Hukum Belajar Sains: Kedokteran, Matematika, Pertanian

Hukum Belajar Sains: Kedokteran, Matematika, Pertanian, komputer, biologi, fisika, kimia dan lain-lain menurut syriah Islam
Hukum Belajar Sains: Kedokteran, Matematika, Pertanian
Hukum Belajar Sains: Kedokteran, Matematika, Pertanian, komputer, biologi, fisika, kimia dan lain-lain menurut syriah Islam

ثانياً: حكم تعلم الطب والاشتغال به

كذلك بعد أن أجمع العلماء على مشروعية تعلم الطب والاشتغال به، اختلفوا في حكمه على قولين، هما:

1. تعلم الطب والاشتغال بذلك والتخصص في أقسامه المختلفة من فروض الكفاية.

2. تعلم الطب والاشتغال به مستحب.

من قال بعدم فرضيته على الكفاية، وأدلتهم، وأقوالهم

ممن ذهب إلى أن علم الطب ليس من فروض الكفاية العلامة ابن القيم رحمه الله، حيث قال: (أما فرض الكفاية فلا أعلم فيه ضابطاً صحيحاً، فإن كل واحد يدخل في ذلك ما يظنه فرضاً، فيدخل بعض الناس في ذلك علم الطب، وعلم الحساب، وعلم الهندسة والمساحة، وبعضهم يزيد على ذلك علم أصول الصناعة كالفلاحة، والحياكة، والحدادة، والخياطة، ونحوها.. وكل ذلك هوس وخبط، فلا فرض إلا ما فرض الله ورسوله).

ثم علل لذلك بعلة عليلة، حيث سوى بين فرض الكفاية وفرض العين، قائلاً: (فيا سبحان الله هل فرض الله على كل مسلم أن يكون طبيباً، حجاماً، حاسباً، مهندساً، أوحائكاً، أوفلاحاً، أونجاراً، أوخياطاً؟ فإن فرض الكفاية كفرض العين في تعلقه بجميع المكلفين، وإنما يخالفه في سقوطه بفعل البعض.

إلى أن قال: فإن قال: المجموع فرض على المجموع، لم يكن قولك: إن كل واحد منها فرض كفاية صحيحاً، لأن فرض الكفاية يجب على العموم).51

فرض الكفاية فرض على الأمة في مجموعها، وليس على كل فرد فيها، فإذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين، وإذا احتاجت الأمة إليه ولم يقم به أحد من أفرادها أثمت جميعاً، لتباطئها وتقصيرها في أمر به قوام اثنين من الضرورات الخمس التي شرع الله جميع الشرائع للمحافظة عليها، وهما: النفس والعقل.

ولهذا فإن فرض الكفاية له تعلق بالجميع من ناحية، وبالفرد من ناحية أخرى، وبين الأمرين خصوص وعموم.

فعلى الفرد فهو واجب على من هو مهيأ له قادر عليه، وعلى العامة أن يحثوه على ذلك ويحضوه عليه، فإذا قصر المهيأ القادر على الواجب المعين عليه أثم، وإذا قصرت العامة في حمله على ذلك أثمت.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله: (طلب الكفاية يقول العلماء بالأصول إنه متوجه على الجميع، لكن إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وما قالوه صحيح من جهة كلي الطلب، وأما من جهة جزئيه ففيه تفصيل).52

قال الشيخ محمد عبد الله دراز موجهاً ومبيناً لمراد الشاطبي رحمهما الله: (أي باعتبار مجموعة فروض الكفايات، وإلا فهذا إنما يتوجه على بعض المكلفين المتأهلين للقيام به، ويتفرع على هذا إنه إذا لم يقم به أحد فإن الإثم لا يعم المكلفين بل يخص المتأهلين فقط، هذا مراده.. وهذا غير الخلاف بين الأصوليين في أنه متوجه على الكلي الإفرادي كمـا هو التحقيق، أوالمجموعي كما هو مقابله).53

استدل القائلون بعدم فرضية تعلم الطب البحت التجريبي بأن التداوي ليس واجباً عند الجمهور، وأن عدداً من الصحابة والسلف آثر الصبر على تعاطي الدواء، وأقروا على ذلك، كإقراره صلى الله عليه وسلم للجارية التي كانت تصرع، وهذه كلها حوادث عين لا ينبني عليها حكم عام يشمل جميع أفراد الأمة، بدليل عدم دخول عمر ومن معه في الطاعون عندما نزل بالشام، على الرغم من إصرار أبي عبيدة ومعاذ وغيرهما على البقاء فيه.

بداية الصفحة

القائلون بفرضية تعلم الطب التجريبي البحت بأقسامه المختلفة، بما في ذلك الجراحة وصناعة الدواء على الكفاية، وأدلتهم، وأقوالهم

ذهب العامة من أهل العلم المقتدى بهم قديماً وحديثاً إلى أن تعلم الطب التجريبي البحت بأقسامه المختلفة وتخصصاته المتنوعة، وما يتعلق به من التشخيص وصناعة الأدوية - لأن ما سوى ذلك من أنواع الطب كالطب النبوي والأدعية والرقى لا نزاع فيه – من فروض الكفاية.

منهم على سبيل المثال لا الحصر من يأتي:

الإمام الشافعي رحمه الله.

الإمام ابن الجوزي رحمه الله.

الإمام النووي رحمه الله.

إمام الحرمين ابن الجويني رحمه الله.

الإمام أبو إسحاق الإسفرائيني رحمه الله.

الإمام الغزالي رحمه الله.

الإمام عبد الرحمن أبو الفضل الشهير بطبيب السنة.

الإمام المازري رحمه الله.

الإمام محمد القرشي المعروف بابن الإخوة (648-729هـ) رحمه الله.

الإمام موفق الدين البغدادي المعروف بابن اللبَّاد المتوفى 629هـ رحمه الله.

الإمام السيوطي رحمه الله.

الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله.

السيد صديق بن حسن خان المتوفى 1307هـ رحمه الله.

الإمام الرافعي الشافعي رحمه الله.

ابن قدامة الحنبلي رحمه الله.

ابن الحاج المالكي رحمه الله.

الشيخ أبوبكر الجزائري.

بداية الصفحة

تعريف فرض الكفاية

في بداية الأمر لابد من تعريف فرض الكفاية.

قال السيوطي: (قال الرافعي وغيره: فروض الكفاية أمور كلية، تتعلق بها مصالح دينية أودنيوية، لا ينتظم الأمر إلا بحصولها، فطلب الشارع تحصيلها، لا تكليف واحد منها بعينه، بخلاف العين، وإذا قام به من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين، أوأزيد على من يسقط به، فالكل فرض، أوتعطل، ثم كل من قدر عليه إن علم به، وكذا إن لم يعلم، إذا كان قريباً منه، يليق به البحث والمراقبة، ويختلف بكبر البلد، وقد ينتهي خبره إلى سائر البلاد، فيجب عليهم، وللقائم به مزية على القائم بالعين لإسقاط الحرج عن المسلمين بخلافه).54

وقال صديق حسن خان معرفاً فرض الكفاية: (والعلوم التي هي فرض كفاية على المشهور كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمر الدنيا وقانون الشرع، كفهم الكتاب والسنة وحفظهما من التحريفات، ومعرفة الاعتقاد بإقامة البرهان عليه، وإزالة الشبهة، ومعرفة الأوقات والفرائض، والأحكام الفرعية، وحفظ الأبدان55، والأخلاق، والسياسة، وكل ما يتوصل به إلى شيء من هذه كعلم اللغة، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان).56

بداية الصفحة

متى يكون التهاون في فرض الكفاية أخطر من التهاون في فرض العين؟

في بعض الأحيان قد يكون التهاون في فرض الكفاية والتفريط في تركه والتواطؤ على ذلك أخطر وأضر على الأمة بأسرها من الفرض العين، ويظهر ذلك جلياً في تواطؤ المسلمين في هذا العصر على ترك الجهاد وترك الأمر والنهي، والتقاعس عن التقدم الصناعي والعسكري، الذي أضحى سبباً لذل الأمة واستكانتها وخضوعها للكفار، وتداعيهم عليها، لتعدي الضرر على الأمة كلها.

بل لقد ادعى بعض أهل العلم فضل بعض فروض الكفاية على فروض العين وإن لم يكن هناك تواطؤ وتقاعس عنها، منهم إمام الحرمين ووالده، والأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني وغيرهم.57

قال إمام الحرمين عبد الملك بن الجويني عن منزلة فروض الكفايات: (ثم الذي أراه أن القيام بما هو من فروض الكفايات أحرى بإحراز الدرجات، وأعلى في فنون القربات من فرائض الأعيان، فإن ما تعين على المتعبد المكلف لو تركه ولم يقابل أمر الشارع فيه بارتسام، اختص المأثم به، ولو أقامه فهو المثاب، ولو فرض تعطيل فرض من فروض الكفايات، لعم المأثم على الكافة على اختلاف الرتب والدرجات، فالقائم به كافٍ لنفسه، وكافة المخاطبين الحرجَ والعقابَ، وآمل أفضل الثواب، ولا يهون قدر من يحل محلَّ المسلمين أجمعين في القيام لمهمٍ من مهمات الدين).58

ويظهر ذلك جلياً أيضاً فيما نحن بصدده، فإذا عزف المسلمون عن تعلم الطب والتبحر فيه، واتكلوا على الكفار والمشركين في ذلك، اضطر كثير من المسلمين للذهـاب إليهم، والكفار لا يؤمن مكرهم، ولا يجوز تمكينهم من النظر لعـورات المسلمين نساءً ورجالاً إلا في حالات الضرورة.

قال ابن الحاج المالكي محذراً من الركون إلى الأطباء الكفار والاطمئنان إليهم: (وأشد مما تقدم في القبح وأشنع ما ارتكبه بعض الناس في هذا الزمان من معالجة الطبيب والكحال الكافرين اللذين لا يرجى منهما نصح ولا خير بل يقطع بغشهما وأذيتهما لمن ظفروا به من المسلمين، سيما إن كان المريض كبيراً في دينه أوعلمه، أوهما معاً، فإن القاعدة عندهم في دينهم أن من نصح منهم مسلماً فقد خرج عن دينه، وأن من استحل السبت فهو مهدر الدم عندهم حلال لهم سفك دمه).59

مما يدلك على صحة ما ذهب إليه ابن الحاج ما حُكِي عن الإمام المازري رحمه الله، حيث مرض مرضاً فلم يجدوا أحداً يداويه إلا يهودي كانت بينه وبينه مناظرات ومجادلات في الدين، فقال اليهودي: لولا شرف المهنة لقتلته؛ فحفزت هذه الكلمة الإمام المازري وشجعته على تعلم الطب، فكان يفتي فيه كما يفتي في الفقه، فينبغي على طائفة من المسلمين الأطباء أن يتخصصوا في كل مجالات الطب، حتى لا يحوجوا المسلمين للذهاب إلى الأطباء الكفار.

ومما يؤسف له أن بعض الأطباء الكفار معاملتهم أفضل بكثير من معاملة نفر من الأطباء المسلمين، مما يحدث فتنة للبعض تجعلهم بسبب ذلك يفضلون التداوي عند الطبيب الكافر مع وجود غيره من المسلمين، فلينتبه الأطباء المسلمون لذلك، وليحذروا أن يكونوا فتنة لإخوانهم المسلمين.

بداية الصفحة

الأدلة على أن تعلم الطب بفروعه المختلفة والتخصص في ذلك من فروض الكفاية

الأدلة على أن تعلم طائفة من المسلمين في أي بلد من بلادهم للطب، والتخصص في ذلك حسب حاجة أهل ذلك البلد، مع الحرص والالتزام بأحكام الشريعة وقواعدها، وعدم الإخلال بذلك، كثيرة منها:

أولاً: حاجة المسلمين لذلك، فقد مر أن اثنين من الضرورات الخمس – وهما النفس والعقل – التي جاءت جميع الشرائع للمحافظة عليها، في حاجة ماسة إلى تعلم الطب ودراسته والتخصص فيه، فما لا يتم الواجب إلا به وما لا تتم الحاجة الماسة إلا به فهو من فروض الكفاية.

ثانياً: أمره صلى الله عليه وسلم لبعض أهل البادية بالتداوي، فعن أسامة بن شريك رضي الله عنهما قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله؟ أنتداوى؟ فقال: نعم، يا عباد الله، تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاء، غير داء واحد. قالوا: ما هو؟ قال: الهرم"60.

وأهل البادية قلة قليلة بالنسبة لأهل الحضر، وكذلك إصابتهم بالأمراض نادرة، فإذا أمروا بذلك فمن باب أولى أهل المدن والحواضر، فهم قوام الأمة، وابتلاهم الله بكثير من الأمراض الحادثة، فحاجتهم إلى التداوي لا تداني حاجة أهل البادية.

ثالثاً: أوجبت طائفة من أهل العلم التداوي أخذاً بالأحاديث التي أمرت بذلك، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

رابعاً: تعاطيه صلى الله عليه وسلم للدواء، وإحضار العديد من الأطباء له ولغيره من الصحابة دليل على أن تعلم الطب من فروض الكفايات.

خامساً: أمره لسعد بن أبي وقاص أن يأتي الحارث بن كلدة، وكان كافراً، دليل على حاجة المسلمين للأطباء وللتداوي ولو عند كافر، يوجب تعلم طائفة منهم لهذا العلم حتى يرفعوا عن الأمة الحرج.

سادساً: تعلم عدد من سلف هذه الأمة للطب، سيما الأئمة، دليل على حاجة المسلمين إليه، وهو دليل ضمني على اعتباره عندهم أنه من فروض الكفاية، منهم على سبيل المثال لا الحصر:

أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

الإمام الشافعي رحمه الله.

طبيب أهل السنة وهو عبد الرحمن أبو الفضل رحمه الله.

ابن تيمية رحمه الله.

ابن القيم رحمه الله.

الإمام الذهبي رحمه الله.

الإمام المازري رحمه الله.

ابن اللباد رحمه الله.

وغيرهم كثير.

سابعاً: إذا كان تعلم الحياكة والسباكة ونحوهما من فروض الكفاية، فمن باب أولى الطب.

بداية الصفحة

أقوال أهل العلم المقتدى بهم في أن تعلم الطب من فروض الكفاية

1. الإمام الشافعي رحمه الله

قال الربيع: قال الشافعي: (العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان).61

وقال كذلك: (لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب).62

روي عن بعض الأطباء في زمن الشافعي أنه قال: (ورد الشافعي مصر فذاكرني بالطب حتى ظننت أنه لا يحسن غيره).63

وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: (شيئان أغفلهما الناس: العربية والطب).64

وقال عنه الإمام موفق الدين البغدادي: (كان – أي الشافعي- مع عظمته في علم الشريعة، وبراعته في العربية، بصيراً بالطب).65

بداية الصفحة

2. الإمام النووي رحمه الله

قال: (وأما العلوم العقلية فمنها ما هو فرض كفاية كالطب والحساب المحتاج إليهما).66

بداية الصفحة

3. الإمام الغزالي رحمه الله

قال الغزالي: (فالعلوم التي ليست بشرعية تنقسم إلى ما هو محمود، وإلى ما هو مذموم، وإلى ما هو مباح، فالمحمود ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا، كالطب والحساب، وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية، وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة، أما فرض الكفاية فهو علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب، إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب، فإنه ضروري في المعاملات، وقسمة الوصايا، والمواريث، وغيرها، وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى، وسقط الفرض عن الآخرين.

فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من فروض الكفايات، فإن أصول الصناعات أيضاً من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة، بل الحجامة والخياطة، فإنه لو خلا البلد من الحجام67تسارع الهلاك إليهم، وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك، فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأرشد إلى استعماله، وأعد الأسباب لتعاطيه، فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله).68

بداية الصفحة

4. ابن الجوزي رحمه الله

بداية الصفحة

5. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي المتوفى 742هـ

قال ابن قدامة في اختصاره لمنهاج القاصدين لابن الجوزي: (وأما فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا، كالطب).69

بداية الصفحة

6. الوزير ابن هبيرةرحمه الله 70

قال ابن مفلح: (وذكر ابن هبيرة أن علم الحساب والطب والفلاحة فرض على الكفاية).71

بداية الصفحة

7. الإمام السيوطي رحمه الله

قال وهو يعدد في أنواع فروض الكفاية: (والطب، والحساب المحتاج إليه في المعاملات، والإرث، والوصايا، ونحوها).72

بداية الصفحة

8. صديق حسن خان رحمه الله المتوفى 1307هـ

قال وهو يعدد في فروض الكفاية: (والعلوم التي هي فروض كفاية على المشهور كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمر الدنيا وقانون الشرع، كفهم الكتاب والسنة وحفظهما من التحريفات.. وحفظ الأبدان والأخلاق والسياسة).73

بداية الصفحة

9. الشيخ أبوبكر الجزائري

وقال الشيخ أبو بكر الجزائري: (العلوم الكونية، والتي تعرف أيضاً بالعلوم الطبيعية، وهي أنواع شتى منها: علم الكيمياء، وعلم النبات، وعلم الأحياء، والطب والصناعة.

ثم قال: فتعلم العلوم الكونية قد يكون واجباً كفائياً، بحيث إذا وجد في الأمة الإسلامية من يحسنه ويعلمه سقط الواجب عن باقي أفراد الأمة فلا يطالب به أحد، ولا يؤاخذ على تركه آخر، شأنه شأن سائر الواجبات الكفائية، وقد يكون واجباً عينياً في حال انعدام من يحسنه).84

بداية الصفحة

10. الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله

قال بعد أن ذكر عدداً من أقوال الأئمة المقتدى بهم من أن تعلم الطب من فروض الكفاية: (وهذا الحكم الذي نص عليه فقهاء الإسلام – رحمهم الله – أي فرضية تعلم الطب وتعليمه على الكفاية – عام شامل للجراحة لاندراجها في الطب، وهي فرع من فروعه، والحاجة الموجودة إلى الطب التي بني عليها هذا الحكم موجودة في الجراحة أيضاً.

إلى أن قال: فتبين من هذا كله فرضية تعلم الطب والجراحة على وجه الكفاية، وأن الشريعة الإسلامية لا تمانع من ذلك، ولا عجب في هذا الحكم من الشريعة، وهذه العناية من فقهائها المتمثلة في ندبهم المسلمين إلى تعلم الطب وتعليمه وتطبيقه، فهو العلم الذي جعل الله فيه وفي تطبيقه المصالح والمنافع الجليلة).74

بداية الصفحة

هل هذا الحكم يشمل التخصص الدقيق لأقسام الطب وفروعه أم هو قاصر على الدراسة العامة له؟

قولان لأهل العلم:

1. هذا الحكم قاصر على دراسة الطب العامة.

2. هذا الحكم يشمل دراسة الطب العامة والدقيقة، لأن حاجة طائفة من المسلمين للتخصصات الدقيقة لا تقل عن حاجتهم للتخصص العام، فالتخصص في مجالات الطب المختلفة، والتعمق في الأبحاث العلمية التي تعين على ذلك، لا تقل أهميتها في هذا العصر الذي كثرت فيه الأمراض وتعددت وتعقدت عن دراسة المقدمات والقواعد العامة لهذا العلم، وهذا هو الراجح، والله أعلم.

قال الإمام الغزالي وهو من القائلين بأن التخصصات الدقيقة لا تدخل في فرض الكفاية: (وأما ما يعد فضيلة لا فريضة فالتعمق في دقائق الحساب، وحقائق الطب، وغير ذلك مما يستغنى عنه، ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه)75، قلت: قوله: "مما يستغنى عنه"، فالتخصصات الدقيقة أصبح لا غنى عنها اليوم، وكذلك قوله: "ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه"، ففيه إلماحة بالحاجة إليه، ومن ثم يدخل في فرض الكفاية، والله أعلم.

وقال الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي، وهو ممن يرى عدم الاقتصار على تعلم الطب العام: (فإذا كانت هذه الحاجة موجودة في البلدان الإسلامية، فإنه يتعين على ولاة أمورها تجنيد الأكفاء الأخيار من المسلمين لتعلم الطب وتعليمه وتطبيقه، ولا ينبغي لهم البقاء على هذه الحالة التي اتكلوا فيها على أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، لما في ذلك من الأضرار الدينية والدنيوية الكثيرة التي لا تخفى).76

بداية الصفحة

فروض الكفاية تتأكد فرضيتها وتزداد أهميتها حسب حاجة المسلمين إليها

فروض الكفاية ليست بمستوى واحد، فتخصص طائفة من المسلمين في العلوم الشرعية والعربية، لقوله تعالى: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ"77، وكذلك جهاد الكفار الصائلين، وحماية الحدود والثغور، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في مقدمات فروض الكفاية، ثم يتدرج الأمر فيها حسب حاجة المسلمين إليها.

ولا ينبغي أن يخلو البلد أوالمدينة من أطباء يقومون بالواجب، أما إذا كثر عدد الأطباء وزاد عددهم على حاجة البلد، بينما كانت حاجة المسلمين للتخصصات الشرعية ماسة، تعين على طائفة من الطلاب الأخيار المبرزين تعلم العلوم الشرعية، سواء كان ذلك في الحلقات والدروس والدورات في المساجد أوغيرها، وهي الأفيد والأسرع في سد النقص، أوكان ذلك بالالتحاق بكليات الشريعة والعلوم الإسلامية والعربية المحتاج إليها، وإلا يكون المتقدمون لدراسة الطب والهندسة مع هذا القصور الواضح الفاضح آثمون.

وينبغي لولاة الأمر أن يراعوا هذا التوازن في حاجات مجتمعاتهم وبلادهم، ولا ينبغي لولاة الأمر من الوالدين ونحوهم أن يمنعوا أولادهم من ذلك، وإلا كانوا من المعاونين على الإثم والعدوان.

قال العلامة صديق حسن خان: (ثم إنه تختلف فروض الكفاية في التأكد وعدمه بحسب خلو الأعصار والأمصار من العلماء، فرب مصر78لا يوجد فيه من يقسم الفريضة إلا واحد أواثنين، ويوجد فيه عشرون فقيهاً، فيكون تعلم الحساب فيه آكد من أصول الفقه).79

وقال الغزالي لائماً فقهاء عصره بالتوسع في بعض فروع الفقه وإهمالهم لبعض أعمال القلوب التي تكون من فروض العين، وكذلك خلو بعض البلاد من الأطباء إلا من أهل الذمة: (ولو سئل فقيه عن معنى من هذه المعاني حتى عن الإخلاص مثلاً، أوعن التوكل، أوعن وجه الاحتراز من الرياء، لتوقف فيه مع أنه فرض عينه الذي في إهماله هلاكه في الآخرة، ولو سألته عن اللعان، والظهار، والسبق، والرمي، لسرد عليك مجلدات من التعريفات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يحتاج إلى شيء منها، وإن احتيج لم تخل البلد عمن يقوم بها ويكفيه مؤونة التعب فيها، فلا يزال يتعب فيها ليلاً ونهاراً، وفي حفظه ودرسه يغفل عما هو مهم في نفسه في الدين، وإذا روجع فيه قال: اشتغلت به لأنه علم الدين وفرض الكفاية، ويُلبِّس على نفسه وعلى غيره في تعلمه، والفطن يعلم أنه لو كان من فرضه أداء حق الأمر في فرض الكفاية لقدم عليه فرض العين، بل قدم عليه كثير من فروض الكفايات، فكم من بلدة ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة، ولا يجوز قبول شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه، ثم لا نرى أحداً يشتغل به، ويتهارون على علم الفقه لا سيما الخلافيات والجدليات، والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى والجواب عن الواقع، فليت شعري كيف يرخص فقهاء الدين بالاشتغال في فرض كفاية قد قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به؟ هل لهذا سبب إلا أن الطب ليس يتيسر الوصول به إلى الأوقاف، والوصايا، وحيازة مال الأيتام، وتقلد القضاء والحكومة، والتقدم به على الأقران، والتسلط به على الأعداء؟ هيهات هيهات، قد اندرس علم الدين بتلبس علماء السوء، فالله تعالى المستعان، وإليه الملاذ في أن يعيذنا من هذا الغرور الذي يسخط الرحمن ويضحك الشيطان).

المصدر

***

التنوع والتوازن بين المقررات التعليمية

يقرِّر ابن مفلح - رحمه الله تعالى - أنه ينبغي تعلم شتى فروع المعرفة، وعدم الاقتصار على جانب واحد من جوانب العلم والمعرفة، أو الاقتصار على الجانب الشرعي منها فقط، فأشار إلى أنه ينبغي التنوع بين العلوم المختلفة، بل إنه - رحمه الله - أوجب مبدأ التنوع والتوازن بين العلوم، وجعل ذلك من مهمة الآباء في بعض المواضع؛ قال - رحمه الله -: "وكان يقال: من تمام ما يجب للأبناء على الآباء تعليمُ الكتابة والحساب والسباحة"[1]، وأشار إلى هذا التنوع في موضع آخر، فقد نقل عن الحجاج أنه قال "لمعلم ولده: علِّم ولدي السباحة قبل أن تعلمهم الكتابة؛ فإنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم"[2]، وقد صرح - رحمه الله تعالى - بهذا التنوع فيما نقله عن ابن هبيرة أنه قال: "علم الحساب والطب والفلاحة فرض على الكفاية"[3]، ونقل أيضًا عن الغزالي في كتابه فاتحة العلم أنه قال: "علم الطب فرض كفاية، وإنه لا يجوز ترك المداواة، وقد قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: شيئان أغفلهما الناس: العربية والطب، وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: العلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان"[4].

فعِلم الأديان يختص بمعرفة الشرائع الإلهية المتلقاة عن طريق الوحي، أو ما تعبَّد به بعضُ البشر من عبادات لم ينزل بها الله من سلطان، كل هذه داخلة في علم الأديان، أما علم الأبدان فهو العلم الذي يعرف منه أحوال البدن الإنساني لعلاج الأمراض التي تعتريه بدنيًّا ونفسيّا، وحفظ الصحة عليها، وهاتان النعمتان محسود عليهما الإنسان؛ نعمة الأديان، ونعمة الأبدان، وقد أشار المصنف - رحمه الله - إلى هذين العلمين، وأنه ينبغي الاهتمام بهما، والتكامل بينهما، وهذا منطلق تربوي تنطلق منه التربية الإسلامية في تربية وتنشئة أفرادها، حيث التكامل بين متطلبات الروح والجسد، وهو يؤكد العلاقة الوطيدة بين هذين المطلبين اللذين لا يمكن للإنسان الاستغناء عن أحدهما.

وكذلك أشار ابن مفلح - رحمه الله - في موضع آخر إلى التنوع والتوازن في المقررات، فقال - رحمه الله -: "ومنها تعليم الكتاب والسنَّة وسائر العلوم الشرعية وما يتعلق بها من حساب ونحوه بشرطه"[5]، وقال أيضًا في موضع آخر: "وذكر ابن هبيرة - رحمه الله - أن علم الطب فرض على الكفاية، وهذا غريب في المذهب"[6]، وكل ما سبق ذكره يشير إلى التنوع والتوازن بين المقررات.

وقد نقل - رحمه الله - عن أحمد في المسند: "أن عروة كان يقول لعائشة: "يا أمتاه، لا أعجب من فِقهك، أقول: زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر، ولا أعجب من عِلمك بالشِّعر وأيام الناس، أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلمَ الناس أو من أعلمِ الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب، كيف هو؟ ومن أين هو؟ قال: فضربت على منكبيه، وقالت: أي عُرَيَّة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره، وكانت تقدَمُ عليه وفود العرب من كل وجه، فكانت تنعت له الأنعات، وكنت أعالجها؛ فمن ثَم علمتُ"[7]، وهذه الرواية تبين اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بالطب، وهذا واضح فيما نقله ابن مفلح - رحمه الله - عن عائشة رضي الله عنها، ويتضح في هذه الرواية التنوعُ والتوازن بين العلوم عند عائشة - رضي الله عنها.

[1] (المرجع السابق): ج2. ص84.

[2] (المرجع السابق): ج2. ص85.

[3] (المرجع السابق): ج2. ص483.

[4] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2. ص484.

[5] (المرجع السابق): ج4. ص211.

[6] (المرجع السابق): ج4. ص212.

[7] المقدسي، محمد بن مفلح المقدسي. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2. ص484 - 485.

رابط الموضوع:

***

يقول ابن عرفه: ومعرفة ما يجب من الحق لكل ذي حق في التركة يتوقف على علم الحساب. اهـ

وقد اشتهر بعض العلماء بتفوقهم في هذا الفن منهم الحسن بن زياد من أصحاب أبي حنيفة.

يقول الإمام السرخسي عنه: وقد كان له من البراعة في علم الحساب ما لم يكن لغيره من أصحاب أبي حنيفة.

هذا واعتبر العالم الوزير ابن هبيرة أن تعلم علم الحساب كغيره من علوم الطب والزراعة من فروض الكفاية، كما ذكر ذلك عنه ابن مفلح في الآداب الشرعية، فقال: وذكر ابن هبيرة أن علم الحساب والطب والفلاحة فرض على الكفاية. اهـ
LihatTutupKomentar