودا على الإسلام أو أسلم ثم ارتد قتل"(22). وقال أيضاً: "والقتل على الردة حدٌّ ليس للإمام أن يعطِّله"(23). وقال ابن قدامة: "ومن ارتد عن الإسلام وجب قتله(24). وهذا حكمٌ بقتل المرتد إن كان فرداً، وقال أيضاً: "ومتى ارتد أهل بلدٍ وجرت فيهم أحكامهم صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم وسبي ذراريهم الحادثين بعد الردة، وعلى الإمام قتالهم"(25). وهذا حكمٌ بقتل الجماعة المرتدة. وقد نقل ابن ضويان(26)، وكذلك ابن الأمير الصنعاني إجماع الفقهاء على قتل المرتد(27).

وأما إباحة دم المرتدة: فقد خالف في هذا الحنفية، فقالوا: بعدم قتلها. قال الكاساني: "وأما المرأة فلا يباح دمها إذا ارتدت ولا تقتل عندنا ولكنها تجبر على الإسلام وإجبارها على الإسلام أن تحبس وتخرج في كل يوم فتستتاب ويعرض عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلا حبست ثانياً هكذا إلى أن تسلم أو تموت"(28).

وقد استدلَّت الحنفية على عدم قتل المرتدة بما روي عن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- أنه قال: «لا تقتلوا امرأة و لا وليدا»(29). قالوا: ولأن القتل إنما شرع وسيلة إلى الإسلام بالدعوة إليه عند وقوع اليأس عن إجابتها والنساء أتباع الرجال في إجابة هذه الدعوة في العادة فإنهن في العادات الجارية يسلمن بإسلام أزواجهن(30).

وذهب الجمهور من المالكية(31) والشافعية(32) والحنابلة(33).إلى أن حكم المرأة المرتدة مثل حكم الرجل، وهو القتل، وقد استدل الجمهور على قتل المرتد سواء كان رجلا أو امرأة، بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «من بدَّل دينه فاقتلوه»(34). وقالوا: إنَّ علة إباحة الدم هو الكفر بعد الإيمان وهو أغلظ من الكفر الأصلي، فيستوي فيه الرجل والمرأة. قال ابن قدامة: "وتقتل المرتدة للخبر؛ ولأنها بدَّلت دين الحق بالباطل، فتقتل كالرجل"(35). وقد أجابوا عن النهي الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قتل المرأة، بأن المراد به الكافرة الأصلية، وليس المرتدة، ولا تعارض بين عامٍ وخاص، فيعمل بالخاص فيما تناوله، ويعمل بالعام في الباقي.(36)

وقد ناقش الإمام الشافعي، ما ذهب إليه الحنفية، من عدم القتل المرتدة، بطريق السؤال والجواب، فقال في كتابه الأم ما نصه: "استدل من ذهب إلى عدم قتل المرأة المرتدة: بالقياس على السنة، بمعنى لما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النساء من أهل دار الحرب كان النساء ممن ثبتت لهن حرمة الإسلام أولى -عندي- أن لا يقتلن وقلت له: أو جعلتهن قياسا على أهل دار الحرب لأن الشرك جمعهن؟ قال: لا. قلت: ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما زعمت عن قتل الشيخ الفاني والأجير.(37) مع نهيه عن قتل النساء، فإن قلت: نعم، قلت: أفرأيت شيخا فانياً وأجيراً ارتدا أتقتلهما أم تدعهما لعِلَّتك بالقياس على أهل دار الحرب؟ فقال: بل أقتلهما قلت: فرجل ارتد فترهَّب قال: فأقتله: قلت: وأنت لا تقتل الرهبان من أهل دار الحرب...أرأيت إذا كان حكم المرتدة عندك أن لا تقتل كيف حبستها وأنت لا تحبس الحربية إنما تسبيها وتأخذ مالها... وقلت له: هل تعدو الحرة أن تكون في معنى ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من بدل دينه فاقتلوه» تكون مبدلة دينها فتقتل؟ أو يكون هذا على الرجل دونها، فمن أمرك بحبسها؟ وهل أمرك بحبسها؟ وهل رأيت حبسا قط هكذا؟ إنما الحبس ليبين لك الحد فقد بان لك كفرها، فإن كان عليها قتل قتلتها، و إن لم يكن فالحبس لها ظلم"(38).

حكمة تشريع قتل المرتد:

قد يتساءل البعض، فيقول: ما هي الحكمة من قتل المرتد، مع أن الكافر الأصلي لا يقتل، فلماذا يقتل المرتد؟

والجواب: أن خروج فردٍ أو جماعةٍ من الإسلام إلى الكفر، فيه نداءٌ على أنه لما خالط هذا الدين وجده غير صالح، ووجد ما كان عليه قبل ذلك أصلح، فهذا تعريضٌ بالدين واستخفافٌ به، وكذلك فيه تمهيدُ طريقٍ لمن يريد أن ينسَلَّ من هذا الدين، وذلك يفضي إلى انحلال جماعة الإسلام، فلو لم يجعل لذلك زاجراً ما انزجر الناس، ولا نجد شيئا زاجراً مثل توقع الموت، فلذلك جُعل الموت هو العقوبة للمرتد حتى لا يدخل أحدٌ في الدين إلا على بصيرة، وحتى لا يخرج منه أحد بعد الدخول فيه، وليس هذا من الإكراه في الدين؛ لأن الإكراه في الدين هو إكراه الناس على الخروج من أديانهم والدخول في الإسلام، وأما هذا فهو من الإكراه على البقاء في الإسلام.(39)

3. من أحكام المرتد التي ترجع إلى نفسه: حرمة الاسترقاق:

لا يجوز استرقاق المرتد؛ لأن استرقاقه فيه إقرارٌ له على ردته، وكذلك لا يقع استرقاقه وسيلة إلى الإسلام؛ لأنه رجع عن الإسلام بعد ما ذاق طعمه وعرف محاسنه، فلا يرجى فلاحه بهذا الاسترقاق.(40)

وبناء عليه: فلم يشرع للمرتد إلا العودة إلى الإسلام، أو القتل. قال الكاساني: "المرتد لا يسترق وإن لحق بدار الحرب؛ لأنه لم يشرع فيه إلا الإسلام أو السيف"(41).

4. من أحكام المرتد التي ترجع إلى نفسه: حرمة أخذ الجزية:

لا يجوز أخذ الجزية من المرتد(42)، وذلك لما تقدَّم ذكره في الاسترقاق.

5. من أحكام المرتد التي ترجع إلى نفسه: الفرقة بين الزوجين.(43)

وقد دلَّ على الفرقة بين الزوجين إن كان أحدهما كافراً، قوله تعالى: ﴿لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: 10].

6. من أحكام المرتد التي ترجع إلى نفسه: لا يجوز إنكاحه المسلمة، ولا تجوز ولا يته على غيره في النكاح:

لا يجوز للمرتد أن ينكح المسلمة؛ لأنه مشرك، وكذلك ليس له أن يزوِّج غيره؛ لأنه لا ولاية له.(44)

7. من أحكام المرتد التي ترجع إلى نفسه: حرمة ذبيحته:

لا يجوز الأكل من ذبيحة المرتد. قال الشافعي: "لا تؤكل ذبيحة المرتد إلى أي دينٍ ما ارتد؛ لأنه إنما رخّص في ذبائح أهل الكتاب الذين يقرون على أديانهم"(45).

8. من أحكام المرتد التي ترجع إلى نفسه: أنه لا يرث من أحد:

قال الكاساني: "لا يرث(المرتد)من أحدٍ، لانعدام الملِّة والولاية"(46).

9. من أحكام المرتد التي ترجع إلى نفسه: أن أعماله تحبط إن مات على الردة(47). قال تعالى: ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217]. والمشهور في المذهب المالكي، أن الردة بمجردها تبطل العمل، كما قاله الحطاب الرعيني(48). لكن قال الشوكاني: والتقييد بقوله: ﴿فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ﴾ يفيد أن عمل من ارتد، إنما يبطل إذا مات على الكفر.(49)

ثانياً: الأحكام التي ترجع إلى مال المرتد:

الأحكام التي ترجع إلى مال المرتد ثلاثة، وتفصيلها كالتالي:

الحكم الأول من الأحكام التي ترجع إلى مال المرتد: مِلك المرتد:

من ارتد عن الإسلام،لم يزل ملكه، فيكون ما اكتسبه المرتد فيئاً للمسلمين، فيوضع في بيت المال؛ لأن كسبه ليس فيه حق لأحد، فكان فيئا كمال الحربي، فإن عاد المرتد بعد أن حكم بلحاقه إلى دار الإسلام، مسلما فما وجده في يد ورثته، أو في بيت المال من ماله بعينه أخذه وهذا قول الجمهور(50)، بخلاف الحنفية، القائلين بان المرتد يزول ملكه. فقد جاء في اللباب للحنفية: "ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته، لزوال عصمة دمه، فكذا عصمة ماله"(51). إلا أن الحنفية قد نصوا كذلك، على أن زوال ملك المرتد، إنما هو زوالٌ موقوف، إلى أن يتبين حاله، إمّا عودته إلى الإسلام، أو موته مرتدا(52). قال المرغياني: "ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالاً مراعى، فإن أسلم عادت إلى حالها"(53).

ومن أقوال الجمهور في عدم زوال ملك المرتد، ما قاله أبو النجا الحجاوي: "ومن ارتد لم يزل ملكه...وإن مات أو قتل مرتداً صار ماله فيئاً من حين موته(54). وقال ابن قدامة: "وإذا ارتد لم يزل ملكه؛ لأنه سبب مبيح لدمه، فلم يزل ملكه كزنا المحصن"(55). وقال أيضاً: "فعلى هذا إن قتل أو مات زال ملكه بموته، وإن راجع الإسلام فملكه باقٍ له"(56).

وأما إن لحق المرتد بدار الحرب فيكون ما معه من مالٍ مباحاً لمن قدر عليه؛ لأنه زال العاصم له، فأشبه مال الحربي الذي في دار الحرب، وبالنسبة لماله الذي في دار الإسلام، فملكه ثابت فيه ويتصرف فيه الحاكم بما يرى المصلحة فيه.(57)

الحكم الثاني من الأحكام التي ترجع إلى مال المرتد: ميراث المرتد:

قد نص الحنفية على أن ميراث المرتد، يكون ميراثا لورثته المسلمين.(58) ونص المالكية والشافعية، على أن ميراثه يكون لبيت مال المسلمين. قال مالك: "وإن مات على ارتداده كان ذلك لجميع المسلمين ولا يكون لورثته"(59). وقال المزني الشافعي: "وميراث المرتد لبيت مال المسلمين ولا يرث المسلم الكافر"(60). وقال الشافعي بطريق السؤال والجواب: "أفيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال: بل كافر. قلنا: فحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يرث مسلم كافرا ولا يرث كافر مسلما"(61).

الحكم الثالث من الأحكام التي ترجع إلى مال المرتد: ديون المرتد:

الدَّين الذي لزم المرتد، يقضى من ماله؛ لأنا إن قلنا ببقاء ملكه أو أنَّ ملكه موقوف فلا إشكال في أنه يقضى منه، وإن قلنا بزوال ملكه، فهذا لا يمنع من قضاء دينه إن مات، لأنّ الدين يقدم على حق الورثة.(62)

ومن نصوص الفقهاء في ديون المرتد، ما يلي:

- جاء في اللباب للحنفية: "وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام وما لزمه من الديون في حال ردته يقضى مما اكتسبه في حال ردته"(63).

- وجاء في الأم للشافعية: "وإذا كان على المرتد دين ببيّنة قبل الردة ثم ارتد قضى عنه دينه إن كان حالاًّ، وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله إلا أن يموت فيحِلُّ بموته"(64).

- وجاء في الشرح الكبير للحنابلة: "ذا مات أو قتل(أي المرتد)فإنه يبدأ بقضاء ديونه وأرش جنايته ونفقة زوجته وأقاربه الذين تلزمه مؤنتهم؛ لأن هذه الحقوق لا يجوز تعطيلها"(65).

وأما الدَّين الذي يكون للمرتد: فلا يخلو من أن يكون حالًّا، أو مؤجلاً، فإن كان حالًّا: أخذ ممن هو عليه ويوقَفُ في ماله، وإن كان إلى أجلٍ فهو إلى أجله، فإذا حلَّ وُقِف كذلك، فإن مات المرتد قبل ذلك أو قتل على ردته، فيكون الدين إلى أجله، فإذا قبض كان فيئاً.(66)

ثالثاً: الأحكام التي ترجع إلى ولد المرتد:

لا يخلو ولد المرتد، من أن يكون مولودا في الإسلام أو في الردة، فإن كان مولودا في الإسلام بأن ولد للزوجين ولد وهما مسلمان، ثم ارتدا، فلا يحكم بردته ما دام في دار الإسلام؛ لأنه لما ولد وأبواه مسلمان فقد حكم بإسلامه تبعا لأبويه، فلا يزول بردتهما لتحول التبعية إلى الدار، إذ الدار وإن كانت لا تصلح لإثبات التبعية ابتداء عند استتباع الأبوين تصلح للإبقاء؛ لأنه أسهل من الابتداء فما دام في دار الإسلام يبقى على حكم الإسلام تبعا للدار، وإن كان مولودا في الرِّدة بأن ارتد الزوجان ولا ولد لهما ثم حملت المرأة من زوجها بعد ردتها وهما مرتدان على حالهما فهذا الولد بمنزلة أبويه له حكم الردة.(67)

وقال صاحب التاج والإكليل لمختصر خليل: "أما ولد المرتد فلا يلحق به في الردة، إذا كان صغيرا إذ تبعية الولد لأبيه، إنما تكون في دين يُقَرَّ عليه"(68) الدين الذي يقر عليه هو الإسلام.

وقد نص الشربيني كذلك على أن الولد إن كان مولودا في الإسلام، فهو مسلم، وإن كان مولودا في الردة، فقيل: هو مسلم لبقاء علقة الإسلام في والديه، وقيل: هو مرتد تبعاً لهما، قال وهو الأظهر.(69)

وقد بيَّن ابن قدامة، أنه إذا ارتد أحد الوالدين، وبقي الآخر، فإنه يحكم للولد بالإسلام، ويتبع المسلم منهما، فقال: "الولد يتبع أبويه في الدين، فإذا اختلفا وجب أن يتبع المسلم منهما كولد المسلم من الكتابية؛ ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى، ويترجح بأشياء، منها: أنه دين الله الذي رضيه لعباده وبعث به رسله ودعا خلقه إليه، ومنها: أنه تحصل به السعادة في الدنيا والآخرة ويتخلص به في الدنيا من القتل والاسترقاق وأداء الجزية وفي الآخرة من سخط الله وعذابه، ومنها: أن الدار دار الإسلام يحكم بإسلام لقيطها ومن لا تعرف حاله فيها"(70). قلت: فالحكم للولد بالإسلام أولى من اللقيط، وممن لا تعرف حاله.

رابعاً: الأحكام التي ترجع إلى تصرفات المرتد:

لا يخلو المرتد من أن يكون قد لحق بدار الحرب، أم لم يلحق به، فإن كان قد لحق بدار الحرب، فتصرفاته -من بيعٍ، وشراءٍ، وعتقٍ، ورهنٍ، وغير ذلك- باطلة، وإن كان لم يلحق بدار الحرب، فتصرفاته موقوفة، فإن أسلم صحت عقوده.(71)

فقد نصَّ المرغياني الحنفي: على أن تصرفات المرتد على أقسام:

1. نافذ بالاتفاق: كالاستيلاد والطلاق؛ لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وتمام الولاية.

2. باطل بالاتفاق: كالنكاح والذبيحة؛ لأنه لا ولاية ولا ملة له.

3. موقوف بالاتفاق: كالبيع والشراء والرهن والإجارة والهبة والإعتاق والتدبير.(72)

وأما جناية المرتدة على غيره: فإن كانت عمداً، ويجري فيه القصاص، فصاحبه بالخيار بين القصاص منه، أو الأخذ من ماله بقدر الجناية، وإن كانت خطأ، فهي من ماله. قال الشافعي: "وإذا جنى المرتد في حال ردته على آدمي جناية عمدا في مثلها قصاص فالمجني عليه بالخيار: في أن يقتص منه أو يأخذ قدر الجناية من ماله الذي كان له قبل الردة و ما اكتسب بعدها... وإن كانت الجناية خطأ فهي في ماله"(73).

وأما ما يتلفه المرتد على غيره: فهو مضمون عليه. قال ابن قدامة: "وما يتلفه المرتد مضمون عليه لأنه التزم حكم الإسلام بإسلامه و اعترافه به فلا يسقط عنه بجحده كمن جحد الدين بعد إقراره به"(74). وقال الحجاوي: "ويضمن ما أتلفه لغيره ولو في دار حرب، وسواء كان المتلف واحدا أو جماعة صار لهم منعة أولا"(75).

الخاتمة:

الأحكام الشرعية التي تترتب على المرتد، تدل على أن من ارتد على الإسلام ولحق بالكافرين والمشركين، فإنه يستحق الذل والصغار، بخلاف ما كان عليه في الإسلام من العزة والاعتبار، وهذه أحكام الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8].

والله تعالى أعلم، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلّم

كتبه الفقير إلى عفو ربه/ يونس عبد الرب فاضل الطلول.

بتاريخ 23 شعبان 1428هـ الموافق 4/ 9/ 2007م.

__________________________

(1) التعاريف 1/ 361.

(2) مغني المحتاج 4/ 133.

(3) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59، الشرح الكبير 10/ 72.

(4) بدائع الصنائع 6/ 118.

(5) المصدر السابق.

(6) اللباب في شرح الكتاب 4/ 19، وانظر: تحفة الملوك 1/ 193، وانظر: الهداية 1/ 406.

(7) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 18/ 298، وانظر: تفسير القرطبي 3/ 40.

(8) مغني المحتاج 4/ 140.

(9) منار السبيل 2/ 272.

(10) الإقناع 4/ 301،وانظر: زاد المستقنع 1/ 682، وانظر: الروض المربع 1/ 682، وانظر: الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59. وانظر: الشرح الكبير10/ 81. تحفة الملوك 1/ 193. الهداية 1/ 406.

(11) المعنى: قصة مغربة وخبر غريب، الموطأ 3/ 324.

(12) الموطأ - رواية محمد بن الحسن 3/ 324، برقم: 868.

(13) الفتاوى الكبرى 5/ 535، الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59، العمدة 1/ 561.

(14) الإقناع 4/ 302.

(15) الروض المربع 1/ 682.

(16) منار السبيل 2/ 278، وانظر: الشرح الكبير 10/ 87.

(17) مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل 18/ 7.

(18) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59. العمدة 1/ 561.

(19) بدائع الصنائع 6/ 118.

(20) انظر: بداية المجتهد 1/ 1263.

(21) الشرح الكبير للشيخ الدردير 2/ 205.

(22) مختصر المزني 1/ 275.

(23) الأم 6/ 229.

(24) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59.

(25) الشرح الكبير10/ 103.

(26) منار السبيل 2/ 272.

(27) سبل السلام 1/ 184.

(28) انظر: بدائع الصنائع 6/ 118.

(29) المعجم الأوسط 4/ 268، برقم: 4163. قال الألباني: صحيح، انظر: فقه السيرة للغزالي، تحقيق الألباني 1/ 318، برقم: 318.

(30) انظر: بدائع الصنائع 6/ 118.

(31) بداية المجتهد 1/ 1263.

(32) مختصر المزني 1/ 275.

(33) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59.

(34) صحيح البخاري 3/ 1098، برقم: 2854.

(35) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59.

(36) بداية المجتهد 1/ 1263. الشرح الكبير 10/ 76. الإقناع 4/ 301. منار السبيل 2/ 272. وانظر: سبل السلام 1/ 184.

(37) هذا الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 1/ 48، برقم: 135. قال الألباني: ضعيف، ضعيف أبي داود 1/ 255، برقم: 516.

(38) الأم 6/ 233.

(39) انظر: التحرير والتنوير 1/ 605.

(40) انظر: بدائع الصنائع 6/ 125.

(41) بدائع الصنائع 6/ 118، وانظر: الإقناع 4/ 305، وانظر: الشرح الكبير 10/ 103، وانظر: الكافي في فقه ابن حنبل4/ 59.

(42) الإقناع 4/ 305.

(43) بدائع الصنائع 6/ 118.

(44) انظر: الأم 6/ 229.

(45) الأم 6/ 228.

(46) بدائع الصنائع 6/ 118، وانظر: الهداية 1/ 406، وانظر: تفسير القرطبي 3/ 40.

(47) انظر: مغني المحتاج 4/ 133، وانظر: فتح القدير 1/ 331.

(48) مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل 3/ 323.

(49) فتح القدير 1/ 331.

(50) مغني المحتاج 4/ 142. الإقناع 4/ 305.

(51) اللباب في شرح الكتاب 4/ 19.

(52) انظر: اللباب في شرح الكتاب 4/ 19.

(53) الهداية 1/ 406، وانظر: تحفة الملوك 1/ 193.

(54) الإقناع 4/ 305.

(55) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59.

(56) الشرح الكبير 10/ 98.

(57) انظر: الشرح الكبير 10/ 100.

(58) المبسوط 7/ 586.بدائع الصنائع 6/ 121.

(59) المدونة الكبرى 2/ 596.

(60) مختصر المزني 1/ 152.

(61) الأم 7/ 595، والحديث أخرجه البخاري، بلفظ: «لا يرث المؤمن الكافر ولا يرث الكافر المؤمن» حيح البخاري 4/ 1560، برقم: 4032.

(62) انظر: بدائع الصنائع 6/ 121. مغني المحتاج 4/ 142.

(63) اللباب في شرح الكتاب 4/ 19.

(64) الأم 6/ 228.

(65) الشرح الكبير 10/ 100.

(66) انظر: الأم 6/ 228.

(67) بدائع الصنائع 6/ 125.

(68) التاج والإكليل لمختصر خليل 12/ 53.

(69) مغني المحتاج4/ 142.

(70) الشرح الكبير10/ 103.

(71) انظر: الهداية 1/ 406.

(72) انظر: الهداية 1/ 406، وانظر: تحفة الملوك1/ 194. وانظر: اللباب في شرح الكتاب 4/ 19.

(71) الأم 6/ 227.

(74) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59. وانظر: مختصر المزني 1/ 346. المغني 4/ 272. الشرح الكبير10/ 101.

(75) الإقناع 4/ 305.

المصدر:





LihatTutupKomentar