Meminta Tolong pada Orang Kafir

Meminta Tolong pada Orang Kafir
Meminta Tolong pada Orang Kafir


الاختِصَارُ فِي مَسأَلَةِ الاستِعَانَةِ بِالكُفَّارِ
مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العباد الذي فرض علينا الجهاد , و جعله عزّا في البدء ورفعةً في المعاد, و الصلاة والسلام على محمد النبيَ الأميَ رسول الأميَين و هاديهم , ولكلَ قوم هاد , أما بعد : فقد بحث الفقهاء المتقدمون هذه المسألة , ألا وهي الاستعانة بالكفار في الحرب , و ما يتفرع عنها من مسائل فلم يُجمِعوا على قولٍ واحدٍ , بل اختلفوا في المسألةِ وما يتفرعُ عنها على مذاهبَ, ووضعوا شروطاً مهمَة في حال الاستعانةِ , لكنَ الأمر الذي يذكر هنا أنّهم بحثوا المسألة في زمانٍ كان فيه دولةٌ للمسلمين أو دولٌ عدّة لكنّها ممكّنةٌ و ذاتُ قرارٍ , حيث أنّهم تعرّضوا للمسألة عند عزَ و قوَةِ المسلمين , ولم يتعرَضوا لها عند انكسارهم وضعفهم و تفرَقهم , ومعلومٌ أن الإسلام مرَ بمراحلَ فيما يتعلق بتشريعِ الجهادِ بيَّنها الله عزَ وجلّ في كتابه , و بيَّن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله أو بفعله أو بتقريره طريقة التّعامل مع كل مرحلةٍ و حُكمَها , ولم يَرِد دليلٌ واحدٌ على عدمِ تكرارِ هذه المراحل , بل إن كلَّ الأحكام و القصص والعبر القرآنية و الأحاديثِ النبويّة تدلّ على أن تكرار هذه المراحلِ سنّةُ الله في خلقه , و الأيامُ دولٌ , ثمّ إنّهم بحثوا المسألة و ما يتفرعُ عنها من حيث الاستعانة بشخص الكافر, و أقلوا فيما يتعلّق بالاستعانة بسلاح الكافر أو ماله , كما أن هذه المسألة طرأ عليها في عصرنا نوازلُ لم يتصدَّ لها مجتهدٌ بالبحث و القولِ الفصل , وقد عُرِضَت المسألة في أكثر من مناسبة انتصر فيها كلّ حزب و كلّ كاتب لرأيه معملا الترجيح بين الأقوال و الأدلة , سنحاول هنا إن شاء المولى جلّ وعلا عرض المسألة و ما يتفرع عنها باختصار و التأليف بين أقوال أهل العلم نقلا للعلم وليس اجتهادا جديدا , والله الموفّق والمستعان .
تمهيد :

إنّ الباحث في مسألة الاستعانة بالكفّار في الحرب وما يتفرّع عنها من مسائل لا بدّ له من العلم أولا بمراحل تشريع الجهاد , والّتي تلاءمت مع حال الأمّة قوّة وضعفا منذ بدء الدّعوة حتّى قيام الدّولة , وأنّ هذه المراحل يتكرر العمل بها بتكرر مرور الأمة بهذه الأحوال قوّة وضعفا , وهذه المراحل أربع :

المرحلة الأولى : مرحلةُ الكفِّ عن القتالِ و الجهادُ بالدعوةِ فَقَط, قال تعالى ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً...( (النساء 77) و قال تعالى ) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ((الفرقان 52) جاهدهم به : أي القرآن . قال الإمام القرطبي رحمه الله : ولا خلاف أن القتال كان محظورا قبل الهجرة (تفسير القرطبي 2/347) . وفي هذه المرحلة صحَّ أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم استعانَ بالكفارِ لصدّ أذى أعداء الدعوة من مشركي قريش , كعمهِ أبي طالب , و المُطعِم بن عَدِي الذي استجاره عندما رجع من الطائف , و استجار أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيدَ القارَّة ولم يخرج من مكة , كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بالهجرة إلى الحبشة لاستجارة النجاشي , أي الاستعانة به لكفِّ أذى قريش , كما أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بابن أُريقط و أمِنَه على نفسه و أبي بكر ,كدليل أثناء الهجرة وهو على دين كفار قريش , الذين أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم , هذا كله في مرحلة الضعف .

المرحلة الثانية : مرحلةُ الإذن بالقتال دون أن يُفرض , قال تعالى )أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ((الحج 39) , وهذه المرحلة بدأت و أُذن الله بها بعد الهجرة و تَجَمُّعِ المسلمين في المدينة المنورة , وفي هذه المرحلة ردَّ النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أراد المشاركة في غزوة بدر لأنه مشرك .

المرحلة الثالثة : مرحلةُ الأمر بقتال من يقاتل المسلمين , قال تعالى )وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ( (البقرة 190) ,وهذا الأمرُ جاء بعد أن قويت شوكةُ المسلمين, ولكنهم لا يستطيعون المبادرةَ إلى القتال والبدء به , و استمرت حتى غزوة الخندق , وقد استمرت في هذه المرحلة استعانة المسلمين بالنجاشيّ ولم يأمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالعودة حتى عودة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في آخرهم عند غزوة خيبر .

المرحلة الرابعة : مرحلةُ الأمر ببدء جميع الكفار بالقتال حيثما كانوا حتى يسلموا أو يخضعوا لحكم الإسلام بجزيةٍ وغيرها , قال تعالى)وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ((التوبة 36) , وهذه المرحلة كانت عند عز المسلمين و تمكنهم من معظم جزيرة العرب , وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الآية وما في معناها ناسخة لما قبلها من مراحل الجهاد , ولكن الصحيح أن المراحل لم تنسخ بل هي باقية يلجأ إليها عند الحاجة وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الصارم المسلول2/413) , ولتلميذه ابن القيم رحمه الله كلام هام في هذا المجال .

سنعرض المسألة وما يتفرع عنها من خلال المباحث التالية :

المبحث الأول : التعريف بالاستعانة بالكفار.

المبحث الثاني : الاستعانة بالكفار في غير القتال .

المبحث الثالث : الاستعانة بالكفار في قتال الكفار .

المبحث الرابع : الاستعانة بالكفار في قتال المسلمين .

المبحث الخامس : الاستعانة بالكفار في قتال الخوارج .

المبحث السادس : الاستعانة بسلاح ومال الكفار .

المبحث السابع : الاستعانة بالكفار في الأمور المعنوية .


المبحث الأول
التعريف بالاستعانة بالكفار
أولا : التعريفُ بالاستعانة :

"الاِسْتِعَانَةُ مَصْدَرُ اسْتَعَانَ ، وَهِيَ : طَلَبُ الْعَوْنِ ، يُقَال : اسْتَعَنْتُهُ وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فَأَعَانَنِي (الجوهري ، ولسان العرب مادة (عون )) , وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ , وتَنْقَسِمُ الاِسْتِعَانَةُ إِلَى اسْتِعَانَةٍ بِاَللَّهِ ، وَاسْتِعَانَةٍ بِغَيْرِهِ :

الاِسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهي مَطْلُوبَةٌ فِي كُل شَيْءٍ ,قَال تَعَالَى:) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ((الفاتحة5).
الاِسْتِعَانَةُ بِالْجِنِّ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ ، وَقَدْ تَكُونُ شِرْكًا وَكُفْرًا ، قال تَعَالَى : ) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإْنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ((الجن6).
الاِسْتِعَانَةُ بِالإْنْسِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهَا جَائِزَةٌ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإْثْمِ وَالْعُدْوَانِ ((المائدة 2) ,وَقَدْ يَعْتَرِيهَا الْوُجُوبُ عِنْدَ الاِضْطِرَارِ ، كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي تَهْلُكَةٍ وَتَعَيَّنَتْ الاِسْتِعَانَةُ طَرِيقًا لِلنَّجَاةِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:) وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (( البقرة195)." ( الموسوعة الفقهية الكويتية –استعانة) , أما بالنسبة للمسألة التي هي من الاستعانة فالأصل فيها الكراهة وقد أفرد الإمام مسلم في صحيحه (بابُ كراهةِ المسألةِ للناس) , فيه حديث بيعة النبي صلى الله عليه وسلم لنفرٍ عنده قال :"ولا تسألوا الناس شيئا " قال الراوي :فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إياه.(1043).

ثانيا : الاستعانة بالكفار :

تَجُوزُ الاِسْتِعَانَةُ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِ الْمُسْلِمِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ الْقُرُبَاتِ ، كَتَعْلِيمِ الْخَطِّ وَالْحِسَابِ وَالشِّعْرِ الْمُبَاحِ ، وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فِيمَا لاَ يُمْنَعُ مِنْ مُزَاوَلَتِهِ شَرْعًا . وَلاَ تَجُوزُ الاِسْتِعَانَةُ بِهِ فِي الْقُرُبَاتِ كَالأْذَانِ وَالْحَجِّ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَفِي الأْمُورِ الَّتِي يُمْنَعُ مِنْ مُزَاوَلَتِهَا شَرْعًا ، كَاِتِّخَاذِهِ فِي وِلاَيَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ عَلَى أَوْلاَدِهِمْ , وَقَدْ تُبَاحُ الاِسْتِعَانَةُ بِأَهْل الْكِتَابِ ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَجُوسِ وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ فِي بَعْضِ الأْمُورِ ، مِثْل الصَّيْدِ وَالذَّبْحِ ، أَمَّا الْمُشْرِكُ وَالْمَجُوسِيّ فَلاَ يَتَوَلَّى الاِصْطِيَادَ وَالذَّبْحَ لِمُسْلِمٍ , وقد أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ اسْتِعَانَةَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِهِ فِي الْقِتَال عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَالشَّافِعِيَّةُ بِشُرُوطٍ ، وَالْمَالِكِيَّةُ بِشَرْطِ رِضَاهُ . ( الموسوعة الفقهية الكويتية –استعانة).
ثالثا : الفرق بين الاستعانة و الإعانة و المظاهرة :

سبق التعريف بالاستعانة , أما الإعانة فهي لُغَةً : مِنَ الْعَوْنِ ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الأْمْرِ , يُقَال : أَعَنْتُهُ إِعَانَةً ، وأعانه على من غالبه ونازعه ونصره عليه , وأعانه على فقره إذا أعطاه ما يعينه وأعانه على الأحمال , ولا يقال نصره على ذلك فالإعانة عامة والنُّصرة خاصة (الفروق اللغوية للعسكري 2173), و المُظَاهَرَةُ هي المعاونة , والظَّهِيرُ هو المعين , و يطلق على الواحد والجمع , وفي التنزيل )وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(( التحريم 4) , قال الإمام القرطبي :وَمَعْنَى ظَهِيرٌ أَعْوَانٌ(المصباح المنير في غريب الشرح الكبير – كتاب الظاء), مما سبق يتبين أن الإعانة و المظاهرة تأتيان بمعنى تقديم العون وهو عكس الاستعانة التي هي طلب العون .

و بذلك يختلف حكم الاستعانة بالكفار عن حكم إعانتهم أو مظاهرتهم , فالاستعانة بالكفار في القتال - وهي أهم مسألة - فيها خلاف بين العلماء بين مانع و مجيز , أما إعانة الكفار في القتال و مظاهرتهم فقد اتفق العلماء على منعها , ولقد اصطلح الفقهاء على استخدام كلمة مظاهرة للدلالة على إعانة الكفار في قتال المسلمين , وهو أمر عظيم يعتبر من نواقض الإسلام , قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الإسلام : "الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى )وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ((المائدة51) , فالمظاهرة هي إعانة الكفار على حرب المسلمين وفيها معنى المحبة والنصرة , ومنها الإعانة بمباشرة القتال , أو الإمداد بالمال والسلاح , أو الإعانة بكشف عورات المسلمين للكفار , أو الذبِّ عنهم باللسان والبيان , وكل هذا يعتبر من التولي وهو ردة واضحة والعياذ بالله .
رابعا : الاستعانة بالكفار والولاء والبراء :

الولاء : لغة من القربِ و يأتي بمعنى الحب والنصرة (لسان العرب - وَلَى), وشرعا بمعنى حب و نصرة الله ورسوله والمؤمنين , قال تعالى ):إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(( المائدة 55).

والبراء :لغة من البُعد ويأتي بمعنى البُغض والعداوة (لسان العرب – بَرَأ) , وشرعا بمعنى بغض و عداوة من يُعَبدُ من دون الله من طواغيت و من يدعو إليه و الكافرين , قال تعالى )قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ...((الممتحنة4).

و إن معاملة الكفار لها ثلاث حالات هي :

التولّي: وهي معاملة مكفّرة مخرجة عن الملة, لأنها تحمل معنى محبة الكفار و دينهم و نصرهم , ومنها مظاهرتهم على المسلمين , والتولّي بهذا اللفظ استخدمه العلماء المعاصرون , وهو عند المتقدمين الموالاة التامة أو المولاة الكبرى التي تحوي عمل القلب وهو محبة الكفار و دينهم و عمل الجوارح وهو نصرتهم , وهذا كفر لا ريب فيه , هذا بالنسبة للحكم المطلق على الفعل , أما الحكم على المعين مرتكب هذا الفعل فهو بحاجة إلى نظر و التأكد من تحقق شروط التكفير و انتفاء موانعه , كما قال شيخ الإسلام بن تيمية : وأما الحكم على المعين بأنه كافر، أو مشهود له بالنّار، فهذا يقف على الدليل المعيَّن؛ فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه.(مجموع الفتاوى 12/485).
الموالاة : وهي معاملة محرمة غير مكفّرة , كتصديرهم في المجالس و ابتدائهم بالسلام و مودتهم التي لا تصل إلى حد التولّي , وهي هنا الموالاة الناقصة أو الموالاة الصغرى , حيث ينتفي فيها عمل القلب وهو حب الكفار ودينهم و يبقى عمل الجوارح من تودد و إعانة و نصر لهم , وذلك كله للدنيا وليس للدين, قال شيخ الإسلام بن تيمية : وَقَدْ تَحْصُلُ لِلرَّجُلِ مُوَادَّتُهُمْ لِرَحِمٍ أَوْ حَاجَةٍ فَتَكُونُ ذَنْبًا يَنْقُصُ بِهِ إيمَانُهُ وَلَا يَكُونُ بِهِ كَافِرًا كَمَا حَصَلَ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بلتعة لَمَّا كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ بِبَعْضِ أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (. وَكَمَا حَصَلَ لِسَعْدِ بْنِ عبادة لَمَّا انْتَصَرَ لِابْنِ أبي فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ . فَقَالَ : لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ : كَذَبْت وَاَللَّهِ ؛ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ : وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ ( مجموع الفتاوى 7/523).
المعاملة الجائزة : وهي ما دلت الأدلة على جوازه مثل العدل معهم، والإقساط لغير المحاربين منهم، وصلة الأقارب الكفار منهم، ونحو ذلك.

و الاستعانة إنما هي معاملة مع الكفار لا تعدو أن تدخل في أحد الحالات السابقة , فإن كان فيها حب للكفار ولدينهم و نصرة لهم فهي ردة عن الدين يكفر مرتكبها عند تحقق الشروط و انتفاء الموانع , وإن كانت لحاجة و مصلحة للمسلمين مع بغض الكفار ودينهم و عدم مداهنتهم فهي معاملة جائزة شرعا بالأصل , و تحكم تفرعاتها الأدلة فإن أتت أدلة شرعية تفيد التحريم و إلا فالحكم بالأصل والأصل الإباحة , كالبيع والشراء و غيرها , والله أعلم .

فلا نستطيع الحكم على المستعين بالكفار بأنه والاهم أو تولاهم بلا دليل واضح يدل على حبه لهم ونصره لدينهم , أو بغضه للمسلمين وعداوته لدينهم , فقد يضطر المسلمون إلى الاستعانة بالكفار لحفظ الإسلام و المسلمين وهو أمر واجب شرعا , وما لا يتم الواجب إلى به فهو واجب , و هذا مثله كأن يضطر المسلمون إلى التقية التي رخص الله لهم بها لحفظ الأنفس ,قال تعالى :)لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ( (28آل عمران) , فالتقية كما وضحت الآية ليست من الولاء للكافرين رغم أنها تلفظ بما يرضيهم من القول اتقاء لشرهم .
المبحث الثاني
الاستعانة بالكفار في غير القتال

إن أساس التّعامل مع الكفّار في غير القتال تحدده الآية القرآنية )لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ((الممتحنة8) أي : لا ينهاكم الله عن الإحسان إلى الكفرة الّذين لم يقاتلوكم في الدّين (تفسير ابن كثير) , فمعلوم أن المعاملات بين المسلمين والكفار مباحة شرعا فيما لا علاقة له بالدّين من أمور الدّنيا كالطّب و الزّراعة وغيرها ,إلا ما ورد دليل على تحريمه , و من المعاملات الاستعانة التي تدخل في عموم قوله تعالى)وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ( (المائدة 2) , وتكون الاستعانة بالكفار في غير القربات من أمور الدنيا , وذلك في ما يجلب النفع للمسلمين ويدفع عنهم الضرر , و خلاف ذلك غير جائز , و مذهب جمهور علماء الأمة عدم جواز الاستعانة بالكفار ذميين كانوا أم غيرهم في الوظائف الهامة كالكتابة و الإدارة والحساب و الوزارة التنفيذية وغير ذلك لأسباب منها :

الأدلة من الكتاب والسنة , و أقوال وأفعال السلف و الخلفاء الراشدين خاصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
قول الله عز وجل )وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا((النساء 141) فلا يجوز أن يتسلط كافر على مسلم .
غياب العقيدة التي هي أساس إخلاص العمل في مصلحة الإسلام والمسلمين .
احتواء هذه الوظائف على معلومات و أسرار لا ينبغي أن يطلع عليها أعداء المسلمين .

ولا خلاف بين العلماء على جواز الاستعانة بالكفار في الأعمال التي لا تضر بالمسلمين ولا يخرجون فيها عن الصَّغار .

و الأدلة على ذلك كثيرة منها ما رواه البخاري في صحيحه (1356):عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» .

وجليٌّ أن الاستعانة بالكفار في أيامنا هذه ضرورة في المجالات التي لا يمكن العمل بها من غير الاستعانة بهم لسبقهم فيها , و ذلك من الإعداد الذي أمر الله به , و ضرورة الاستعانة تحددها ضرورة المجال الذي فرضها , كما أن للاستعانة بالكفار شروط خاصة بكل عمل يستعان بهم فيه نتركها اختصارا .
المبحث الثالث
الاستعانة بالكفار في قتال الكفار
انقسم الفقهاء في المسألة على مذهبين :
الأول : المجيزون للاستعانة :

ذهب الحنفيَةُ والحنابلةُ في الصَّحيحِ منَ المذهبِ والشَّافعيَّةُ ما عدا ابنَ المُنْذِرِ ، وابنَ حبيبٍ منَ المالكيَّةِ ، وهو روايةٌ عن الإمامِ مالكٍ إِلى جوَاز الاستعانةِ بغيرِ المسلِمِ عندَ الحاجةِ, وصرح الشافعية والحنابلة بأنه يشترط أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين و يأمن خيانتهم , فإن كانوا غير مأمونين لم تجز الاستعانة بهم , لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذِّل و المرجف , فالكافر أولى ، وأن يكون حكم الإسلام هو الظاهر بعد غلبتهم على الكفار , كما شرط الإمام البغوي و آخرون شرطا آخر هو أن يَكثر المسلمون , بحيث لو خان المستعان بهم وانضموا إلى الذين يغزونهم أمكنهم مقاومتهم جميعا , و شرط الماوردي أن يخالفوا معتقد العدو , كاليهود والنصارى .( المورد العذب لبيان حكم الاستعانة بالكفار في الحرب -أبو يحيى الليبي حسن قائد)( الموسوعة الفقهية الكويتية)

أدلة المجيزين :

1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: "هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، فَلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الَّذِي قُلْتَ لَهُ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ اليَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا وَقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِلَى النَّارِ"، قَالَ: فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ، فَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"، ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلًا فَنَادَى بِالنَّاسِ: "إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ" (صحيح البخاري (4/ 72) (3062) وصحيح مسلم (1/ 105) 178 - (111)).

2 - عَنِ الهُدْنَةِ، قَالَ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ: قَالَ جُبَيْرٌ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ذِي مِخْبَرٍ، رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:فَأَتَيْنَاهُ فَسَأَلَهُ جُبَيْرٌ عَنِ الهُدْنَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ، فَتُنْصَرُونَ، وَتَغْنَمُونَ، وَتَسْلَمُونَ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ، فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ، وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ " (سنن أبي داود (4/ 109) (4292) صحيح).

3 –شهود صفوان بن أمية وهو مشرك عزوة حنين " وَكَانَ أَخُو صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لِأُمِّهِ، قَالَ أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا فِي الْمُدَّةِ، الَّتِي ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: اسْكُتْ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَلِيَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَلِيَنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ ... الحديث " (صحيح ابن حبان - مخرجا (11/ 95) (4774) صحيح).

4- ما جاء في كتب السيرة عن وثيقة المدينة , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ بِهَذَا الْكِتَابِ: "....... عَلَى الْيَهُودِ نَفَقَتُهُمْ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتُهُمْ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ.... الحديث". فهذا يدل على جواز الاستعانة باليهود في الدفاع عن دار المسلمين.(الأموال للقاسم بن سلام (ص:166) (328) صحيح مرسل)

5 –ما جاء في صلح الحديبية " وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا : نَحْنُ مَعَ عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ ، فَقَالُوا : نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ ...الحديث " .(مسند أحمد 4/19117)

وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ مَكَّةَ لِقِتَالِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ جِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا هَذَا إِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِين افْتَتَحَ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ عَدَتْ خُزَاعَةُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِينَا خَطِيبًا فَقَالَ: "يأيها النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ مِنْ حَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، .... الحديث. (البخاري6/6486) السيرة النبوية لابن كثير (3/ 579)وسيرة ابن هشام (2/ 415))

من الأثرين السابقين يستفاد دخول خزاعة في حلف النبي صلى الله عليه وسلم و دخولهم مكة معه عام الفتح و فيهم المسلم و المشرك .

6 - عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزَا بِنَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ فَأَسْهَمَ لَهُمْ. (مصنف ابن أبي شيبة -دار القبلة (17/ 593) (33835) صحيح مرسل).

7 - عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعِ عَشْرَةَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ، قَلَّدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنَا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ .....الحديث"(البخاري (3/3944)السنن الكبرى للنسائي (8/ 125) (8789) وصحيح ابن حبان - مخرجا (11/ 216) (4872) صحيح).

قال ابن القيم معلقا على صلح الحديبية : "وَمِنْهَا: أَنّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْمُشْرِكِ الْمَأْمُونِ فِي الْجِهَادِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِأَنّ عَيْنَهُ الْخُزَاعِيّ كَانَ كَافِرًا إذْ ذَاكَ وَفِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَنّهُ أَقْرَبُ إلَى اخْتِلَاطِهِ بِالْعَدُوّ وَأَخْذِهِ أَخْبَارَهُمْ." (زاد المعاد (3/ 265))

8 - ومن المعقول أن الاستعانة بغير المسلمين عند الحاجة بمنزلة الاستعانة بالكلاب، وفي شرح السير : "وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ فِي الْقِتَالِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْكِلَابِ، أَوْ كَأَنَّ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي قَهْرِ الْمُشْرِكِينَ، حَيْثُ يُقَاتِلُهُمْ بِمَنْ يُوَافِقُهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ.". (شرح السير الكبير (ص:257)) .
الثاني : المانعون من الاستعانة :

ذهب المالكيَّةِ - مَا عدا ابن حبيبٍ - وجماعةً منْ أهل العلمِ منهمُ ابنُ المنذِرِ ، والجوزجانِيُّ : لا تجوز الاستعانةُ بمشركٍ في الحرب , و قال مالك "ولا أَرَى أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا خَدَما أَوْ نَوَاتِيَّةً " نواتية أي : ملاحون في البحر. ( المورد العذب لبيان حكم الاستعانة بالكفار في الحرب - أبو يحيى الليبي حسن قائد)( الموسوعة الفقهية الكويتية).

أدلة المانعين :

ا- من القرآن الكريم:

قال تعالى:)وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ((هود113)،وقال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ((المائدة51). وقال تعالى:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ((آل عمران118). فهذه الآيات وأمثالها كثيرة في الكتاب العزيز، كلها تحذر من الركون إلى الكافرين وموالاتهم واتخاذهم أصدقاء، والاستعانة بالكفار لا تتمّ إلا بموالاتهم والركون إليهم (وهذا قول المانعين).
ب- من السنة النبوية:

1 - عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ ، وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟" قَالَ: لَا، قَالَ: " فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ "، قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ: "فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ" ،قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: " تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ " قَالَ: نَعَمْ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَانْطَلِقْ" (صحيح مسلم (3/ 1450)).

2- عن خُبَيْبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي وَلَمْ نُسْلِمْ، فَقُلْنَا: إِنَّا نَسْتَحِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَمْ نَشْهَدْهُ مَعَهُمْ. قَالَ :"وَأَسْلَمْتُمَا ؟ " قُلْنَا: لَا. قَالَ : "فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ " (رواه أحمد(3/15854)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 413) (2577) حسن لغيره).

3 - وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى خَلَّفَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَى كَتِيبَةً حَسْنَاءَ فَقَالَ : "مَنْ هَؤُلَاءِ؟" قَالُوا: بَنِي قَيْنُقَاعٍ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَهُوَ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ فَقَالَ: "أَسْلَمُوا؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ: "قُولُوا لَهُمُ ارْجِعُوا؛ فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ" (الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (4/ 97) (2068) حسن وصححه البيهقي).

4 - ومن أثر الصحابة رضي الله عنهم المنع من الاستعانة بالكفار, فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى فِي أَدِيمٍ وَاحِدٍ , وَكَانَ لِأَبِي مُوسَى كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ , يَرْفَعُ إِلَيْهِ ذَلِكَ , فَعَجِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , وَقَالَ: "إِنَّ هَذَا لَحَافِظٌ " وَقَالَ: "إِنَّ لَنَا كِتَابًا فِي الْمَسْجِدِ , وَكَانَ جَاءَ مِنَ الشَّامِ فَادْعُهُ فَلْيَقْرَأْ ", قَالَ: أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ , فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "أَجُنُبٌ هُوَ؟ ", قَالَ: لَا , بَلْ نَصْرَانِيٌّ قَالَ: فَانْتَهَرَنِي , وَضَرَبَ فَخِذِي , وَقَالَ: "أَخْرِجْهُ ", وَقَرَأَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة51) "قَالَ أَبُو مُوسَى: وَاللهِ مَا تَوَلِّيتُهُ , إِنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ , قَالَ: أَمَا وَجَدْتَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ يَكْتُبُ لَكَ؟ لَا تُدْنِهِمْ إِذْ أَقْصَاهُمُ اللهُ , وَلَا تَأْمَنْهُمْ إِذْ خَوَّنَهُمُ اللهُ , وَلَا تُعِزَّهُمْ بَعْدَ إِذْ أَذَلَّهُمُ اللهُ , فَأَخْرِجْهُ " (السنن الكبرى للبيهقي (10/ 216) (20409) صحيح).
ت- ومن المعقول:

أن الكافر غير مأمون على المسلمين، فأشبه المخذِّل والمرجف، و َلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمِنُ مكْره، وَغَائِلَتُهُ لِخُبْثِ طَوِيَّتِهِ، وَالْحَرْبُ تَقْتَضِي الْمُنَاصَحَةَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا " (المبدع في شرح المقنع (3/ 306)).

الجمع والتوفيق بين الأدلة :

نظرا لكثرة الأدلة على جواز الاستعانة و صحّة الأدلة على المنع يتعذّر الترجيح بينها واعتماد أحد القولين , و لقد ناقش العلماء الأدلة و خلصوا إلى عدة أقوال معتبرة هي التالية :

الأول :أن أدلة النهي عن الاستعانة بالمشركين منسوخة : حيث استعان النبي صلى الله عليه وسلم ببعض يهود في غزوة خيبر و شهد صفوان بن أمية غزوة حنين, و كل ذلك بعد غزوة بدر التي قال فيها لا أستعين بمشرك , وعلى هذا القول ردود, منها أن أدلة الإجازة أضعف من أدلة المنع .

الثاني : أن الكفار إذا خرجوا مع جيش المسلمين من غير طلب ولا إذن جاز وإلا فلا : أي أن المنع من طلب العون , أما إن أعان الكفار المسلمين من غير طلب ولا إذن فهو جائز , وهو مردود من جهة أن العلل من منع الاستعانة كلها موجودة في الإعانة و أهمها غشّ الكفار للمسلمين وخيانتهم لهم , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رد من أتى متطوعا كالكتيبة الحسناء بني قينقاع .

الثالث : أن الاستعانة جائزة بأهل الكتاب فقط : وهو مردود لأن أهل الكتاب مشركون بصريح الكتاب والسنة , و أعداء للمسلمين شأنهم شأن غيرهم من الكفار , كما أن النبي صلى الله عليه وسلم رد الكتيبة الحسناء من يهود بني قينقاع .

الرابع : أن الاستعانة المنهي عنها إنما هي استعانة الذليل بالعزيز : مردود لأنه تخصيص لعموم ألفاظ الأحاديث الناهية عن الاستعانة من غير دليل يعوّل عليه , وكون العزيز ليس في حاجة للاستعانة .

الخامس : أن الاستعانة بهم إنما تجوز حال الضرورة : وهو قول فيه تخصيص للأدلة المانعة من الاستعانة , و فيه إحالة على القاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " حيث سمح بالتقية للخائف و أكل الميتة للمضطر , وهذا يقدره الإمام باجتهاده فالضرورة تقدر بقدرها .

السادس : أن الاستعانة بالمشركين غير جائزة بحالٍ، لا عند الضرورة ولا غيرها: وهذا القول مردود لأنه اعتمد على أدلة المنع فقط و ترك أدلة الإجازة , وفيه من التضييق والتّحريج ما فيه .

السابع : أن أمر الاستعانة راجع إلى اجتهاد الإمام : وهو أصحّ الأقوال والله أعلم , وفي هذا يقول الإمام الشافعي –رحمه الله-:(ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركاً أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم، ثم استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر بسنتين في غزاة خيبر بعدد من يهود بني قينقاع كانوا أشداء، واستعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة حنين سنة ثمان بصفوان بن أميّة وهو مشرك، فالرد الأول إن كان لأن له الخيار أن يستعين بمسلم أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه، أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفاً للآخر)( الأم : 4/276).

وقال الإمام ابن حجر وهو يعدد بعض طرق الجمع بين أدلة المسألة : (ومنها : أن الأمر فيه إلى رأي الإمام).(الفتح : 9/301).

فإذا وجد الإمام ضرورة للاستعانة أو تفرس الخير والإسلام في رجل أو أراد تأليف بعضهم عليه استعان بهم, وقد أجاز جمهور الفقهاء الاستعانة بالكافر فردا كان أو جماعة عند الحاجة بالاعتماد على الأدلة السابقة , وهو أمر عائد لاجتهاد و تقدير الإمام و أهل الحل والعقد في دار الإسلام , وهو أمر متعلق بالسياسة الشرعية , ولقد وضع العلماء شروطا للاستعانة متفرقة في كتب الفقه نذكر أهمها تعدادا واختصارا هي :

الشرط الأول : أن يكون الكافر الذي يُستعان به حسن الرأي في المسلمين.

الشرط الثاني : أن يكون حكم الإسلام هو الساري عليهم الجاري فوقهم .

الشرط الثالث : أن يكون مآل الحكم بعد الغلبة والظفر للإسلام وأهله .

الشرط الرابع : وجود الحاجة الحقيقية للاستعانة .

الشرط الخامس : أن يكون المُستعان بهم مأمونين .

الشرط السادس : أن تكون لدى المسلمين قوة تكف شر خيانتهم فيما لو خانوا .

الشرط السابع : مخالفة اعتقاد الكفار المستعان بهم لاعتقاد المستعان عليهم .

الشرط الثامن : أن لا يكونوا منفردين برايتهم .

هذه الشروط يعمل بها أو ببعضها بحسب الحال و المآل و الضرورة , وهذا الأمر تابع للسياسة الشرعية , التي يقدرها الإمام و أهل الحل و العقد و أهل الاختصاص , و كل ذلك حفاظا على بيضة الإسلام و عز المسلمين من جهة , و منعا للركون إلى الكفار و الميل إليهم و الانخداع بهم ولو أعانوا المسلمين في حربهم , و التحرّز من موالاتهم أو توليهم والعياذ بالله مهما كانت الضرورة كما ذكرنا أعلاه من جهة أخرى .
المبحث الرابع
الاستعانة بالكفار في قتال المسلمين

وهذا النوع من الاستعانة إنما يكون من قبل أهل العدل على البغاة من المسلمين , و أهل البغي طائفة من المسلمين تخرج على الإمام الشرعي بتأويل سائغ , ولا يكونون كفاراً بمجرّد خروجهم لأنهم ما خرجوا إلا بتأويل سائغ بل ولا يكونون فساقاً عند بعض العلماء كابن تيمية رحمه الله , وللفقهاء في الاستعانة بالكفار عليهم قولان :
القول الأول :

ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى تحريم الاستعانة بالكفار في قتال البغاة , وذلك لأن القصد كفهم وليس قتلهم , فلا يستعان عليهم بكافر , لأن في ذلك تسليط للكافر على المسلم , قال تعالى )وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا((النساء141) , كما لا يستعان عليهم بمن يرى قتلهم مدبرين , وقال النووي من الشافعية: "إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ فِيهِمْ جُرْأَةٌ وَحُسْنُ إِقْدَامٍ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ مَنْعِهِمْ لَوِ ابْتَغَوْا أَهْلَ الْبَغْيِ بَعْدَ هَزِيمَتِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنِ اجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ لِجَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ " (روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 60)) .
القول الثاني :

ذهب الحنفية إلى جواز الاستعانة بغير المسلمين على بغاة المسلمين، ولكنهم اشترطوا أن يكون حكم الإسلام هو الظاهر , "وَيَتَّفِقُ الْحَنَفِيَّةُ مَعَ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِل الاِسْتِعَانَةُ بِأَهْل الشِّرْكِ إِذَا كَانَ حُكْمُ أَهْل الشِّرْكِ، هُوَ الظَّاهِرَ، أَمَّا إِذَا كَانَ حُكْمُ أَهْل الْعَدْل هُوَ الظَّاهِرَ فَلاَ بَأْسَ بِالاِسْتِعَانَةِ بِالذِّمِّيِّينَ وَصِنْفٍ مِنَ الْبُغَاةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ حَاجَةٌ؛ لأِنَّ أَهْل الْعَدْل يُقَاتِلُونَ لإِعْزَازِ الدِّينِ، وَالاِسْتِعَانَةُ عَلَى الْبُغَاةِ بِهِمْ كَالاِسْتِعَانَةِ عَلَيْهِمْ بِأَدَوَاتِ الْقِتَال " (الموسوعة الفقهية الكويتية (8/ 150)) .
الترجيح :

الراجح هو مذهب الجمهور فلا يجوز الاستعانة بالكفار على المسلمين البغاة , والله أعلم , و ذلك للأسباب التالية :

أن الاستعانة بالكافر على المسلم نوع من تسليطه عليه ، وقد قال الله تعالى: )وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا((النساء141)،فلَا يَجُوزُ تَسْلِيطُ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ .
إن القصد من قتال البغاة ردهم إلى الطاعة , أما الكفار فقصدهم من قتال المسلمين الانتقام منهم واستئصال شأفتهم لما يضمرون لهم من البغضاء والعداء في الدين , وأن قياس الحنفيّة الاستعانة بالكفار ضد البغاة على الاستعانة بالكلاب و أدوات القتال قياس مع الفارق؛ لأنّ الكلب حيوان لا نيّة له، وإنما هو رهن إشارة لصاحبه، وأما الكافر فإنه له نيّة وقصد، وقد أخبر الله عن نوايا الكفار بقوله: )لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ((التوبة10).
إن الاستعانة بالكفار على المسلمين يفتح باب النزاع بينهم , و يضعف المسلمين أمام أعدائهم , و يكون ذريعة لتدخل الكفار في شؤون المسلمين والاطلاع على أسرارهم و عوراتهم, وما خبر الأندلس عنا ببعيد .
أن الإمام إذا ضعف عن قتال أهل البغي فله أن يُؤخّر قتالهم إلى أن تُمْكِنَه القوةُ عليهم، فيؤخّرُهم حتى تقوى شوكةُ أهل العدل ثم يقاتلهم.
يخشى على المستعين بالكفار على المسلمين من موالاتهم والركون إليهم ثم توليهم و العياذ بالله, قال تعالى:)وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ((هود113).

هذا كله إن كان للمسلمين دولة عدل و إمام حريص على الإسلام والمسلمين , فكيف إذا كان المسلمون في ضعف وتشتت , وخيانة ممن تسلط على رقابهم , وكان مرتهنا للكفار وأعداء الأمة ؟ .
المبحث الخامس
الاستعانة بالكفار في قتال الخوارج

اتفق علماء الأمة على تضليل الخوارج و قتالهم , واختلفوا في تكفيرهم على قولين مشهورين هما :
القول الأول :

أنهم كفار كالمرتدين , يجوز قتلهم ابتداء , وقتل أسيرهم , واتّباع مدبرهم , ومن قدر عليه منهم استتيب كالمرتد فإن تاب و إلا قتل , و ممن قال بتكفيرهم الإمام البخاريّ و رواية عن الإمام الشافعي و رواية عن الإمام مالك , و القاضي أبو بكر بن العربي و الشيخ تقي الدين السبكي و الإمام القرطبي (انظر الإبانة الصغرى (152) , الشفا (2/1057) , المغني (239/12)) .

وقد استدل أصحاب هذا القول بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عنهم , و أهمها حديث ذي الخويصرة , " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ " .(البخاريّ (6933) ومسلم (1064)) .

قال القاضي أبو بكر بن العربي في (شرح الترمذي) : الصحيح أنهم كفار لقوله صلى الله عليه وسلم :" يمرقون من الإسلام " و لقوله :"لأقتلنهم قتل عاد " , وفي لفظ "ثمود" , وكل منهما إنما هلك بالكفر , وبقوله : " هم شر الخلق " ولا يوصف بذلك إلا الكفار , ولقوله :" إنهم أبغض الخلق إلى الله تعالى " ,ولحكمهم على كل من خالف معتقدهم بالكفر والتخليد في النار فكانوا هم أحق بالاسم منهم .اه

وعن أبي غالب قال:" كنت بالشام فبعث المهلب ستين راساً من الخوارج فنصبوا على درج دمشق وكنت على ظهر بيت لي إذ مر أبو أمامة فنزلت فاتبعته فلما وقف عليهم دمعت عيناه وقال سبحان الله ما يصنع الشيطان ببني آدم ثلاثا كلاب جهنم كلاب جهنم شر قتلى تحت ظل السماء ثلاث مرات خير قتلى من قتلوه طوبى لمن قتلهم أو قتلوه ثم ألتفت إلي فقال يا أبا غالب أعاذك الله منهم قلت رأيتك بكيت حين رأيتهم قال بكيت رحمة رأيتهم كانوا من أهل الإسلام". رواه البيهقي (8/ 188).

فإذا سلمنا بأنهم كفار فحكم الاستعانة بالكفار على قتالهم كحكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار .
القول الثاني :

أنهم مسلمون بغاة , وهو قول أكثر أهل العلم , وهو قول عليّ رضي الله عنه , فقد ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِل عَنْهُمْ : أَكُفَّارٌ هُمْ ؟ قَال : مِنَ الْكُفْرِ فَرُّوا . قِيل : فَمُنَافِقُونَ ؟ قَال : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً . قِيل فَمَا هُمْ ؟ قَال : هُمْ قَوْمٌ أَصَابَتْهُمْ فِتْنَةٌ ، فَعَمُوا وَصَمُّوا ، وَبَغَوْا عَلَيْنَا ، وَقَاتَلُوا فَقَاتَلْنَاهُمْ (المغني 8 / 105) , وهو قول الإمام أبو حنيفة و الإمام الشافعي , وقد توقف الإمام أحمد بن حنبل فيهم , والقول بعدم تكفيرهم هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية , وذلك لنطقهم بالشهادتين , ومواظبتهم على أركان الإسلام ومحافظتهم عليها , و أقوال أهل العلم فيهم بأنهم فرقة من فرق المسلمين , قال الإمام النووي في: الْمَذْهَب الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ : أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ كَسَائِرِ أَهْل الْبِدَعِ " اه (شرح مسلم (2/50) ). ويقول القرطبي: "وباب التكفير باب خطر، ولا نعدل بالسلامة شيئا" ((فتح الباري) (12/ 301)) .

لكننا وإن سلمنا باعتبارهم من المسلمين نقول ما قال الدكتور غالب عواجي , قال : " والواقع أن الحكم بتكفير الخوارج على الإطلاق فيه غلو، وأن الحكم بالتسوية بينهم وبين غيرهم من فرق المسلمين فيه تساهل" ثم قال: "وفيما يظهر لي أن لا يعمم الحكم على جميع الخوارج بل يقال في حق كل فرقة بما تستحقه من الحكم حسب قربها أو بعدها عن الدين وحسب ما يظهر من اعتقاداتها وآرائها أما الحكم عليهم جميعا بحكم واحد مدحا أو ذما فإنه يكون حكما غير دقيق"(الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها - ص544).

هذا كما أن في معاملتهم كالبغاة تقصيرا في دفع أذاهم عن المسلمين , فالبغاة خرجوا على الإمام بتأوّل سائغ , أما الخوارج فخرجوا على الأمة بتأوّل فاسد , فكفروا المسلمين و استحلوا دماءهم وأموالهم , قال صلى الله عليه وسلم: "يقتلون أهلَ الإسلامِ ويَدَعُون أهلَ الأوثانِ" (البخاري(7432), ومسلم(1064)) , كما أن البغاة يقاتلون قتال طائفة حتى يعودوا إلى طاعة الإمام و التزام الجماعة , أما الخوارج فيقاتلون لاجتثاث فكرهم و قطع قرنهم , وقد حث الرسول صلى الله عليه و سلم على قتلهم و ليس فقط قتالهم (ابن تيمية-الفتاوى الكبرى(743/97)), و الفرق جلي وواضح بين القتل والقتال , قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" (رواه البخاري (7432) ومسلم (1064)) , وقال صلى الله عليه وسلم :"أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ"(رواه البخاري (3611)) , وهذا كله يكون بعد محاورة الخوارج وإقامة الحجة عليهم , و إعطاء الأمان لكل من رجع عن بدعته وضلاله وانتهى عن تكفير وقتل المسلمين , و إلا فقتالهم وقتلهم حتى ينتهي فكرهم , و يقضى على بدعتهم .

فحسب هذا القول - أي عدم تكفيرهم - تكون الاستعانة بالكفار في قتالهم كالاستعانة بالكفار في قتال البغاة , و هذا فيه نظر من جهة ما تقدم من فروق بينهم و بين البغاة , أهمها أنهم خرجوا على الأمة بتأوّل فاسد فكفروا المسلمين واستباحوا دماءهم وأموالهم , فإذا ظهروا على أهل العدل شوهوا الدّين ونشروا بدعتهم و ضلالهم والعياذ بالله , كما أن قتالهم وقتلهم مأمور به لذاته وهو المفهوم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم , فكيف يكون قتل عاد بغير ابتداء قتال و اتباع مدبر و تشتيت صف و الإجهاز على رؤوس الفساد ؟ . وقد منع جمهور الفقهاء من الاستعانة بالكفار على قتال البغاة لأنه لا يستعان عليهم بمن يرى قتلهم مدبرين , وهذا فيه نظر بالنسبة للخوارج المارقين , فعلى الإمام المسلم إعمال السياسة الشرعية , والموازنة بين المصلحة والمفسدة فيما يتعلق بالاستعانة بالكفار في قتال الخوارج , فحال المسلمين بينهم لا يعدوا أن يكون بين خطرين فيزال الخطر الاكبر و الفساد الأعظم بما هو أهون منه , والله أعلم .
المبحث السادس
الاستعانة بسلاح ومال الكفار

إن الأصل المتفق عليه أن معاملة الكفار بالبيع والشراء سواء كانوا أهل ذمة أو عهد أو حرب جائزة , والدليل على ذلك عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال : "كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( بيعا أم عطية ؟ أو قال هبة ) . قال لا بل بيع فاشترى منه شاة "( البخاري(2103)) , و عن عائشة رضي الله عنها قالت : "اشترى رسول الله صلى الله عليه و سلم من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه " (البخاري(1990)) , وعن أبي حميد الساعدي قال : "غزونا مع النبي صلى الله عليه و سلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه و سلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم"(البخاري(2990)) , فكل ما سبق و غيره دل على جواز الشراء من الكفار , و جواز الاقتراض منهم , وجواز قبول هديتهم , كل ذلك خاضع للضوابط الشرعية الموجودة في الكتاب والسنة والتي قال بها العلماء , وهذا في الأحوال العادية التي لا يكون فيها قتال و اضطرار إلى ما سبق من شراء أو قرض أو هبة , فكيف في حالة الاضطرار و قد أمر الله بالإعداد وهو سبب من أسباب النصر ؟ , وقد أخطأ من قرن الأمر بالذلة والصغار وحرمه على المسلمين , فما قوله في رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه ليهودي مقابل بعض الطعام , وهذا كان في آخر عهده عند العز والتمكين ,و هو سيد المسلمين و قائدهم .

وإنه لا يخفى على أحد احتكار الكفار للسلاح في أيامنا هذه , فلا بد من معاملتهم بطريقة أو بأخرى لتأمين العدّة والعتاد لعساكر المسلمين , وهذا أيضا خاضع للسياسة الشرعية و قياس المصلحة والمفسدة , والتي يقدرها إمام المسلمين وأهل الحل والعقد منهم , وقد روى الإمام الطحّاوي في مشكل الآثار " لما بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جمعُ أبي سفيان ليخرج إليه يوم أحد، فانطلق إلى اليهود الذين كانوا في النضير، فوجد منهم نفرا عند منزلهم، فرحبوا، فقال : إنا جئناكم لخير، إنا أهل الكتاب وأنتم أهل الكتاب، وإن لأهل الكتاب على أهل الكتاب النصر، وإنه بلغنا أن أبا سفيان قد أقبل إلينا بجمع من الناس، فإمّا قاتلتم معنا، أو أعرتمونا سلاحا" .(مشكل الآثار 6/73) و في هذا الحديث دلالة على جواز الاستعانة بالكفار و سلاحهم , و عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعاً يوم حنين فقال أغصب يا محمد ؟ فقال : " لا بل عارية مضمونة" .رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم، والبيهقي، وصححه الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة 631). وفيه دلالة أيضا على جواز استعارة سلاح الكافر وهو من الاستعانة , ومعلوم عزّ و تمكين المسلمين بعد فتح مكة , فلا حاجة لهم بأدرع صفوان بالظاهر , إلا أمراً قدّره رسول الله صلى الله عليه وسلم , فالأمر إذا عائد لاجتهاد الإمام .

هذا و الاستعانة بسلاح أو مال الكفار سواء بالشِّراء أو بالاقتراض أو قبول الهبة (المساعدات) له شروط نذكر أهمها اختصارا :

الشرط الأول : أن تكون الحاجة إلى الاستعانة حقيقية , وفيها مصلحة واضحة وراجحة .

الشرط الثاني : أن لا يكون في الاستعانة بسلاح أو مال الكفار تنازل عن شيء من الدين , فمعلوم بالضرورة عداوة الكفار للمسلمين و سعيهم لصرف المسلمين عن دينهم , قال تعالى )وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ((البقرة 217) , فمن الممكن أن يشترط الكفار شروطا تمسّ بالدين , و قد بلغوا في السياسات الماكرة والخبيثة مبلغا يحاولون معه رد المسلمين عن دينهم و استهداف عقيدتهم بلا قتال , وذلك عن طريق هذه المساعدات , فلا يجوز القبول بها , فالغاية لا تبرر الوسيلة , خاصة إذا كانت هذه الوسيلة تؤدي إلى الانحراف عن الغاية الأساسية .

الشرط الثالث : أن لا يكون في الاستعانة تعاونا معهم على الباطل , فقد يشترط الكفار شروطا تدعو المسلمين إلى الركون إلى باطل أو ظلم مقابل إمدادهم بالسلاح والمال , فلا يجوز شرعا القبول بذلك قال تعالى:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ((آل عمران149).

الشرط الرابع : أن لا تؤدي الاستعانة بسلاح ومال الكفار إلى ميل القلب إليهم ومودتهم أو توليهم والعياذ بالله , قال تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ((المائدة51)قال تعالى :)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ((الممتحنة1) , وهذا أهم شرط , فمن الفطرة أن يحب الإنسان من أحسن أليه ويميل قلبه إليه , وهذا خطر عظيم نسأل الله العفو والعافية .

أما في حال عدم وجود إمام للمسلمين, و في حال تفرقهم و عدم اجتماع كلمتهم , فإن الاستعانة بسلاح ومال الكفّار في حال الاضطرار إليه تكون في أضيق الحدود , وبإشراف من قبل أهل العلم المخلصين لكي لا تؤدي إلى مفاسد و وقوع في شراك أعداء الدين , ويجب أن تنضبط بالضوابط السابقة و غيرها مما يجلب المصلحة و يدفع المفسدة , وأهم أمر هو التنسيق بين قيادات المسلمين إن تعددت , وذلك تجنبا للفتنة فالمسلم ضعيف بنفسه قوي بأخيه , و منعا لسوء الظن الذي يؤدي إلى التنازع والفشل , نعوذ بالله من ذلك .
المبحث السابع
الاستعانة بالكفار في الأمور المعنوية

هذه الاستعانة تكون في أمور منها الاستفادة من أقوال الكفار ومواقفهم من قضايا المسلمين , والتعاون معهم على أمور البر والخير, وهنا يجدر أولا ذكر عداوة الكفار للمسلمين , و استمرارهم بالكيد لهم في السر والعداوة في العلن , و اجتماعهم على حرب المسلمين , وهذا هو الأصل , وللأصل استثناءات , قال تعالى)وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ((البقرة109), و قال تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ((آل عمران118) , و الأحداث تدل على ذلك , ومنهم من يستفاد منه ويستعان به على البر و الخير , قال تعالى)وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ((آل عمران75) و قال تعالى)وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ((المائدة82) .

فبالنسبة للاستعانة بالكفار على البر والخير فتدخل في عموم قوله تعالى )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ((المائدة2) , و من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الاستفادة من مواقف الكفار التي توصل إلى البر والخير , كما كان منه عند الاستفادة من مواقف عمه أبي طالب و رهطه بني هاشم والمطعم بن عدي وغيرهم وهذا في مكة مهد الدعوة إلى الإسلام, و قوله صلى الله عليه وسلم عند الحديبية عن قريش : "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا" (البخاري2731) . وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم حلف الفضول قال:" لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت" ( ابن هشام : 1/133) . وحلف المطيبين قَالَ : "شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلامٌ ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ" (مسند أحمد1655). و قد كانا بين كفار , فهل بعد هذا البيان بيان ؟ . ولقد أخطأ من قرن الاستعانة بالكفار في الأمور المعنوية بالاستجداء و الاستعطاف و الاسترحام , وهذا فيه غلو و تحريج على الأمة , كما أن فيه تعطيلا للأدلة , و تركا لهديه صلى الله عليه وسلم .

و الواجب على المسلمين الاستفادة من كل ما فيه مصلحة لدينهم ولهم , و التعاون مع كل داع إلى بر , والأصل أن يكون المسلم هو السبَّاق في الدعوة إلى البر و الخير, فكيف بنا اليوم و قد تطورت العلاقات بين الأمم و ظهرت الكثير من المنظمات التي تهتم بحقوق الإنسان , و إن الكثير مما تدعو إليه لا يختلف عما يدعو إليه ديننا الحنيف , و هذا الأمر إنما تحكمه السياسة الشرعية أيضا , فإذا اشتغل به متخصصون عاد على الأمة بالنفع , فهو في أيامنا من أسباب النصر , ومعلومة مكانة الإعلام والرأي العام في الحروب , هذا مع عدم اهمال الإعداد و الجهاد الذي فيه عزّ الأمة وتمكينها وهو ذروة السّنام , والله المستعان .
الخاتمة :

بعد هذا العرض المختصر للمسألة و بعض ما يتفرّع عنها يتبيّن غلّو وانحراف من حرّم الاستعانة بالكفّار و مَنَعَهَا لشبهات واهية أساسها سوء الظّن و التّنطع والتّضييق على الأمة في ساعة عسرتها , فكَفّروا من استعان بالكفّار و اتهموه بالردّة جزافا , و يتبيّن دنوّ و انحراف من تساهل في المسألة و قدّم التنازلات و أعطى الدنية في دينه ليحصل على الإعانة من أعداء الدّين , فكانت استعانته بالكفّار في الحقيقة إعانة و مظاهرة لهم ورضا بشروطهم التّي تمسّ الدّين و مداهنة لهم و ردّة عن الإسلام والعياذ بالله إلا من تبين جهله أو تأويله , فالأمر دقيق و بحاجة إلى نظر من قبل أهل العلم المخلصين الذّين يلتزمون الوسط بين الفريقين , و معلوم أن لكلّ ساحة من ساحات الجّهاد ظروفها و خاصيّاتها التّي تتميّز بها عن غيرها , فلا يمكن العمل باجتهاد ينطبق على زمان ومكان وظروف في زمان ومكان و ظروف غيرها .

و الأمر كما تبين تحكمه السياسة الشرعية وفقه النوازل , الذي سار فيه الفقهاء على ثلاثة مناهج :

أولاً : منهج التّضييق والتّشديد : وهذا مخالف لقوله تعالى :)لَقَدْ جَاءكمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ((التّوبة 128) , وقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسّراً"(مسلم1732 )ولما بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ قَالَ: "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا"(البخاريّ3038) , وهذه المنهج المخالف سببه إمّا التّعصب للمذهب أو للآراء أو لأفراد العلماء , أو التّمسك بظاهر النّصوص فقط دون فقهها ومعرفة مقصد الشّرع منها , أو الغلوّ في سدّ الذّرائع والمبالغة في الأخذ بالاحتياط عند كلّ خلاف .

ثانيا : منهج المبالغة في التّساهل والتّيسير : وذلك تضحية بثوابت الدين و تنازلا عن الأصول تماشيا مع ضغوط الواقع و نفور الناس عن الدين , و أهم ملامح هذا الاتجاه الإفراط بالعمل بالمصلحة ولو عارضت النّصوص , وتتبّع الرّخص والتّلفيق بين المذاهب , و التّحايل الفقهي على أوامر الشرع , وهذا كلّه مذموم و يؤدي إلى محظورات لا تحمد عقباها .

ثالثا : المنهج الوسط المعتدل في النّظر والإفتاء : ولاشك أن هذا الاتجاه هو اتجاه أهل العلم والورع والاعتدال بين الإفراط والتّفريط و الغلو والتّساهل , ينظر في واقع النّازلة و ما استجّد من أمور فيفتي وفق مقتضى الأدلّة الشّرعيّة وأصول الفتيا ,وما أحسن ما قاله الإمام سفيان الثّوريّ ـ رحمه الله ـ:"إنّما العلم عندنا الرّخصة من ثقة فأما التّشدد فيحسنه كل أحد" والظّاهر أنّه يعني تتّبع مقصد الشارع بالأصل الميسور المستند إلى الدليل الشرعي. (ضوابط الفتيا في النوازل المعاصرة25).

فللأمر ضوابط ينبغي أن يراعيها المجتهد قبل الحكم في النّازلة .

ولا يخفى على مسلم أمر نازلة الشّام , و الجهاد فيها ضدّ العدو الباطني النّصيري و من يؤازره من رافضة و كفّار , و تداعي الأمم لحرب المسلمين و الكيد بهم , ومنع أسباب النصر عنهم , بل وحتى أسباب دفع هذا العدو الصّائل , الّذي يستهدف الدّين والنّفس والعقل و العرض والمال , و لا سبيل إلى دفعه إلا بعدّة هذا العصر وعتاده مما احتكره الكفار , فهل بعد هذه الضّرورة ضرورة ؟ .

كما أن الجهاد في الشام جهاد عزّ الأمّة و مكانتها , فالشّام أرض الايمان و البركة و الرّباط , و هي أرض الملاحم الّتي بشّر بها النّبي صلّى الله عليه وسلّم , و الأحاديث في فضل الشّام كثيرة , فعلى المجاهدين في الشّام بذل الغالي و النّفيس لتحقيق النصر للأمّة في هذه الملمّة , و العمل بشرع الله عزّ وجلّ بما فيه من عزائم ورخص , فيما يتعلق بمسألة الاستعانة بالكفار على اختلاف انواعها وغيرها من نوازل معاصرة , و العمل بالسياسة الشّرعية خاصة و الّتي يقوم عليها إمام المسلمين و أهل الحلّ والعقد منهم , و أهل الاختصاص من علماء مخلصين , فهم يستشارون و يستضاء بعلمهم حتّى في حال عدم الاجتماع على إمام .

اللّهم وحّد صفّ المسلمين و اجمع كلمتهم و انصرهم على أعدائك و أعدائهم , والحمد لله ربّ العالمين .
)إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ( (هود88)

المكتب الشرعي العام لألوية صقور الشام
المكتب العلمي
الجمعة 1/جمادى الأولى /1436 الموافق 20/2/2015

المصدر
LihatTutupKomentar